العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

فعل خير أفاد البشرية

من‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭ ‬الحطيئة‭: ‬‮«‬من‭ ‬يفعل‭ ‬الخير‭ ‬لا‭ ‬يعدم‭ ‬جوازيه‮»‬،‭ ‬ومصداقا‭ ‬لذلك‭ ‬تعالوا‭ ‬نطالع‭ ‬حكاية‭ ‬فليمنغ،‭ ‬وكان‭ ‬مزارعا‭ ‬اسكتلنديا‭ ‬بائس‭ ‬الحال،‭ ‬يعتاش‭ ‬وأهله‭ ‬من‭ ‬زراعة‭ ‬رقعة‭ ‬أرض‭ ‬صغيرة‭ ‬المساحة‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬مستنقع‭. ‬ذات‭ ‬صباح‭ ‬سمع‭ ‬فليمنغ‭ ‬صرخات‭ ‬استغاثة،‭ ‬وتوجه‭ ‬نحو‭ ‬مصدر‭ ‬الصوت،‭ ‬ووجد‭ ‬صبيا‭ ‬صغيرا‭ ‬مغروسا‭ ‬في‭ ‬الطين،‭ ‬ونجح‭ ‬بعد‭ ‬محاولات‭ ‬متكررة‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬الصبي،‭ ‬وصبيحة‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬توقفت‭ ‬أمام‭ ‬كوخه‭ ‬مركبة‭ ‬فارهة‭ ‬نزل‭ ‬منها‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬أثرياء‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتوجه‭ ‬نحو‭ ‬فليمنغ‭ ‬وشكره‭ ‬على‭ ‬إنقاذ‭ ‬ابنه‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬ثم‭ ‬أضاف‭: ‬أريد‭ ‬مكافأتك‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬صنيعك،‭ ‬ولكن‭ ‬المزارع‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬بحزم‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أي‭ ‬مكافأة،‭ ‬ثم‭ ‬لوح‭ ‬بيده‭ ‬مودعا‭ ‬النبيل،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬خرج‭ ‬ولد‭ ‬فليمنغ‭ ‬من‭ ‬الكوخ‭ ‬فصاح‭ ‬النبيل‭ ‬في‭ ‬المزارع‭: ‬عندي‭ ‬لك‭ ‬اقتراح‭ ‬أرجو‭ ‬ان‭ ‬تقبله‭.. ‬ابنك‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬ابني‭ ‬الذي‭ ‬أنقذته‭ ‬من‭ ‬الموت‭.. ‬أرجو‭ ‬ان‭ ‬تسمح‭ ‬لي‭ ‬بإلحاقه‭ ‬بنفس‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬يدرس‭ ‬فيها‭ ‬ولدي،‭ ‬وقبل‭ ‬المزارع‭ ‬العرض‭ ‬ودخل‭ ‬ابنه‭ ‬الكساندر‭ ‬مدرسة‭ ‬خاصة‭ ‬وتفوق‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬طبيبا‭. ‬نعم‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬الكساندر‭ ‬فليمنغ‭ ‬الذي‭ ‬اكتشف‭ ‬البنسلين‭ ‬وغير‭ ‬مسار‭ ‬الطب‭ ‬الحديث‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬طبيب‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬بعده‭.‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بسنوات‭ ‬أصيب‭ ‬الفتى‭ ‬الذي‭ ‬كاد‭ ‬يغرق‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬المستنقع‭ ‬بالتهاب‭ ‬رئوي،‭ ‬ولكنه‭ ‬شفي‭ ‬منه‭ ‬باستخدام‭ ‬البنسلين‭. ‬أتعرف‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬النبيل‭ ‬والد‭ ‬ذلك‭ ‬الفتى؟‭ ‬اللورد‭ ‬راندولف‭ ‬تشيرتشل‭.. ‬عليك‭ ‬نور‭.. ‬وكان‭ ‬الفتى‭ ‬الذي‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬الغرق‭ ‬والالتهاب‭ ‬الرئوي‭ ‬هو‭ ‬ابنه‭ ‬ونستون‭ ‬تشيرتشل‭ ‬أشهر‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬بريطاني‭.‬

مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬يفعل‭ ‬الخير‭ ‬لا‭ ‬يعدم‭ ‬جوازيه‭. ‬ملأ‭ ‬الله‭ ‬وقتك‭ ‬بالعمل‭ ‬الطيب‭ ‬وجيبك‭ ‬بالمال‭ ‬الحلال‭ ‬وقلبك‭ ‬بحب‭ ‬الناس‭ ‬والخير‭. ‬توقف‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لتمد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬لشخص‭ ‬تعطلت‭ ‬سيارته،‭ ‬او‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬الهجير‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬سيارة‭ ‬أجرة،‭ ‬فالناس‭ ‬بالناس‭ ‬ومن‭ ‬يعِن،‭ ‬يُعَن‭. ‬تخيل‭ ‬حال‭ ‬البشرية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ينقذ‭ ‬ذلك‭ ‬الفلاح‭ ‬الاسكتلندي‭ ‬الشهم‭ ‬طفلا‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬غرقا‭ ‬في‭ ‬الوحل،‭ ‬ليكافئه‭ ‬والد‭ ‬الطفل‭ ‬بأن‭ ‬يتولى‭ ‬تعليم‭ ‬ابنه‭ ‬ليصبح‭ ‬نابغة‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬ويكتشف‭ ‬العقار‭ ‬الذي‭ ‬أنقذ‭ ‬حياة‭ ‬بلايين‭ ‬البشر،‭ ‬وليصبح‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬غريقا‭ ‬في‭ ‬الوحل‭ ‬رئيسا‭ ‬لحكومة‭ ‬بلاده‭ ‬ويقود‭ ‬الحلفاء‭ ‬للانتصار‭ ‬على‭ ‬النازية‭ ‬الوحشية‭. ‬

قد‭ ‬أعربت‭ ‬مرارا‭ ‬عن‭ ‬إعجابي‭ ‬اللامحدود‭ ‬بصاحب‭ ‬شركة‭ ‬مايكروسوفت‭ ‬بيل‭ ‬غيتس،‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬غني،‭ ‬وقد‭ ‬يسمع‭ ‬بإشادتي‭ ‬به‭ ‬ويوصي‭ ‬لي‭ ‬بواحد‭ ‬على‭ ‬الألف‭ ‬من‭ ‬ثروته‭ (‬أي‭ ‬بضع‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬قرر‭ ‬ترك‭ ‬وظيفته‭ ‬في‭ ‬الشركة‭ ‬والتفرغ‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفقر‭ ‬والمرض‭ ‬والجهل‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا،‭ ‬وخصص‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬49‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬ثروته‭ ‬الخاصة‭. ‬ولكن‭ ‬وارين‭ ‬بافيت‭ ‬كبر‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬لأنه‭ ‬وبرغم‭ ‬انه‭ ‬ملياردير‭ ‬من‭ ‬الوزن‭ ‬الثقيل،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬التبرع‭ ‬بـ‭ ‬31‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لبيل‭ ‬غيتس‭. ‬ملياردير‭ ‬يتبرع‭ ‬لملياردير؟‭ ‬يا‭ ‬للهول‭. ‬فعلها‭ ‬بافيت‭ ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬ان‭ ‬مؤسسة‭ ‬غيتس‭ ‬الخيرية‭ ‬تقوم‭ ‬بعمل‭ ‬نبيل،‭ ‬فقرر‭ ‬ان‭ ‬يهبه‭ ‬ذلك‭ ‬المبلغ‭ ‬الضخم‭ ‬وكله‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬غيتس‭ ‬سيستخدمه‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬خير‭ ‬البشرية‭.. ‬وبالمقابل‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬الأغنياء‭ ‬عندنا‭ ‬لا‭ ‬يتبرعون‭ ‬بمليم‭ ‬نحاسي‭ ‬حتى‭ ‬لشخص‭ ‬يتوقف‭ ‬شفاؤه‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬عضال‭ ‬على‭ ‬بضعة‭ ‬ملاليم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الكاميرات‭ ‬حاضرة‭. ‬

البروفسورة‭ ‬اليزابيث‭ ‬دان‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬بريتش‭ ‬كولمبيا‭ ‬الكندية‭ ‬والدكتور‭ ‬مايكل‭ ‬نورتن‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬الأمريكية‭ ‬أجريا‭ ‬دراسة‭ ‬مطولة‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬والثراء‭ ‬والسعادة،‭ ‬وبعد‭ ‬استطلاعات‭ ‬شملت‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬استنتجا‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الناس‭ ‬تجد‭ ‬سعادة‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬اكتناز‭ ‬المال‭.. ‬فالإنسان‭ ‬يسعد‭ ‬بالمال‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬ان‭ ‬تتوفر‭ ‬لديه‭ ‬أساسيات‭ ‬الحياة‭ ‬حتى‭ ‬يفقد‭ ‬المال‭ ‬كونه‭ ‬عنصر‭ ‬‮«‬إسعاد‮»‬‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬غالبية‭ ‬الناس‭ ‬تسعد‭ ‬بتقديم‭ ‬التبرع‭ ‬او‭ ‬العون‭ ‬المادي‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ضئيلا‭ ‬لآخرين‭.. ‬شخصيا‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ما‭ ‬يجعلني‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أحل‭ ‬فيه‭ ‬مشكلات‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولكنني‭ ‬أسعد‭ ‬كثيرا‭ ‬بجمع‭ ‬ملابس‭ ‬أفراد‭ ‬أسرتي‭ ‬وتقديمها‭ ‬لجمعيات‭ ‬رعاية‭ ‬الأيتام‭ ‬والمشردين‭ ‬في‭ ‬بلادي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا