العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

حين تبدأ الألغاز تضيع الحقيقة!

{‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬الحوادث‭ ‬الغامضة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬تبدأ‭ ‬الحكاية‭ ‬عادة‭ ‬بلغز‭ ‬واحد‭ ‬لتصبح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ألغازًا‭ ‬كثيرة‭! ‬ثم‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الألغاز‭ ‬ينسج‭ ‬الغموض‭ ‬خيوطه،‭ ‬فتتفاوت‭ ‬الآراء‭ ‬وتختلف‭ ‬التحليلات‭ ‬وتتناقض‭ ‬الخلاصات،‭ ‬والضحية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬دائمًا‭! ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬أصابع‭ ‬الجاني‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬وأصابع‭ ‬المتواطئين‭ ‬معه‭ ‬قد‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬الضبابية‭! ‬حينها‭ ‬يتمّ‭ ‬تسجيل‭ ‬الحادثة‭ ‬أو‭ ‬الأحداث‭ ‬بأنها‭ ‬غامضة‭ ‬ويتم‭ ‬قفل‭ ‬القضية،‭ ‬لتدور‭ ‬دائرة‭ ‬النسيان‭ ‬فتأخذها‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬معها،‭ ‬انتظارًا‭ ‬لأحداث‭ ‬غامضة‭ ‬أخرى‭! ‬هكذا‭ ‬يتم‭ ‬نسج‭ ‬قصص‭ ‬‮«‬أجاثا‭ ‬كريستي‮»‬‭ ‬المعروفة‭ ‬بقصصها‭ ‬البوليسية‭ ‬الغامضة،‭ ‬وحيث‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الحقيقي‭ ‬مثلا‭ ‬من‭ ‬يرصد‭ ‬الأحداث‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬‮«‬شارلوك‭ ‬هولمز‮»‬‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬الخيوط‭ ‬حتى‭ ‬يكتشف‭ ‬الحقيقة‭ ‬ويبدّد‭ ‬الغموض‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬إسماعيل‭ ‬هنية‮»‬‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬يلفه‭ ‬الغموض،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬خيوط‭ ‬الجريمة‭ ‬تتسرب‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭!‬

‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لها،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬مدى‭ ‬موثوقية‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيه،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬فيديوهات‭ ‬ولا‭ ‬صور‭ ‬تم‭ ‬إعلانها،‭ ‬لتوضح‭ ‬كيف‭ ‬حدث‭ ‬الانفجار‭ ‬أبصاروخ‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬أم‭ ‬بعبوة‭ ‬ناسفة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬غرفة‭ ‬نوم‭ ‬هنيّة؟‭! ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التقرير‭ ‬يقول‭ (‬تم‭ ‬زرع‭ ‬العبوات‭ ‬الناسفة‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬غرف‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬منشأة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عملاء‭ ‬إيرانيين‭ ‬استأجرهم‭ ‬الموساد،‭ ‬وكانت‭ ‬الخطة‭ ‬الأصلية‭ ‬هي‭ ‬تفجير‭ ‬المبنى‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو،‭ ‬وقت‭ ‬وصول‭ ‬‮«‬هنيّة‮»‬‭ ‬لحضور‭ ‬جنازة‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬‮«‬رئيسي‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬المبنى‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬فشل‭ ‬العملية‭)!‬

ويضيف‭ ‬التقرير‭: (‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬العملاء‭ ‬بواسطة‭ ‬الكاميرات‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬ولاذوا‭ ‬بالفرار‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الإيرانية‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬قصير،‭ ‬وبحسب‭ ‬شكوك‭ ‬الإيرانيين‭ ‬فإن‭ ‬هؤلاء‭ ‬عملاء‭ ‬من‭ ‬‮«‬الوحدة‭ ‬الأمنية‮»‬‭ ‬التابعة‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬لاحقًا‭ ‬اعتقال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬24‭ ‬مشتبها‭ ‬في‭ ‬تورطهم‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬كبار‭ ‬ضباط‭ ‬المخابرات‭ ‬والمسؤولين‭ ‬العسكريين‭ ‬والعاملين‭ ‬في‭ ‬منشأة‭ ‬الإقامة‭ ‬التي‭ ‬أقام‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬هنية‮»‬‭)!‬

{‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬يثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تملك‭ ‬إيران‭ ‬جرأة‭ ‬البحث‭ ‬فيها،‭ ‬ولكنها‭ ‬لن‭ ‬تفعل‭ ‬لأن‭ ‬إعلان‭ (‬اختراق‭ ‬أمني‭ ‬متواصل‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وبشكل‭ ‬خطير‭) ‬هو‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬نظامها‭! ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬صورة‭ ‬للانفجار‭ ‬في‭ ‬المبنى‭ ‬حتى‭ ‬الآن؟‭! ‬لماذا‭ ‬تخفي‭ ‬إيران‭ ‬الرواية‭ ‬الحقيقية‭ ‬حول‭ ‬مقتل‭ ‬‮«‬رئيسي‮»‬‭ ‬ومقتل‭ ‬علمائها‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬عناصرها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬مثلاً؟‭! ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬بقيت‭ ‬غامضة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬مخترق‭ ‬بقوة،‭ ‬وعلى‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى،‭ ‬من‭ ‬‮«‬الموساد‮»‬‭!‬

{‭ ‬‮«‬خليل‭ ‬الحيّة‮»‬‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬حماس‭ ‬القيادية‭ ‬قال‭: (‬إن‭ ‬الامن‭ ‬الإيراني‭ ‬تولى‭ ‬مسؤولية‭ ‬حماية‭ ‬الأخ‭ ‬الشهيد‭ ‬‮«‬إسماعيل‭ ‬هنية‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬وصولنا،‭ ‬وأبعد‭ ‬حراسه‭ ‬الشخصيين،‭ ‬وخصص‭ ‬لهم‭ ‬مكانا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توضيح‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭! ‬والشهيد‭ ‬‮«‬وسيم‮»‬‭ ‬طلب‭ ‬إيصال‭ ‬الهاتف‭ ‬إليه‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭)! ‬‮«‬خليل‭ ‬الحية‮»‬‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الوفد‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬‮«‬إسماعيل‭ ‬هنية‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭.‬

وأضاف‭: (‬إن‭ ‬كل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الخلوية‭ ‬سُحبت‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المرافقين‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬سحبهم‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭! ‬وإن‭ ‬‮«‬هنية‮»‬‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بتغيير‭ ‬غرفته‭ ‬كل‭ ‬ربع‭ ‬ساعة‭)! ‬هل‭ ‬كان‭ ‬يراوده‭ ‬إحساس‭ ‬غامض‭ ‬بأنه‭ ‬عرضة‭ ‬للاغتيال؟‭!‬

{‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السرديات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يشعر‭ ‬بغموض‭ ‬الحدث‭! ‬وبسؤال‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬استهدافه‭ ‬من‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدوحة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬تركيا‭ ‬ولماذا‭ ‬نجح‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬طهران؟‭!‬

لماذا‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬اغتيال‭ ‬القيادات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لحماس‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬عشرة‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬رقعة‭ ‬صغيرة‭ ‬مثل‭ ‬غزة،‭ ‬وأجواؤها‭ ‬مليئة‭ ‬بكل‭ ‬تقنيات‭ ‬التجسس‭ ‬والرصد؟‭!‬

{‭ ‬هذا‭ ‬الاغتيال‭ ‬وقبله‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬رئيسي‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يصفه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المراقبين،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬مجددًا‭ ‬فتح‭ ‬ملفه‭ ‬لحل‭ ‬اللغز‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬سقوط‭ ‬طائرته‭! ‬وكل‭ ‬الأحداث‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬تشي‭ ‬بأن‭ (‬الاختراق‭ ‬الأمني‭) ‬من‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬الموساد‮»‬‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬عالية،‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬مسرحًا‭ ‬مريحًا‭ ‬لعملياتها‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬وللاغتيالات‭! ‬ومثلها‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬والعراق،‭ ‬تطرح‭ ‬ذات‭ ‬الأسئلة‭ ‬والشكوك‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا