زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هناك لصوص وهناك لصوص
لا تثريب على الشخص إذا كان غبيا بسبب الأمية أو نقصان العقل أو لعدم القدرة على التعلم، وأغبياء كثيرون ستروا وأخفوا غباءهم بعد تعرضهم للتهكم المستمر او الوقوع في أخطاء جسيمة، بالسير حذاء الجدار أي إيثار السلامة بالكف عن القول والفعل الذي يجلب الشماتة أو ما هو أفدح منها.
كنت أشاهد قناة فضائية بريطانية مع مجموعة من الأصدقاء، عندما جاءت حكاية توماس مكفيرسن، الذي اقتحم محل مراهنات في مدينة جلاسجو الأسكتلندية مسلحا بمسدس، ليطالب موظف الخزينة بتسليمه كل ما عنده من نقود سائلة، وكانت مشكلة مكفيرسن تكمن في أنه تمتام، وبالتالي وقف أمام الخزينة ملوحا بمسدسه، وبدأ يقول (بالإنجليزية طبعا يا مرسي): سسسسسس....سللللل... أوووووه.... أرأرأرأر.. وظل على هذا المنوال يحاول أن يقول «سلمني ما عندك من نقود، أريد النقود التي في الخزينة كلها»، من دون أن ينجح في إكمال جملة تنم عن مراده وطلبه، فأصيب موظف الخزينة بالزهج، بعد أن استمر مكفيرسن يتمتم ست دقائق بالتمام والكمال، ومد له 341 جنيها فانفرجت أسارير مكفيرسن ووقف يقول: مممممممممور، أي هات المزيد، فجاء رجل من خلفه وملأ يديه بالحديد، نعم، كان رجال الشرطة قد وصلوا وقيدوا مكفيرسن، وحكم عليه لاحقا بالسجن ست سنوات.
حزنت للرجل كما أحزن كلما وقع لص غلبان في يد العدالة، فكم من لص عندنا قد لا يعاني من التمتمة، ولكنه لا يستطيع أن يقول جملة مفيدة من فعل وفاعل ومفعول به، ولا يحتاج لشهر مسدس أو بندقية ليملأ جيوبه بكل ما يقع بين يديه من مال عام أو خاص، وتعطيه الشرطة «تعظيم سلام»، وبوضوح أكثر أتحدث عن جيوش التنابلة التي تملأ مكاتبنا وتتحكم في سير العمل العام، من دون أن تكون لديها أدنى دراية بطبيعة العمل الموكل إليها، وبعضهم يحمل درجات علمية رفيعة في زمن صار فيه ممكنا أن يقدم أحدهم بحثا عن «تأثير الفسيخ على أسنان الهندوس والسيخ»، وينال الدكتوراه، وطالما أنه دكتور فلا بد له من منصب خطير، تقول لهم إنه طرطور وليس دكتورا، فيقولون لك إن كلامك هذا مغرض، ينم عن الحسد والغيرة المرضية، وإنك تشكك في أهلية وحكمة من منح الدكتور المنصب، ويكون من حق الطرطور وغيره من طراطير لا يحملون حتى الدرجة العلمية الفسيخية، أن يديروا إدارات عامة لحساباتهم الشخصية والعائلية.
وقرأت حكاية رجل آخر اقتحم مصرفا في مدينة مودستو بكليفورنيا مسلحا بمسدس، ومرتديا قناعا، ولكن يبدو أنه كان يحمل دكتوراه في «تأثير التونا على عقل مارادونا»، فقد نسي أن يفتح في القناع ثقوبا تعينه على الرؤية، فظل يتخبط داخل البنك حتى تعب ثم وجد نفسه معلقا في باب دوار فسقط وأصيب بجروح، وجاءت جماعة الإسعاف واقتادوه إلى المستشفى، ولم توجه إليه الشرطة تهمة محاولة السطو المسلح، لأنه لم «يلحق» ويشهر سلاحه ويطالب بالمال، وكان مسدسه مرخصا، واكتفت الشرطة بتوجيه إنذار إليه بعدم حمل السلاح في مكان عام.
الغربيون الأغبياء يحتاجون إلى أقنعة عندما يريدون ممارسة السرقة، أما نحن فإن السرقة عندنا لا تكون ناجحة إلا عندما يكون اللص مكشوف الوجه، كي يرى الآخرون عينه الحمراء، وكي تعرف السلطات الأمنية أنه من أصحاب الوجاهة فلا تعترض طريقه، بل توفر له الأمان والحصانة، فمجتمعاتنا «آمنة» لأن اللصوص ليسوا بحاجة إلى استخدام السلاح لنهب الأموال، أكيد عندنا شوية لصوص يستخدمون السلاح، ولكن من الغباء والظلم مقاومتهم ومطاردتهم لأن الواحد من هذه الفئة لا يطمح فيما لا تتجاوز قيمته أكثر من خمسة دولارات. شخصيا تعرضت للنشل مرة في حديقة الحيوان في الخرطوم وحاولت ملاحقة النشال فشهر في وجهي مطواة حادة الأطراف فقلت «ما بدهاش»، فقد نشلني علبة سجائر من نوع اسمه برنجي يسبب السعال الديكي! وحمدت الله الذي أذهب عني الأذى وعافاني (من المطواة والسجائر البذيء ذاك).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك