زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
وللجسد ذاكرة بعير
لا يغيب عن ذهني قط ما قاله الشاعر السوري الضخم محمد الماغوط بعد ان شاخ وأنهك رئتيه بالدخان وكبده ومعدته بشرب بنت الحان: أكره جسدي إنه تافه حقير.. لم أراعِ جسدي وها هو ينتقم مني رويدا رويدا!
نعم، فالجسد كالناقة أو الفيل، له ذاكرة تختزن «عمايلك المهببة»، ولا ينسى من يغدر به ولا يفوت فرصة الانتقام، وقد ينتقم منك جسدك في مرحلة مبكرة بأن يضرب عن العمل جزئيا، فتصبح معاقاً أو تنتقل إلى الدار الآخرة، وقد يمتد بك العمر فتواصل إرهاق جسدك إلى أن تصل نقطة تكره فيها ذاك الجسد لأنه يخذلك ويؤلمك، وأعترف بأنني نجار بابه «مخلّع» أي انني لست استثناء من قاعدة ان المرء يطيش في مرحلة ما ويستهتر بصحته، متناسيا ان الشباب يولي ما بين غمضة عين وانتباهتها، وتصحو ذات يوم وتنهض من السرير فيصدر عن ظهرك «صرير» وطقطقة تعقبها عاصفة رعدية تسري في أوصالك ومفاصلك فتطلق صرخة وتقع على السرير مرة أخرى.
قد يكون ذلك انزلاقاً غضروفيا وقد يكون شرخا في فقرة من فقرات الظهر لأنك أسرفت في المزاح العنيف وسقطت أرضاً وأنت تداعب غريمك خلال لعبة ورق حماسية. وإرهاق الجسد لا يكون بالضرورة بشرب الخمر والتبغ بل قد يكون بالأكل والسهر والسفر (حتى لو كان من أجل العمل فهناك من يظل في حالة سفر شبه دائم لأمور حياتية ضرورية ويفوت عليه ان يحسب حساب جسمه وتكون النتيجة إصابته بأرق شبه مستمر أو فقدان الشهية أو اعتلال عام في الصحة). وفي بلداننا فإن «ضحايا الأكل» كثيرون، فالشاب الأكول الذي يميل إلى الأكلات الدسمة ويتباهى بأنه يستطيع أن يأكل بمفرده نصف خروف وشرب خمس كولا، ويوزع ساعات فراغه بين المطاعم والولائم سرعان ما يأتي عليه يوم قد ترفض فيه بطنه ملعقة واحدة من الرز المسلوق بالماء، وقد يتكرش ويتكور حتى تختفي رقبته، وببلوغ الأربعين تكون ركبتاه عاجزتين عن حمله. والشاهد هو الحكمة الطبية القائلة بأنه إذا أهنت جسمك في شبابك بالزج به في غير ما يجوز من الناحية الصحية فإنه يهينك وينتقم منك عندما تمضي بك السنين.
وقد تناقلت العديد من الصحف خلال الأسابيع القليلة الماضية نتيجة دراسة تقول ان عدد النساء اللاتي يعانين الترهل والبدانة في أربع دول عربية، أكبر من عدد الرجال الذين يعانون من البدانة المفرطة، وأنا سيئ الظن بالاستطلاعات والإحصاءات العربية، فدولنا التي تتعرض فيها حتى نشرات الأحوال الجوية للتزوير، لا يمكن ان تصدر عن مؤسساتها أرقام دقيقة حول أي شيء. ولا أزعم أنني رأيت الكثير من النساء من تلك الدول الأربع، ولكنني رأيت مئات من الرجال من مختلف الدول العربية، وبعضهم من الدول الأكثر فقرا على مستوى العالم، ولا يحتاج الأمر إلى دراسة كي أقول ان معظمهم كانوا من فصيلة الدبابات.
بعبارة أخرى فان البدانة أكثر تفشيا بين الرجال منها بين النساء، لسبب معروف عالميا، وهو ان النساء أكثر اهتماما بصحتهن ورشاقتهن بينما الرجل يميل إلى تجاهل المرض أو يتداوى بالعون الذاتي دون اللجوء إلى طبيب، ولا يمارس الرياضة بسبب «كثرة المشغوليات»، ولكن تلك المشغوليات لا تمنعه من لعب الورق أو الجلوس أمام التلفزيون 4 ساعات يومياً. (وأبارك لجماهير الأندلس فوز اسبانيا بالبطولة الأوربية لكرة القدم) وهناك كلام عن أن سبب بدانة الكثير من النساء الخليجيات هو اعتمادهن على الخادمة في تصريف شؤون البيت، بينما – وفي واقع الأمر – صارت الاستعانة بالخادمات وباء عاما في كل البلاد العربية، بما فيها تلك التي لا يزيد متوسط دخل الفرد فيها في الشهر على 100 دولار، ولم تقل تلك الدراسات «العلمية» أن نساء تلك البلدان بدينات!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك