العدد : ١٧٤٤٢ - الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٢ - الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رجب ١٤٤٧هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

الإيمان الحق وروح الإنسانية

ماذا‭ ‬يعني‭ ‬الإيمان؟‭ ‬

في‭ ‬الحياة،‭ ‬نحن‭ ‬نؤمن‭ ‬بما‭ ‬نؤمن‭ ‬به‭ ‬لأننا‭ ‬ببساطة‭ ‬نؤمن‭ ‬به‭.. ‬لأن‭ ‬الإيمان‭ ‬به‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬عقيدتنا‭ ‬ووعينا‭.‬

الإيمان‭ ‬الحق‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تقترن‭ ‬به‭ ‬عناصر‭ ‬وصفات‭ ‬محددة،‭ ‬هي‭:‬

الشجاعة‭ - ‬الإقدام‭ - ‬القدرة‭ - ‬القوة‭ - ‬الاقتناع‭.‬

إذا‭ ‬لم‭ ‬تجتمع‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬والصفات‭ ‬معا،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإيمان‭ ‬حقا‭ ‬وصادقا‭ ‬ومكتملا‭.‬

والإيمان‭ ‬الصادق‭ ‬الحق‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقترن‭ ‬به‭ ‬الانحياز‭ ‬لطرف‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬اعتبارات‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬العقيدة؛‭ ‬لأن‭ ‬كلمة‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬نقية‭ ‬منزهة‭ ‬عن‭ ‬الانحياز‭ ‬أو‭ ‬التعصب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬والأحوال‭.‬

هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬وَجدتُ‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬بها‭ ‬مقالي‭ ‬السنوي‭ ‬الذي‭ ‬اعتدت‭ ‬كتابته‭ ‬بمناسبة‭ ‬أعياد‭ ‬الميلاد‭.‬

وجدت‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬كمقدمة‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬حدث‭ ‬شهِدناه‭ ‬مؤخرا‭ ‬يمثل‭ ‬تجسيدا‭ ‬للإيمان‭ ‬الحق‭ ‬الصادق‭.‬

أعني‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ساحل‭ ‬بوندي‭ ‬في‭ ‬أستراليا،‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬عملية‭ ‬إطلاق‭ ‬نار‭ ‬وقتل‭ ‬جماعي‭ ‬لم‭ ‬تشهدها‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬30‭ ‬عاما‭.‬

أحمد‭ ‬الأحمد‭ ‬رجل‭ ‬مسلم‭ ‬يبلغ‭ ‬43‭ ‬عاما،‭ ‬قام‭ ‬بعمل‭ ‬وصفه‭ ‬الكل‭ ‬بالبطولي‭.‬

اندفع‭ ‬بشجاعة‭ ‬وإقدام‭ ‬نحو‭ ‬أحد‭ ‬المهاجمين،‭ ‬وانتزع‭ ‬منه‭ ‬سلاحه‭ ‬ووجه‭ ‬السلاح‭ ‬نحوه‭ ‬وأجبره‭ ‬على‭ ‬التراجع‭ ‬وطرحه‭ ‬أرضا‭. ‬وقد‭ ‬أصيب‭ ‬الأحمد‭ ‬بعدة‭ ‬طلقات‭ ‬نارية،‭ ‬وخضع‭ ‬لاحقا‭ ‬لعملية‭ ‬جراحية‭ ‬ومازال‭ ‬يرقد‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭.‬

رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسترالي‭ ‬أنتوني‭ ‬ألبانيز‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الأحمد‭ ‬بعمله‭ ‬البطولي‭ ‬الشجاع‭ ‬أنقذ‭ ‬أرواح‭ ‬الكثيرين‭.‬

أحمد‭ ‬الأحمد‭ ‬مولود‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ويعمل‭ ‬في‭ ‬متجر‭ ‬لبيع‭ ‬الفاكهة،‭ ‬وهو‭ ‬أب‭ ‬لفتاتين‭. ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬المقهى‭ ‬حين‭ ‬وقع‭ ‬الهجوم‭ ‬المسلح‭ ‬على‭ ‬العائلات‭ ‬اليهودية‭ ‬التي‭ ‬تحتفل‭ ‬بعيد‭ ‬الحانوكا،‭ ‬فاندفع‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬وسجلت‭ ‬الكاميرا‭ ‬العمل‭ ‬البطولي‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭.‬

ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬أحمد‭ ‬الأحمد‭ ‬هو‭ ‬تجسيد‭ ‬حي‭ ‬لقوة‭ ‬الإيمان‭ ‬الحق‭ ‬الصادق‭.‬

حين‭ ‬أقدم‭ ‬الأحمد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬سلامته‭ ‬الشخصية،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ابنتيه‭ ‬الحبيبتين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصبحا‭ ‬يتيمتين‭.‬

لم‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬إيمانه‭ ‬القوي‭ ‬ووعيه‭ ‬الإنساني‭ ‬نزعا‭ ‬منه‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬أو‭ ‬التردد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬التفكير‭ ‬العقلي‭ ‬المنطقي،‭ ‬وجعلاه‭ ‬يُقدم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬ليس‭ ‬بأوامر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬وإنما‭ ‬فقط‭ ‬بدافع‭ ‬قوة‭ ‬إيمانه‭ ‬وإنسانيته‭.‬

اعتقاده‭ ‬الراسخ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬كإنسان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحرك،‭ ‬وأن‭ ‬يفعل‭ ‬شيئا،‭ ‬وأن‭ ‬يحاول‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬ينقذ‭ ‬أرواحا‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إزهاقها‭.   ‬

وبالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬الأحمد‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬ولا‭ ‬جنسية‭ ‬ولا‭ ‬هوية‭ ‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للهجوم‭. ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬إطلاقا‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬مسلمين‭ ‬أو‭ ‬مسيحيين‭ ‬أو‭ ‬يهودا‭.‬

الهجوم‭ ‬المسلح‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬15‭ ‬شخصا‭ ‬وإصابة‭ ‬العشرات‭. ‬

في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬فقط،‭ ‬علم‭ ‬البطل‭ ‬أحمد‭ ‬الأحمد‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬تعرضوا‭ ‬للهجوم‭ ‬هم‭ ‬يهود‭ ‬أبرياء‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬معرفة‭ ‬هذا‭ ‬لتمنعه‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بعمله‭ ‬البطولي‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬اليهود‭ ‬الذين‭ ‬يحكمون‭ ‬إسرائيل‭ ‬دمروا‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وقتلوا‭ ‬وشردوا‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عامين‭ ‬كاملين،‭ ‬وبحسب‭ ‬إحصائيات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فإن‭ ‬الأطفال‭ ‬ضحايا‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بلغ‭ ‬عددهم‭ ‬50‭ ‬ألفا‭ ‬بين‭ ‬شهيد‭ ‬وجريح‭.‬

لكن‭ ‬أحمد‭ ‬الأحمد‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬أو‭ ‬جنسية‭ ‬الضحايا‭ ‬حين‭ ‬قام‭ ‬بعمله‭ ‬البطولي‭. ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬قال‭ ‬للصحفيين‭ ‬إن‭ ‬الدافع‭ ‬الأول‭ ‬والأكبر‭ ‬لما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الإنسانية‭ ‬فقط،‭ ‬ولأنه‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الخطأ‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الصواب‭ ‬وتصرف‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬أحمد‭ ‬الأحمد‭ ‬بعمل‭ ‬واحد‭ ‬وبإنقاذه‭ ‬أرواح‭ ‬يهود‭ ‬كثيرين‭ ‬نسف‭ ‬الحملة‭ ‬الضارية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬باعتباره‭ ‬دينا‭ ‬يُحرض‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬وعلى‭ ‬المسلمين‭ ‬باعتبارهم‭ ‬مصدر‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وأثبت‭ ‬زيف‭ ‬وكذب‭ ‬هذه‭ ‬الادعاءات‭.‬

في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭.. ‬عالم‭ ‬السماوات‭ ‬المفتوحة،‭ ‬وحيث‭ ‬أصبحنا‭ ‬نعرف‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬تفاصيل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬العالم،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتحلى‭ ‬جميعا‭ ‬بالشجاعة‭ ‬وقوة‭ ‬الاعتقاد،‭ ‬وأن‭ ‬نعبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬صراحة‭ ‬قولا‭ ‬وفعلا‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬العدل‭ ‬ونواجه‭ ‬الظلم،‭ ‬وكي‭ ‬ننشر‭ ‬رسالة‭ ‬الرحمة‭ ‬والإنسانية‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬البشر‭.‬

سيبقى‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬أحمد‭ ‬الأحمد‭ ‬درسا‭ ‬حيا‭ ‬لنا‭ ‬جميعا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نحتفل‭ ‬فيه‭ ‬بأعياد‭ ‬الميلاد‭ ‬والعام‭ ‬الجديد‭.. ‬رسالة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬يشهده‭ ‬من‭ ‬فظائع‭ ‬ومن‭ ‬ظلم،‭ ‬مازال‭ ‬فيه‭ ‬قيم‭ ‬إنسانية‭ ‬وأناس‭ ‬يُعلون‭ ‬قدر‭ ‬الإنسانية‭.‬

نتمنى‭ ‬الشفاء‭ ‬العاجل‭ ‬له‭.‬

ومن‭ ‬كل‭ ‬قلبي‭ ‬أتمنى‭ ‬لكل‭ ‬البشر‭ ‬أعياد‭ ‬ميلاد‭ ‬سعيدة،‭ ‬وعاما‭ ‬جديدا‭ ‬نرجو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عام‭ ‬خير‭ ‬وسلام‭.‬

 

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا