زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
شؤون بهدلة الموظفين
خاطرة عابرة: نقلنا عن «الغرب الكافر» الكثير من الأمور الواجبة لتنظيم الحياة العامة، ولا بأس في ذلك، ولكن البأس كل البأس يتمثل في أن نستورد «الكلام» من الغرب، ونقول كانسر بدلا من سرطان واتش آر بدلا من شؤون الموظفين.
والحديث عن شؤون الموظفين عندنا ذو شجون، ففي بعض دوائرنا يناط بها بهدلة الموظفين، لتصبح مهمتها الأساسية هي الترصد للموظفين، والبحث عن وسائل لحرمانهم من إجازاتهم ومكافأتهم المستحقة. يوصي رئيسك المباشر بترقيتك لأنك استوفيت شروط الترقية بالكامل، ولكن شخصاً ما في (شؤون الموظفين) يعتبر ترقية أي موظف كارثة شخصية له، ويبحث عن ألف سبب لتعطيل الترقيات، وكأنما الترقية تتطلب سلخ جلده. وتعمل ليل نهار على مشروع معين ويقرر رؤساؤك مكافأتك ماليا على جهودك بالتوصية بمنحك مبلغا رمزيا (ربما لأن شروط مكافآت العمل الإضافي لا تنطبق عليك)، فتتحرك ترسانة شؤون الموظفين حتى تعثر على نص في قانون حمورابي يقول إن ذلك الضرب من المكافآت ممنوع لأنه سيؤدي إلى خفض مخصصات ري حدائق بابل المعلقة.
ولا تكاد إدارة لشؤون الموظفين في أي من جهاتها الحكومية ومعظم مرافق القطاع الخاص تخلو من نفر يعتقدون أن ترقية الآخرين تمثل إهانة لهم، ويتصرفون وكأنما أي زيادة في راتب موظف تقتطع من لحومهم! تأتي إلى العمل متأخرا نصف ساعة فيعتبرونك غائباً نصف اليوم، وتأتي مبكراً بنصف ساعة وتغادر مكان العمل بعد ساعة من انتهاء المواعيد الرسمية طوال سنة كاملة، فيرتاب جماعة شؤون الموظفين في أمرك: يجلس في المكتب بعد انتهاء (الدوام) ليؤدي عمله الخاص: يستخدم جهاز الفوتكوبي لتصوير كتب يسرقها من الإنترنت، ثم يوعزون إلى مسؤول الأمن أن يكتب شكوى تفيد بأن عدم انصراف الموظفين في المواعيد المحددة «يربك الاستراتيجية الأمنية ويعطي إسرائيل الذريعة لضرب مكتسبات مؤسستنا».
بعبارة أخرى فإن أقسام وإدارات شؤون الموظفين تصبح أحيانا البعبع الذي يلاحق العاملين حتى في أحلامهم: تقدم طلبا للحصول على إجازتك السنوية التي ينص عقد خدمتك على أنها 40 يوماً، ولكن شؤون الموظفين تبلغك بأن إجازتك المستحقة 18 يوما فقط لأن عقد خدمتك كان بالتقويم الصيني، حيث تتألف السنة من 16 شهراً والشهر من 21 يوماً، وتتغيب عن العمل شهراً بعد أن تم نقلك ذات مساء إلى المستشفى، وأجريت لك عملية قلب مفتوح طارئة، وأعطاك الطبيب إجازة مرضية شهرا آخر، ولكنك تحاملت على نفسك، ولم تتمتع بتلك الإجازة كاملة، وتبرز الشهادة المرضية، ولكنك تتلقى على الفور مذكرة قد تسبب لك جلطة تجعلك مستحقاً لإجازة أبدية من العمل: غير مسموح بالمرض المفاجئ، وعليك إخطار الإدارة بمرضك قبل شهر من حدوثه، وبما أنك تغيبت حينا من الدهر دون اخطارنا مسبقا فإننا – وتقديرا لحالتك الصحية – سنتغاضى عن اللوائح ونعتبر فترة غيابك إجازة بدون راتب. وتغيب عن العمل لأن فرداً من عائلتك انتقل إلى رحمة مولاه فيقولون لك ان اللوائح تنص على الإبلاغ عن وفيات الأقارب قبل أسبوع من حدوثها (أستغفر الله لي ولهم فهذه فيها مبالغة ولكن الغرض منها عكس صورة عن العقليات التي تجعل اللوائح نصوصاً مقدسة عندما تكون في غير صالح الموظف غير المسنود، ويتم تأويل تلك اللوائح بطرق ما أنزل الله بها من سلطان لتنغيص حياة الموظفين).
وفي غالب الأحوال يمارس تلك «الشؤون» وما يتبعها من عسف وبطش موظفون يحسبون أنهم بذلك يثبتون للإدارة العليا أن قلوبهم على المؤسسة أو الهيئة أو الدائرة. يعتقدون أن عبارة (فلان صعب) مدح، وأن التجرد من المشاعر الإنسانية صرامة وحزم. (ودعوني استعيد هنا واقعة كتبت عنها أكثر من مرة عن عامل نظافة توفيت أمه، فرفض مديره المباشر منحه الإذن بالسفر لتلقي العزاء، فقلت للمدير: بذمتك لو ماتت أم زوجتك. كم يوما ستتغيب عن العمل؟ فصاح: ليشت «فوِّلت» على الحجية المسكينة؟ قلت له أنت ترتعش لأنني تكلمت عن احتمال وفاة حماتك، فما لك لا تحس بحرقة قلب من فقد أمه؟ فمنح العامل 3 أيام إجازة «عزاء» ورفضها صاحبنا لأنها كانت تعني أن يقضي مع أهله في قريته بضع ساعات ثم يعود).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك