مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
الإيمان الحق وروح الإنسانية
ماذا يعني الإيمان؟
في الحياة، نحن نؤمن بما نؤمن به لأننا ببساطة نؤمن به.. لأن الإيمان به استقر في عقيدتنا ووعينا.
الإيمان الحق لا بد أن تقترن به عناصر وصفات محددة، هي:
الشجاعة - الإقدام - القدرة - القوة - الاقتناع.
إذا لم تجتمع هذه العناصر والصفات معا، فلا يمكن أن يكون الإيمان حقا وصادقا ومكتملا.
والإيمان الصادق الحق لا يمكن أن يقترن به الانحياز لطرف بناء على اعتبارات اللون أو العقيدة؛ لأن كلمة الإيمان في حد ذاتها يجب أن تبقى نقية منزهة عن الانحياز أو التعصب في كل الظروف والأحوال.
هذه الكلمات وَجدتُ من الضروري أن أبدأ بها مقالي السنوي الذي اعتدت كتابته بمناسبة أعياد الميلاد.
وجدت من الضروري أن أبدأ بهذه الكلمات كمقدمة للحديث عن حدث شهِدناه مؤخرا يمثل تجسيدا للإيمان الحق الصادق.
أعني ما حدث في ساحل بوندي في أستراليا، الذي شهد عملية إطلاق نار وقتل جماعي لم تشهدها البلاد منذ نحو 30 عاما.
أحمد الأحمد رجل مسلم يبلغ 43 عاما، قام بعمل وصفه الكل بالبطولي.
اندفع بشجاعة وإقدام نحو أحد المهاجمين، وانتزع منه سلاحه ووجه السلاح نحوه وأجبره على التراجع وطرحه أرضا. وقد أصيب الأحمد بعدة طلقات نارية، وخضع لاحقا لعملية جراحية ومازال يرقد في المستشفى.
رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز قال إن الأحمد بعمله البطولي الشجاع أنقذ أرواح الكثيرين.
أحمد الأحمد مولود في سوريا ويعمل في متجر لبيع الفاكهة، وهو أب لفتاتين. كان يجلس في المقهى حين وقع الهجوم المسلح على العائلات اليهودية التي تحتفل بعيد الحانوكا، فاندفع على الفور وسجلت الكاميرا العمل البطولي الذي قام به.
ما قام به أحمد الأحمد هو تجسيد حي لقوة الإيمان الحق الصادق.
حين أقدم الأحمد على هذا العمل لم يفكر في سلامته الشخصية، ولا حتى في أن ابنتيه الحبيبتين يمكن أن تصبحا يتيمتين.
لم يفكر في هذا لأن إيمانه القوي ووعيه الإنساني نزعا منه مشاعر الخوف أو التردد أو حتى التفكير العقلي المنطقي، وجعلاه يُقدم على ما قام به ليس بأوامر من أي أحد وإنما فقط بدافع قوة إيمانه وإنسانيته.
اعتقاده الراسخ في تلك اللحظة تمثل في أنه كإنسان يجب أن يتحرك، وأن يفعل شيئا، وأن يحاول قدر ما يستطيع أن ينقذ أرواحا كانت على وشك أن يتم إزهاقها.
وبالتأكيد لم يفكر الأحمد لا في دين ولا جنسية ولا هوية الذين يتعرضون للهجوم. لم يفكر إطلاقا فيما إذا كان هؤلاء مسلمين أو مسيحيين أو يهودا.
الهجوم المسلح أسفر عن مقتل 15 شخصا وإصابة العشرات.
في وقت لاحق فقط، علم البطل أحمد الأحمد أن الذين تعرضوا للهجوم هم يهود أبرياء. ولم تكن معرفة هذا لتمنعه من القيام بعمله البطولي على الرغم من أن اليهود الذين يحكمون إسرائيل دمروا قطاع غزة وقتلوا وشردوا مئات الآلاف على امتداد عامين كاملين، وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن الأطفال ضحايا حرب الإبادة في غزة بلغ عددهم 50 ألفا بين شهيد وجريح.
لكن أحمد الأحمد لم يفكر كما قلت في دين أو جنسية الضحايا حين قام بعمله البطولي. أحد أفراد أسرته قال للصحفيين إن الدافع الأول والأكبر لما قام به هو الاعتبارات الإنسانية فقط، ولأنه يعرف ما هو الخطأ وما هو الصواب وتصرف بناء على ذلك.
وهكذا فإن أحمد الأحمد بعمل واحد وبإنقاذه أرواح يهود كثيرين نسف الحملة الضارية في الغرب على الإسلام باعتباره دينا يُحرض على العنف، وعلى المسلمين باعتبارهم مصدر الإرهاب في العالم، وأثبت زيف وكذب هذه الادعاءات.
في عالم اليوم.. عالم السماوات المفتوحة، وحيث أصبحنا نعرف في لحظات تفاصيل أي شيء يحدث في أي ركن من أركان العالم، يجب أن نتحلى جميعا بالشجاعة وقوة الاعتقاد، وأن نعبر عن ذلك صراحة قولا وفعلا إذا أردنا أن نحقق العدل ونواجه الظلم، وكي ننشر رسالة الرحمة والإنسانية لتصل إلى كل البشر.
سيبقى ما فعله أحمد الأحمد درسا حيا لنا جميعا، وخصوصا في هذا الوقت الذي نحتفل فيه بأعياد الميلاد والعام الجديد.. رسالة تؤكد أن عالم اليوم على الرغم مما يشهده من فظائع ومن ظلم، مازال فيه قيم إنسانية وأناس يُعلون قدر الإنسانية.
نتمنى الشفاء العاجل له.
ومن كل قلبي أتمنى لكل البشر أعياد ميلاد سعيدة، وعاما جديدا نرجو أن يكون عام خير وسلام.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك