زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هل الغباء سبب بؤس حالي؟
جريدة اليوم السعودية هي مسقط رأسي الصحفي، فخلال عملي في شركة أرامكو في الظهران في المنطقة الشرقية بالسعودية، كنت أتولى أمر نقل مواد متنوعة من مصادر باللغة الإنجليزية إلى العربية، ودارت الأيام دورتها فصرت صاحب عمود يومي فيها لعدة سنوات، ومن باب اعتزازي بعلاقتي بها مازلت أحتفظ بالعديد من القصاصات منها، والتي اعتقد أن بها مادة تستحق التخزين والأرشفة، ومن بين تلك المواد نص للكاتب البارع عبدالرحمن الزامل، جاء بمفردات حلوة المعنى والمبنى عن بائع صحف لفت انتباهه ببشاشته والابتسامة التي لا تفارق وجهه رغم انه يقف على قارعة الطريق في ظروف مناخية قاسية، وكان المقال في عمومه ينضح تفاؤلا ومرحا، ثم وبعدها بأيام قليلة دمدم الزامل وزمجر لأن كاتبا آخر في نفس الصحيفة اتهم الأغنياء بأشياء كثيرة، من بينها الفساد والجشع، واستنكر الزامل تعميم الاتهامات، وقال ان بين الأغنياء من يستثمر أمواله في التعليم والصحة وعمل الخير من دون أن ينكر أنّ بينهم من يستحقون بعض النعوت القاسية (بالمناسبة عبدالرحمن الزامل رجل أعمال ناجح جدا، ولكنه متعدد الاهتمامات في كل ما يخص الشأن العام، وبعكس الكثيرين من المليونيرات فإنه صاحب دعابة ويملك حسا فكاهيا راقيا، كما يملك الشجاعة لقول الحق في كل المواقف).
وأحسست أن الزامل يعاتبني بأثر رجعي، فقد أتى عليّ حين من الدهر كنت أعتقد فيه أن الأغنياء شريرون وأنهم أساس كل البلاوي، وأن حال العالم لن ينصلح ما لم تتم مصادرة ثروات الأغنياء وتوزيعها على المعدمين، مع منحي نصيبي كاملا! هل تذكرون كيف هلل مثقفون عرب عندما قال صدام حسين عند غزوه الكويت إنه يعتزم توزيع ثروات الكويت على فقراء العرب؟ العجيب في الأمر هو أن تلك الشريحة من المثقفين كانت قد نالت نصيبها من ثروات العراق حتى قبل غزو صدام للكويت، (منهم من نال سيارة مرسيدس ومنهم الكحيان الذي رضي بساعة روليكس) ولكنهم حسبوها غلط عندما افترضوا أن نصيبهم من نفط الكويت سيجعلهم أثرياء حقيقيين! وما هو أفدح من ذلك هو أنني كنت أعتقد أن الإنسان لا يصبح ثريّا ما لم يكن «حراميا»، وإذا قال لي أحدهم إن فلانا غنيّ أباً عن جدّ كنت أقول له: أكيد جدّه كان «حرامي».
ولكن خلال مسيرتي الصحفية ومن خلال قراءتي سمعت عجبا عن عصاميين دخلوا دنيا الأعمال مسلحين بملاليم، حوّلوها الى ملايين، وعرفت ان سوء ظني بالأثرياء نابع من حقد وحسد! وحاورت ذات يوم مصرفيا خليجيا، قال لي إنه مارس التجارة لأول مرة برأسمال قدره خمسمائة ريال، فقلت له: عندي الآن 50 ألف ريال فأعطني وصفة كي أصبح غنيا، فقال لي: أعطني إياها ولا أعدك بأنك ستصبح غنيا، ولكن قد أضمن لك أنها ستتضاعف إن تركتني أستثمرها لك هنا وهناك، فقلت في سرّي: أعلى هامان يا فرعون؟ تريد ان تشفط ثروتي تلك ثم تقول لي بعد سنتين أو ثلاثة ان انهيارا حدث في بورصة بنغلاديش، وان أسعار الدولار الصومالي ارتفعت مقابل الدينار السوداني، مما أدى الى تضخم في بوركينافاسو، مما أدى الى هبوط مؤشر سوق المال في جيبوتي (ومثل هذا الكلام نسمعه من جماعة النشرة الجوية في منطقة الخليج، فكلما هبّت عواصف ترابية على الجزيرة العربية وارتفعت فيها درجات الحرارة قالوا ان ذلك ناجم عن «منخفض السودان»!!). ثم سألت محاوري الغني: اشمعنى أنت صرت غني برأسمال قدره 500 ريال وأنا لا أستطيع ان أكون غنيا ب 50 ألف؟ فقال لي: لأنك غبيّ!! يعني جئته أسال «كيف أصير غني طلعني غبي».. ثم شرح لي كيف ان التجارة شطارة وجسارة ومغامرة محسوبة وخيال خصب! همهمت: لو كان ذلك صحيحا لكان الشعراء أغنى الناس.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك