العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هناك لصوص وهناك لصوص

لا‭ ‬تثريب‭ ‬على‭ ‬الشخص‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬غبيا‭ ‬بسبب‭ ‬الأمية‭ ‬أو‭ ‬نقصان‭ ‬العقل‭ ‬أو‭ ‬لعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعلم،‭ ‬وأغبياء‭ ‬كثيرون‭ ‬ستروا‭ ‬وأخفوا‭ ‬غباءهم‭ ‬بعد‭ ‬تعرضهم‭ ‬للتهكم‭ ‬المستمر‭ ‬او‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬أخطاء‭ ‬جسيمة،‭ ‬بالسير‭ ‬حذاء‭ ‬الجدار‭ ‬أي‭ ‬إيثار‭ ‬السلامة‭ ‬بالكف‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬والفعل‭ ‬الذي‭ ‬يجلب‭ ‬الشماتة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفدح‭ ‬منها‭.‬

كنت‭ ‬أشاهد‭ ‬قناة‭ ‬فضائية‭ ‬بريطانية‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬عندما‭ ‬جاءت‭ ‬حكاية‭ ‬توماس‭ ‬مكفيرسن،‭ ‬الذي‭ ‬اقتحم‭ ‬محل‭ ‬مراهنات‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬جلاسجو‭ ‬الأسكتلندية‭ ‬مسلحا‭ ‬بمسدس،‭ ‬ليطالب‭ ‬موظف‭ ‬الخزينة‭ ‬بتسليمه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬نقود‭ ‬سائلة،‭ ‬وكانت‭ ‬مشكلة‭ ‬مكفيرسن‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬تمتام،‭ ‬وبالتالي‭ ‬وقف‭ ‬أمام‭ ‬الخزينة‭ ‬ملوحا‭ ‬بمسدسه،‭ ‬وبدأ‭ ‬يقول‭ (‬بالإنجليزية‭ ‬طبعا‭ ‬يا‭ ‬مرسي‭): ‬سسسسسس‭....‬سللللل‭... ‬أوووووه‭.... ‬أرأرأرأر‭.. ‬وظل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬سلمني‭ ‬ما‭ ‬عندك‭ ‬من‭ ‬نقود،‭ ‬أريد‭ ‬النقود‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬الخزينة‭ ‬كلها‮»‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬إكمال‭ ‬جملة‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬مراده‭ ‬وطلبه،‭ ‬فأصيب‭ ‬موظف‭ ‬الخزينة‭ ‬بالزهج،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استمر‭ ‬مكفيرسن‭ ‬يتمتم‭ ‬ست‭ ‬دقائق‭ ‬بالتمام‭ ‬والكمال،‭ ‬ومد‭ ‬له‭ ‬341‭ ‬جنيها‭ ‬فانفرجت‭ ‬أسارير‭ ‬مكفيرسن‭ ‬ووقف‭ ‬يقول‭: ‬مممممممممور،‭ ‬أي‭ ‬هات‭ ‬المزيد،‭ ‬فجاء‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬خلفه‭ ‬وملأ‭ ‬يديه‭ ‬بالحديد،‭ ‬نعم،‭ ‬كان‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬قد‭ ‬وصلوا‭ ‬وقيدوا‭ ‬مكفيرسن،‭ ‬وحكم‭ ‬عليه‭ ‬لاحقا‭ ‬بالسجن‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭.‬

حزنت‭ ‬للرجل‭ ‬كما‭ ‬أحزن‭ ‬كلما‭ ‬وقع‭ ‬لص‭ ‬غلبان‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬العدالة،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬لص‭ ‬عندنا‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬التمتمة،‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬جملة‭ ‬مفيدة‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬وفاعل‭ ‬ومفعول‭ ‬به،‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬لشهر‭ ‬مسدس‭ ‬أو‭ ‬بندقية‭ ‬ليملأ‭ ‬جيوبه‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬عام‭ ‬أو‭ ‬خاص،‭ ‬وتعطيه‭ ‬الشرطة‭ ‬‮«‬تعظيم‭ ‬سلام‮»‬،‭ ‬وبوضوح‭ ‬أكثر‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬جيوش‭ ‬التنابلة‭ ‬التي‭ ‬تملأ‭ ‬مكاتبنا‭ ‬وتتحكم‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬العمل‭ ‬العام،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لديها‭ ‬أدنى‭ ‬دراية‭ ‬بطبيعة‭ ‬العمل‭ ‬الموكل‭ ‬إليها،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يحمل‭ ‬درجات‭ ‬علمية‭ ‬رفيعة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬صار‭ ‬فيه‭ ‬ممكنا‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬أحدهم‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تأثير‭ ‬الفسيخ‭ ‬على‭ ‬أسنان‭ ‬الهندوس‭ ‬والسيخ‮»‬،‭ ‬وينال‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬وطالما‭ ‬أنه‭ ‬دكتور‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬منصب‭ ‬خطير،‭ ‬تقول‭ ‬لهم‭ ‬إنه‭ ‬طرطور‭ ‬وليس‭ ‬دكتورا،‭ ‬فيقولون‭ ‬لك‭ ‬إن‭ ‬كلامك‭ ‬هذا‭ ‬مغرض،‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬الحسد‭ ‬والغيرة‭ ‬المرضية،‭ ‬وإنك‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬أهلية‭ ‬وحكمة‭ ‬من‭ ‬منح‭ ‬الدكتور‭ ‬المنصب،‭ ‬ويكون‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الطرطور‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬طراطير‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬حتى‭ ‬الدرجة‭ ‬العلمية‭ ‬الفسيخية،‭ ‬أن‭ ‬يديروا‭ ‬إدارات‭ ‬عامة‭ ‬لحساباتهم‭ ‬الشخصية‭ ‬والعائلية‭.‬

وقرأت‭ ‬حكاية‭ ‬رجل‭ ‬آخر‭ ‬اقتحم‭ ‬مصرفا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مودستو‭ ‬بكليفورنيا‭ ‬مسلحا‭ ‬بمسدس،‭ ‬ومرتديا‭ ‬قناعا،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬‮«‬تأثير‭ ‬التونا‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬مارادونا‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬نسي‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬في‭ ‬القناع‭ ‬ثقوبا‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬الرؤية،‭ ‬فظل‭ ‬يتخبط‭ ‬داخل‭ ‬البنك‭ ‬حتى‭ ‬تعب‭ ‬ثم‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬معلقا‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬دوار‭ ‬فسقط‭ ‬وأصيب‭ ‬بجروح،‭ ‬وجاءت‭ ‬جماعة‭ ‬الإسعاف‭ ‬واقتادوه‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬ولم‭ ‬توجه‭ ‬إليه‭ ‬الشرطة‭ ‬تهمة‭ ‬محاولة‭ ‬السطو‭ ‬المسلح،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬‮«‬يلحق‮»‬‭ ‬ويشهر‭ ‬سلاحه‭ ‬ويطالب‭ ‬بالمال،‭ ‬وكان‭ ‬مسدسه‭ ‬مرخصا،‭ ‬واكتفت‭ ‬الشرطة‭ ‬بتوجيه‭ ‬إنذار‭ ‬إليه‭ ‬بعدم‭ ‬حمل‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عام‭.‬

الغربيون‭ ‬الأغبياء‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬أقنعة‭ ‬عندما‭ ‬يريدون‭ ‬ممارسة‭ ‬السرقة،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فإن‭ ‬السرقة‭ ‬عندنا‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ناجحة‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬اللص‭ ‬مكشوف‭ ‬الوجه،‭ ‬كي‭ ‬يرى‭ ‬الآخرون‭ ‬عينه‭ ‬الحمراء،‭ ‬وكي‭ ‬تعرف‭ ‬السلطات‭ ‬الأمنية‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الوجاهة‭ ‬فلا‭ ‬تعترض‭ ‬طريقه،‭ ‬بل‭ ‬توفر‭ ‬له‭ ‬الأمان‭ ‬والحصانة،‭ ‬فمجتمعاتنا‭ ‬‮«‬آمنة‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬اللصوص‭ ‬ليسوا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬لنهب‭ ‬الأموال،‭ ‬أكيد‭ ‬عندنا‭ ‬شوية‭ ‬لصوص‭ ‬يستخدمون‭ ‬السلاح،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الغباء‭ ‬والظلم‭ ‬مقاومتهم‭ ‬ومطاردتهم‭ ‬لأن‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬لا‭ ‬يطمح‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬قيمته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬دولارات‭. ‬شخصيا‭ ‬تعرضت‭ ‬للنشل‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الحيوان‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬وحاولت‭ ‬ملاحقة‭ ‬النشال‭ ‬فشهر‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬مطواة‭ ‬حادة‭ ‬الأطراف‭ ‬فقلت‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بدهاش‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬نشلني‭ ‬علبة‭ ‬سجائر‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬اسمه‭ ‬برنجي‭ ‬يسبب‭ ‬السعال‭ ‬الديكي‭! ‬وحمدت‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬أذهب‭ ‬عني‭ ‬الأذى‭ ‬وعافاني‭ (‬من‭ ‬المطواة‭ ‬والسجائر‭ ‬البذيء‭ ‬ذاك‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا