عالم يتغير
فوزية رشيد
محكمة العدل الدولية: الإقرار بالحق ولا تنفيذ له!
{ حين تقر محكمة العدل الدولية وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، أي أعلى هيئة قضائية على مستوى العالم بأن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية غير قانوني ويجب أن ينتهي في أسرع وقت ممكن، وأن الكيان الصهيوني يمارس التمييز بصورة منهجية ضد الفلسطينيين وأن سياساته تنتهك حقهم في تقرير المصير، ولتدعو المحكمة إلى وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة، وتقديم تعويضات عن الأضرار الناجمة عن الاحتلال! فهذا القرار هو من الإقرار بالحق، وإن تأخر صدوره!
{ إن كل ذلك هو من الحق الذي يعرفه الجميع اليوم، ولكن ليس لأحد القدرة على تنفيذ ما يستلزمه هذا الحق من إجراءات، وخاصة أن رأي محكمة العدل الدولية غير ملزم! وأن دعوتها لدول العالم في الأمم المتحدة كافة إلى عدم الاعتراف بسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، هي دعوة حتى لو تم التصويت عليه بالغالبية العظمى في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فإن الفيتو الأمريكي جاهز بالمرصاد! ورغم ذلك حاولت أمريكا وبريطانيا عدم إصدار هذا القرار الذي هو في النهاية يحمل صفة انتصار معنوي للقضية الفلسطينية لا أكثر! طالما ليس بإمكان أحد من الدول (تنفيذ القرار بما يستحقه من آليات النبذ الدولي العام وفرض العقوبات والمقاطعة) لكيان جعله النظام الغربي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة فوق القانون الدولي وخارج نطاق العالم كله! بحيث تم فرضه على العالم بصفة الاستثنائي في كل شيء!
{ في الوقت ذاته واستقواء بأمريكا والغرب والفيتو، جاء الرد الإسرائيلي على قرار المحكمة استفزازيا إلى أبعد حد، ويتسم بالوقاحة وتزييف التاريخ حين قال نتنياهو إن (أرض فلسطين هي أرض آبائه وأجداده، وبالتالي لا ينطبق عليه صفة المحتل)! ووصف قرار المحكمة بأنه سخيف ومعاد للسامية! وهكذا مرر قادة الكيان الصهيوني أمرا أكثر خطورة من كونه يمثل احتلالا استعماريا، بأنه اعتبر أن أرض فلسطين كلها له! بما يحيلنا مجددا إلى أنه يعتبر أن الفلسطينيين دخلاء على أرضهم التاريخية، وبذلك يجب قتلهم والاستمرار في إبادتهم لتصفو الأرض للصهاينة وحدهم، رغم أنهم هم الدخلاء والمستعمرون!
{ جاء ذلك التصريح بعد وقت قصير من قرار الكنيست الصهيوني بأن حل الدولتين لا مكان له، وأنه تهديد وجودي للكيان! هذا الكيان الغاصب والمزور للتاريخ والحقائق ليستمر وجوده! وفي هذا الخطاب تم بالتالي قفل أي حديث عن حل الدولتين بالنسبة إلى الصهاينة! وأوضح أن كل الكلام الدولي عن السلام لا مكان له في أجندتهم! وعليه فإن حرب الإبادة في غزة مستمرة، رغم كل الوجع العالمي من المشاهد اليومية التي لا سابق لها في تاريخ الحروب إلا في بداية تأسيس أمريكا على جماجم الهنود الحمر وفي أستراليا، وحيث ما يحدث في غزة هو عار على كل دول العالم وعلى الإنسانية وعلى القانون الدولي وكل المؤسسات والمنظمات الإنسانية والحقوقية عبر العالم، وحيث القتل اليومي للأطفال والنساء والمدنيين بالعشرات والمئات، إلى جانب التجويع والتعذيب في المعتقلات، يراد لكل ذلك وغيره، أن يتعود العالم عليه وكأنه أمر طبيعي ويتم التعايش معه!
{ بعد مرور ما يقارب الـ«10 شهور» لا يزال العالم العربي ومعه العالم الإسلامي يعيشان الحياة بذات الرتابة والروتين، ولكأن لا شيء يحدث في فلسطين المحتلة من البحر إلى النهر، ولكأن استغاثة الأبرياء وجثث الأطفال المشوهة تحت القصف لا تستدعي الإغاثة أو اتخاذ الإجراءات من العقوبات والمقاطعات ضد الكيان وضد دول الغرب الداعمة لكل ما يرتكبه من وحشية يراها كل ساعة على الهواء مباشرة! ماذا لو اتفق العرب والمسلمون على ذلك؟!
{ يعجز الكلام وتعجز الأوصاف، ويعجز القلب والعقل معا عن تحمل ما يحدث منذ شهور طويلة من مشاهد مروعة في غزة، بل يعجز المنطق عن استيعاب هذا العجز العالمي أمام (فيتو) دولة إرهابية مارقة هي الولايات المتحدة، تدعم به كيان مارق أيضا خارج كل المجتمع الدولي إن صحت تسميته بذلك كمجتمع دولي لأنه أثبت أن لا وجود له! بل إن الكيان الصهيوني يريد توسيع الحرب على غزة إلى حرب إقليمية! ينفذ فيها ما في جعبته من أجندة معتقدية للتوسع في الجغرافيا العربية، فيما العرب يضعون احتمال السلام مع هذا الكيان الاستيطاني الغريب فوق كل احتمال وأي احتمال!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك