مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
الحكمة مشعل النور
الحكمة مفردة عربية بليغة تعبر عن عمق الخبرات والمعارف والتأملات، والحكمة تشكل أحد الأضلاع التي تميز بيت الحكم في مملكة البحرين، والمتأمل لكلمات جلالة الملك المعظم، خلال جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، يجد أنها حملت الكثير من الرسائل إلى الداخل، لأنها كانت موجهة إلى كل مواطن ومسؤول في البحرين، وكذا حملت رسائل إلى المجتمع الدولي وكافة الدول الأصدقاء والشركاء في العالم.
الكلمات السامية جاءت في توقيت في غاية الأهمية في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من متغيرات وتحديات كبرى، يجب الاستعداد لها من خلال وحدة الصف من أجل مواصلة تعزيز مسيرة العمل الوطني وتحقيق الإنجازات الوطنية في المجالات كافة، عبر التأكيد أن البحرين للبحرينيين جميعاً، وأن وحدتهم وترابطهم كأسرةٍ واحدة هي مصدر المنعة.
ووجه جلالته رسالة إلى المواطن البحريني من خلال تركيزه على أبرز القيم التي يجب أن يتحلى بها كل مواطن بحريني في هذا التوقيت وهو الاستمرار في العمل والبناء من أجل النهوض بالبحرين وازدهارها، مع التشديد على أن المواطن البحريني شريكٌ أساسي في رفد مختلف مسارات التنمية، ووصف جلالته ذلك بأنه المواطنة الحقة.
فمقومات قوة أي مجتمع تكمن في وحدة صفه، وكذا العمل الجاد المستمر للمستقبل، وتجاوز الصعوبات، فالبحرين تمتلك الطاقات والكفاءات القادرة على اغتنام الفرص مهما كانت التحديات.
كما رسم جلالته خارطة عمل للحكومة من خلال التوجيه بوضع خطة عمل تختص بالمحافظة على الهوية التاريخية والثقافية لمباني ومدن البحرين، واستكمال خطة تطوير مدينة المحرق، وإطلاق خطة متكاملة لإعادة تطوير المنطقة التاريخية لسوق المنامة، وذلك للمحافظة على هويتها التاريخية والثقافية، وتلبية الاحتياجات والبنى التحتية اللازمة للمناطق التاريخية.
وجسد تأكيد جلالته على أهمية تنفيذ الخطط والمشاريع التي ترفع مستوى الأمن الغذائي وتدعم المنتج الوطني، وتحافظ على الحياة الفطرية وتعمل على تنمية الثروة السمكية بمملكة البحرين، ليضع الجهات المعنية أمام مسؤولياتها في تأمين احتياجات المواطن ومتطلباته والحفاظ على ثرواته البيئية والبحرية، وتشجيع دعم مشاريع الإنتاج المحلي على الأصعدة كافة.
وعلى المستوى الدولي، حظيت تصريحات جلالته بأصداء واسعة، وخاصة دعوة جلالته إلى المجتمع الدولي من الأصدقاء والشركاء بمراعاة ما تواجهه المنطقة من ظروف وتحديات، والوقوف معها بكل وضوح والتزام لمنع الأخطار ومواجهة سياسات الهيمنة الهدامة، مشددا على أن هذه المنطقة هي المصدر الأهم للطاقة وخطوطها التجارية المرتبطة بالعالم أجمع.
ووضع جلالته وصفة العلاج الشافية لأمراض المنطقة والعالم من خلال تأكيد أهمية نبذ الخلافات والتكاتف وانتهاج السلم وحسن الجوار في العلاقات الثنائية والإقليمية المشتركة، والابتعاد عن سياسات الاعتداء والحروب بالوكالة، وضمان أن تكون قرارات دولنا نابعة من مصالحنا الذاتية، قائمة على التكاتف لمواجهة التحديات المضرة باستقرار المنطقة، كما الوضع في غزة المحتلة والتهديدات على الملاحة في البحر الأحمر والتهديدات التي تظهر بين حين وآخر.
الحكمة المتأصلة في كلمات جلالة الملك المعظم، تعبر عن التوجهات البحرينية الداعية دائما إلى تعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وهو النهج الذي يميز البحرين طوال تاريخها الممتد.
وما أحوج العالم الآن إلى هذه الحكمة كي يستعيد قدرا من توازنه في ظل ما نشهده من اختلالات استراتيجية تعصف بكل دول العالم الكبرى، فأوروبا تعيش في أزماتها، والولايات المتحدة الأمريكية تسير إلى هوة سحيقة في ظل صراع «الحمار والفيل»، تلك الرموز التي تمثل الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالولايات المتحدة الأمريكية، وكذا الشرق الأوسط مازال يئن بسبب الحروب المستمرة فيه والتوترات التي تهدد أي تنمية فيه.
في الوقت الذي نرى دولا كبرى كانوا يستهزؤون بالعالم الثالث لعدم قدرتهم على تقديم حلولا لمشاكلهم بأنفسهم، باتت الدول الغربية سواء في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وحتى ألمانيا تعاني في اختيار قيادات حكيمة يضمنون وصولهم إلى كرسي الحكم.
كما أن السقوط المخجل للمحافظين في بريطانيا، لا يبشر بخير، لأن الوريث وهو حزب العمال وطوال تاريخه مع السياسة البريطانية لم يفلح مطلقا في إنقاذ المملكة المتحدة من أي من عثراتها، بدليل أن لديهم الرغبة الآن في إطلاق سراح السجناء من سجونهم بعد أن اكتظت بهم دور الاحتجاز، وعجزهم عن تلبية احتياجاتهم والتزاماتهم المعيشية.
في وسط هذه الظلماء الدامسة يحمل جلالة الملك المعظم من خلال رئاسته للقمة العربية، مشعلا للنور، نتطلع أن يهتدي إليه القريب والبعيد، لترسو سفينة العالم المتلاطمة في أمواج الصراعات التي تهدد الإنسانية جمعاء، فالإنسان الذي لطالما افتخر بما حققه من تقدم وتطور، يسير في ألفيته الثالثة بسرعة جنونية نحو التخلي عن كل ما وصل إليه، وتسليم دفة عقله إلى شياطين الإنس الذين يعيشون على العنف والصراعات.
بين هذا وذاك يبقى أن يدرك العرب أن تقوية المناعة العربية للأزمات لن تتحقق إلا بالحكمة في معالجة المشكلات التي تهدد أمتنا العربية والتخلص من الأمراض التي عطلتها عن الانطلاق طوال العقود الماضية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك