العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

التلفزيون وبيع الوهم

أقر‭ ‬وأعترف‭ ‬بأنني‭ ‬كتبت‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬نانسي‭ ‬عجرم‭ ‬وفيفي‭ ‬عبده‭ ‬ورزان‭ ‬وأليسا‭ ‬وهيفا‭ ‬وغيرهن‭ ‬من‭ ‬نواقض‭ ‬الوضوء،‭ ‬كلاما‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة‭ ‬واحدة‭ ‬بحقّ‭ ‬أي‭ ‬منهن‭ (‬كنت‭ ‬أناقش‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬مجريات‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬وكيف‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬قتلوا‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬القذافي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬قتلهم‭ ‬القذافي‭ ‬كي‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬فقلت‭ ‬إن‭ ‬القذافي‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬لأنه‭ ‬حرم‭ ‬مواطنيه‭ ‬أبسط‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حق‭ ‬تكوين‭ ‬جمعيات‭ ‬خيرية‭ ‬وأندية‭ ‬أدبية،‭ ‬وختمت‭ ‬كلامي‭ ‬بشتم‭ ‬الرجل‭ ‬والدعاء‭ ‬بأن‭ ‬ينال‭ ‬جزاءه‭ ‬أمام‭ ‬عزيز‭ ‬مقتدر،‭ ‬فإذا‭ ‬بأحدهم‭ ‬يقول‭ ‬لي‭: ‬اذكروا‭ ‬محاسن‭ ‬موتاكم،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬أولا‭ ‬القذافي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬‮«‬موتاي‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬اذكر‭ ‬لي‭ ‬حسنة‭ ‬واحدة‭ ‬للقذافي‭ ‬وسأذكرها‭ ‬بدوري‭ ‬ف‭.. ‬انكتم‭ ‬صاحبي‭)‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬القراء‭ ‬يستاء‭ ‬من‭ ‬شتمي‭ ‬لذوات‭ ‬الأثداء‭ ‬أولئك‭ ‬لأنهم‭ ‬يرون‭ ‬فيهن،‭ ‬وأشباه‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬يملأون‭ ‬الأثير‭ ‬ولولة‭ ‬وغنجا‭ ‬‮«‬شيئا‭ ‬يشرح‭ ‬الصدر‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬يقول‭ ‬قراء‭ ‬آخرون‭: ‬ذبحتنا‭ ‬بنانسي‭ ‬وأخواتها‭.. ‬فكّنا‭ ‬من‭ ‬ها‭ ‬السيرة‭! ‬ولكن‭ ‬هيهات،‭ ‬فالحرب‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬سجال،‭ ‬ربما‭ ‬لأنني‭ ‬متخلف،‭ ‬وربما‭ ‬لأن‭ ‬ذوقي‭ ‬شديد‭ ‬الرقي،‭ ‬وربما‭ ‬لأنني‭ ‬أعتقد‭ ‬ان‭ ‬خطر‭ ‬فتيات‭ ‬وفتيان‭ ‬الفياغرا‭ ‬الذين‭ ‬يتسللون‭ ‬الى‭ ‬بيوتنا‭ ‬عبر‭ ‬قنوات‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬الفضائية‭ ‬أشدّ‭ ‬وأعظم‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬إنفلونزا‭ ‬الطيور‭ ‬والصراصير،‭ ‬فكثيرون‭ ‬لا‭ ‬ينتبهون‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الصندوق‭ ‬العجيب‭ ‬أبو‭ ‬شاشة‭ ‬بلورية،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬منه‭ ‬بيت،‭ ‬صار‭ ‬مصدرا‭ ‬لجراثيم‭ ‬فتاكة‭ ‬تتطاير‭ ‬من‭ ‬البضاعة‭ ‬الفاسدة‭ ‬التي‭ ‬يحويها‭.‬

عرضت‭ ‬القناة‭ ‬الرابعة‭ ‬البريطانية‭ (‬تشانيل‭ ‬فور‭) ‬برنامجا‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬تسعة‭ ‬شبان‭ ‬وشابات‭ ‬متعلمون،‭ ‬وكان‭ ‬البرنامج‭ ‬عن‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬يقومون‭ ‬بها‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬روسية،‭ ‬وأقلعت‭ ‬الطائرة‭ ‬بالمجموعة،‭ ‬وبعد‭ ‬عدة‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬الطيران‭ ‬حطت‭ ‬في‭ ‬مطار،‭ ‬واستقبلهم‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬الروس‭ ‬يتكلمون‭ ‬انجليزية‭ ‬مكسرة،‭ ‬واقتادوهم‭ ‬الى‭ ‬مركز‭ ‬التدريب‭ ‬الذي‭ ‬سيعدّهم‭ ‬للرحلة‭ ‬الفضائية،‭ ‬وهناك‭ ‬ألبسوا‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬قطعة‭ ‬بامبرز‭ (‬حفاظات‭ ‬منع‭ ‬تسيب‭ ‬السوائل‭ ‬والفضلات‭ ‬من‭ ‬الجسم‭) ‬وملابس‭ ‬ضيقة‭ ‬جدا‭. ‬ولأنني‭ ‬لست‭ ‬كاتب‭ ‬قصة‭ ‬فسأضحي‭ ‬بعنصر‭ ‬التشويق‭ ‬وأقول‭ ‬لكم‭ ‬ان‭ ‬المسألة‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬استهبال‭ ‬في‭ ‬استهبال‮»‬،‭ ‬فالطائرة‭ ‬التي‭ ‬ركبوها‭ ‬ظلت‭ ‬تطير‭ ‬حول‭ ‬بريطانيا‭ ‬لعدة‭ ‬ساعات‭ ‬ثم‭ ‬حطت‭ ‬قرب‭ ‬مدينة‭ ‬إبسويتش‭ ‬بإنجلترا،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬قاعدة‭ ‬جوية‭ ‬او‭ ‬بطيخ،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مفبركا،‭ ‬وكان‭ ‬الخبراء‭ ‬الروس‭ ‬الذين‭ ‬يلقنون‭ ‬المجموعة‭ ‬فنون‭ ‬قيادة‭ ‬مركبات‭ ‬الفضاء‭ ‬ممثلين‭ ‬عاديين‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الصاروخ‭ ‬واسطوانة‭ ‬الغاز‭.‬

أسرة‭ ‬البرنامج‭ ‬أعدت‭ ‬الخدعة‭ ‬بإتقان،‭ ‬وكانت‭ ‬اللافتات‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬باللغة‭ ‬الروسية‭ ‬وفي‭ ‬غرفة‭ ‬جهاز‭ ‬محاكاة‭ ‬مركبة‭ ‬الفضاءsimulator‭ ‬ظل‭ ‬المساكين‭ ‬التسعة‭ ‬يتلاعبون‭ ‬بأزرار‭ ‬عديمة‭ ‬المعنى‭ ‬والجدوى،‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭ ‬المدرب‭ ‬إنهم‭ ‬دخلوا‭ ‬مرحلة‭ ‬انعدام‭ ‬الجاذبية،‭ ‬وعندما‭ ‬تساءل‭ ‬أحدهم‭: ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬نحس‭ ‬بانعدام‭ ‬الوزن‭ ‬ونتشقلب‭ ‬وتصبح‭ ‬أرجلنا‭ ‬الى‭ ‬فوق‭ ‬ورؤوسنا‭ ‬الى‭ ‬أسفل؟‭ ‬قال‭ ‬لهم‭ ‬المدرب‭ ‬انه‭ ‬استخدام‭ ‬شفاطات‭ ‬لمنع‭ ‬الجاذبية‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬عليهم،‭ ‬ثم‭ ‬أدخلوهم‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬مخروطي‭ ‬يشبه‭ ‬المركبة‭ ‬الفضائية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انطلق‭ ‬بهم‭ ‬الى‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭.. ‬طبعا‭ ‬لم‭ ‬يتحرك‭ ‬ذلك‭ ‬الجسم‭ ‬سنتيمترا‭ ‬واحدا،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هناك‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬دخلوا‭ ‬أنبوبا‭ ‬كذلك‭ ‬الذي‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬الألعاب‭ ‬ويعطيك‭ ‬الإحساس‭ ‬بالطيران‭ ‬او‭ ‬السقوط‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬شاهق‭.‬

والشاهد‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الحكاية‭ ‬انطلت‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المجموعة،‭ ‬كما‭ ‬انطلت‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬المشاهدين‭ ‬الذين‭ ‬تحسروا‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬نيل‭ ‬الفرصة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬يتيح‭ ‬لهم‭ ‬فرصة‭ ‬السفر‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭. ‬وهكذا‭ ‬يبيع‭ ‬التلفزيون‭ ‬الوهم،‭ ‬وزبائن‭ ‬الوهم‭ ‬كثيرون‭! ‬هل‭ ‬تذكرون‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭ (‬تحرير‭ ‬الكويت‭) ‬قال‭ ‬الأمريكان‭ ‬انهم‭ ‬استخدموا‭ ‬قنابل‭ ‬ذكية‭ ‬لا‭ ‬تلحق‭ ‬الأذى‭ ‬بالبشر‭ ‬وصدقهم‭ ‬الكثيرون،‭ ‬وجاءت‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الثانية‭ ‬واستخدمت‭ ‬فيها‭ ‬قنابل‭ ‬أكثر‭ ‬‮«‬ذكاء‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬كشفت‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬القنابل،‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬غبائها‭ ‬تقتل‭ ‬الناس‭ ‬ولا‭ ‬تلحق‭ ‬الضرر‭ ‬بالمنشآت‭... ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قناة‭ ‬فوكس‭ ‬نيوز‭ ‬الأمريكية‭ ‬تتغنى‭ ‬بمحاسن‭ ‬القنابل‭ ‬الذكية‭ ‬الحنينة‭ ‬الرؤومة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا