العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

الحكمة مشعل النور

الحكمة‭ ‬مفردة‭ ‬عربية‭ ‬بليغة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬الخبرات‭ ‬والمعارف‭ ‬والتأملات،‭ ‬والحكمة‭ ‬تشكل‭ ‬أحد‭ ‬الأضلاع‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬بيت‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬والمتأمل‭ ‬لكلمات‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم،‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬أمس‭ ‬الأول،‭ ‬يجد‭ ‬أنها‭ ‬حملت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬الداخل،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬ومسؤول‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وكذا‭ ‬حملت‭ ‬رسائل‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وكافة‭ ‬الدول‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والشركاء‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

الكلمات‭ ‬السامية‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬من‭ ‬متغيرات‭ ‬وتحديات‭ ‬كبرى،‭ ‬يجب‭ ‬الاستعداد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواصلة‭ ‬تعزيز‭ ‬مسيرة‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬وتحقيق‭ ‬الإنجازات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬كافة،‭ ‬عبر‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬للبحرينيين‭ ‬جميعاً،‭ ‬وأن‭ ‬وحدتهم‭ ‬وترابطهم‭ ‬كأسرةٍ‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬المنعة‭.‬

ووجه‭ ‬جلالته‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تركيزه‭ ‬على‭ ‬أبرز‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬بحريني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬وهو‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والبناء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النهوض‭ ‬بالبحرين‭ ‬وازدهارها،‭ ‬مع‭ ‬التشديد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬شريكٌ‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬رفد‭ ‬مختلف‭ ‬مسارات‭ ‬التنمية،‭ ‬ووصف‭ ‬جلالته‭ ‬ذلك‭ ‬بأنه‭ ‬المواطنة‭ ‬الحقة‭.‬

فمقومات‭ ‬قوة‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬صفه،‭ ‬وكذا‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬المستمر‭ ‬للمستقبل،‭ ‬وتجاوز‭ ‬الصعوبات،‭ ‬فالبحرين‭ ‬تمتلك‭ ‬الطاقات‭ ‬والكفاءات‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬اغتنام‭ ‬الفرص‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬التحديات‭.‬

كما‭ ‬رسم‭ ‬جلالته‭ ‬خارطة‭ ‬عمل‭ ‬للحكومة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوجيه‭ ‬بوضع‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬تختص‭ ‬بالمحافظة‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية‭ ‬لمباني‭ ‬ومدن‭ ‬البحرين،‭ ‬واستكمال‭ ‬خطة‭ ‬تطوير‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق،‭ ‬وإطلاق‭ ‬خطة‭ ‬متكاملة‭ ‬لإعادة‭ ‬تطوير‭ ‬المنطقة‭ ‬التاريخية‭ ‬لسوق‭ ‬المنامة،‭ ‬وذلك‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وتلبية‭ ‬الاحتياجات‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬اللازمة‭ ‬للمناطق‭ ‬التاريخية‭.‬

وجسد‭ ‬تأكيد‭ ‬جلالته‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬تنفيذ‭ ‬الخطط‭ ‬والمشاريع‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬مستوى‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬وتدعم‭ ‬المنتج‭ ‬الوطني،‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬الثروة‭ ‬السمكية‭ ‬بمملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬ليضع‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬احتياجات‭ ‬المواطن‭ ‬ومتطلباته‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬ثرواته‭ ‬البيئية‭ ‬والبحرية،‭ ‬وتشجيع‭ ‬دعم‭ ‬مشاريع‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬الأصعدة‭ ‬كافة‭.‬

وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬حظيت‭ ‬تصريحات‭ ‬جلالته‭ ‬بأصداء‭ ‬واسعة،‭ ‬وخاصة‭ ‬دعوة‭ ‬جلالته‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والشركاء‭ ‬بمراعاة‭ ‬ما‭ ‬تواجهه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬وتحديات،‭ ‬والوقوف‭ ‬معها‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬والتزام‭ ‬لمنع‭ ‬الأخطار‭ ‬ومواجهة‭ ‬سياسات‭ ‬الهيمنة‭ ‬الهدامة،‭ ‬مشددا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬المصدر‭ ‬الأهم‭ ‬للطاقة‭ ‬وخطوطها‭ ‬التجارية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعالم‭ ‬أجمع‭.‬

ووضع‭ ‬جلالته‭ ‬وصفة‭ ‬العلاج‭ ‬الشافية‭ ‬لأمراض‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬نبذ‭ ‬الخلافات‭ ‬والتكاتف‭ ‬وانتهاج‭ ‬السلم‭ ‬وحسن‭ ‬الجوار‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬والإقليمية‭ ‬المشتركة،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬الاعتداء‭ ‬والحروب‭ ‬بالوكالة،‭ ‬وضمان‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قرارات‭ ‬دولنا‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬مصالحنا‭ ‬الذاتية،‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التكاتف‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬المضرة‭ ‬باستقرار‭ ‬المنطقة،‭ ‬كما‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬المحتلة‭ ‬والتهديدات‭ ‬على‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والتهديدات‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭.‬

الحكمة‭ ‬المتأصلة‭ ‬في‭ ‬كلمات‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم،‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬التوجهات‭ ‬البحرينية‭ ‬الداعية‭ ‬دائما‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم،‭ ‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬البحرين‭ ‬طوال‭ ‬تاريخها‭ ‬الممتد‭.‬

وما‭ ‬أحوج‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحكمة‭ ‬كي‭ ‬يستعيد‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬توازنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬من‭ ‬اختلالات‭ ‬استراتيجية‭ ‬تعصف‭ ‬بكل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الكبرى،‭ ‬فأوروبا‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬أزماتها،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تسير‭ ‬إلى‭ ‬هوة‭ ‬سحيقة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬صراع‭ ‬‮«‬الحمار‭ ‬والفيل‮»‬،‭ ‬تلك‭ ‬الرموز‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬الحزبين‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والجمهوري‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وكذا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مازال‭ ‬يئن‭ ‬بسبب‭ ‬الحروب‭ ‬المستمرة‭ ‬فيه‭ ‬والتوترات‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬أي‭ ‬تنمية‭ ‬فيه‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نرى‭ ‬دولا‭ ‬كبرى‭ ‬كانوا‭ ‬يستهزؤون‭ ‬بالعالم‭ ‬الثالث‭ ‬لعدم‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬حلولا‭ ‬لمشاكلهم‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬باتت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وحتى‭ ‬ألمانيا‭ ‬تعاني‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬قيادات‭ ‬حكيمة‭ ‬يضمنون‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬كرسي‭ ‬الحكم‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬السقوط‭ ‬المخجل‭ ‬للمحافظين‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬لا‭ ‬يبشر‭ ‬بخير،‭ ‬لأن‭ ‬الوريث‭ ‬وهو‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬وطوال‭ ‬تاريخه‭ ‬مع‭ ‬السياسة‭ ‬البريطانية‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬مطلقا‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬عثراتها،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬لديهم‭ ‬الرغبة‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬السجناء‭ ‬من‭ ‬سجونهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتظت‭ ‬بهم‭ ‬دور‭ ‬الاحتجاز،‭ ‬وعجزهم‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬والتزاماتهم‭ ‬المعيشية‭. ‬

في‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الظلماء‭ ‬الدامسة‭ ‬يحمل‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رئاسته‭ ‬للقمة‭ ‬العربية،‭ ‬مشعلا‭ ‬للنور،‭ ‬نتطلع‭ ‬أن‭ ‬يهتدي‭ ‬إليه‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد،‭ ‬لترسو‭ ‬سفينة‭ ‬العالم‭ ‬المتلاطمة‭ ‬في‭ ‬أمواج‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء،‭ ‬فالإنسان‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬افتخر‭ ‬بما‭ ‬حققه‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬وتطور،‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬ألفيته‭ ‬الثالثة‭ ‬بسرعة‭ ‬جنونية‭ ‬نحو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه،‭ ‬وتسليم‭ ‬دفة‭ ‬عقله‭ ‬إلى‭ ‬شياطين‭ ‬الإنس‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والصراعات‭.‬

بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬يبقى‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬تقوية‭ ‬المناعة‭ ‬العربية‭ ‬للأزمات‭ ‬لن‭ ‬تتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بالحكمة‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬أمتنا‭ ‬العربية‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬عطلتها‭ ‬عن‭ ‬الانطلاق‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭.‬

 

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا