عالم يتغير
فوزية رشيد
منذ تأسيس الكيان الصهيوني والمنطقة في قلاقل!
{ عادة بحجم التحدي تأتي الاستجابة والمنطقة العربية عايشت أكبر التحديات منذ قرون طويلة! ولكن التحدي الأكبر كان تأسيس الكيان الصهيوني ليشق الجغرافيا العربية من منتصفها! وليتم وضعها على مرجل ساخن لم تهدأ نيرانها قط لا بالحروب مع هذا الكيان ولا بالاعتراف به بعد ذلك في إطار اتفاقيات السلام! لأنه تم تصنيعه استعماريا ليؤدي دورا وظيفيا مستمرا خارج نطاقات الحرب أو السلام! ولأنه كيان غريب وسر بقائه واستمراره هو الدعم الغربي الاستعماري المطلق له حتى أصبح من يفتح الحرب عليه لكأنه يحارب دول الصهيونية الغربية والاستعمارية ككل! ولكن في الوقت ذاته فإن هذا الكيان ومن يدعمه يحمل هو أولا بذرة فنائه من داخله من خلال بسالة المقاومة الشعبية الفلسطينية التي يخطئ كثيرون أنها بدأت مع حماس لأنها بدأت منذ العقود الأولى في فلسطين وقبل تأسيس هذا الكيان الغاصب أصلا وليس هناك ما يرجح القضاء على تلك المقاومة!
{ العرب بعد أن قدَّروا أن الحروب ليست هي الحل في نظرهم اتجهوا إلى الاعتراف بالكيان ووضع الاتفاقيات معه منذ كامب ديفيد وحتى اليوم من اتفاقيات أخرى، ورغم ذلك لم تهدأ المنطقة ولم يتوقف نزيفها لأن الشرط الثاني لبقاء هذا الكيان واستمراره إلى جانب الدعم الغربي الخارجي هو إبقاء العرب ككل في حالة ضعف مستمر وخاصة الدول التي فيها الطموحات التوسعية التي يضعها الكيان في الخارطة وأعلنها نتنياهو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة! وحملها الجندي الصهيوني على كتفه ويرى الكيان أن المسألة هي مسألة وقت وتحين الفرصة الملائمة!
{ استمر الدعم الغربي للكيان بشكل هائل ومعه استمر مخطط إضعاف الدول العربية وإفشالها وتقسيم بعضها ولاحقا تقسيم كلها بحسب المنظور الاستعماري! وتم إعلان ذلك بشكل صريح حتى إن لم يرد العرب تصديقه! لكنه موجود ومستمر ويتحين كل فرصة لتنفيذ ما تأخر تنفيذه! والذي بدأ في إضعاف العراق بغزوه واحتلاله وإدخاله في فوضى الطائفية ثم إضعاف سوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال واليمن ولكل منها حكاية تتناسل منها حكايات كألف ليلة وليلة!
{ الكيان الصهيوني ولأن وظيفته إضعاف العرب بالحرب أو السلام الوهمي لذلك فإنه يريد إضعاف العرب وإضعاف أية قوة لديهم، إما بالحروب والصراعات والأزمات والنزاعات والفتن الطائفية والعرقية وإما أن يعلنوا استسلامهم لمخططاته وأطماعه وهذا مفهومه الحقيقي لما يسميه بالسلام!
وفي كلتا الحالتين فإن المنطقة لم تهدأ ولن تهدأ وستبقى على الصفيح الساخن طالما بقي هذا الكيان مزروعا في منتصف جغرافيتها! وهو يعلن أنه لا يريد الحرب الشاملة في المرحلة الراهنة ولكنه لا يريد السلام أيضا في المرحلة الراهنة أو اللاحقة! هو يريد أن تبقى المنطقة العربية في حالة وخانة القلاقل والأزمات والصراعات والنزاعات والفوضى الفكرية والسياسية، أي في حالة الضعف الاستراتيجي الكامن حتى تتهيأ الأرضية بعدها لحرب شاملة ختامية كما قال العراب الصهيوني الأمريكي «كيسنجر»! وهذا يدل على أن مفهوم السلام عند الصهاينة هو للخداع فقط!
إنهم يعلنون أيضا من خلال التصريحات الصهيونية في الكتب التي تطرح مخططاتهم منذ بداية القرن العشرين وفي منتدى لندن بين 1905 و1907 أن الصراع مع العرب هو صراع حضاري مع الغرب! أي أن الكيان الذي تم طرح زرعه منذئذ هو لمنع أي وحدة عربية وإبقاؤها في حالة الاستنزاف الاستراتيجي على مدى العقود الطويلة وربما لمئات السنين! حتى يتمكن الصهاينة عن طريق الكيان الصهيوني الوظيفي استعماريا من ابتلاع كل الجغرافيا العربية! ولهذا دخلت المنطقة إلى جانب الحروب العسكرية، حروب الجيل الرابع وما بعده من الحروب الناعمة القائمة على تغيير الأفكار لدى العرب سواء على المستوى السياسي أو الديني باعتبار أن الإسلام قوة عربية دينية ومعنوية لابد من كسرها وتفتيتها وهزيمتها! ودخلت في حيثيات تلك الحروب الناعمة في العقدين الأخيرين إنشاء طوابير عربية خامسة في كل المجالات الفكرية والدينية والسياسية للترويج لذلك الاختراق الفكري والديني! بل اختراق الأنظمة التعليمية والإعلامية العربية!
{ إن ما يمر به الكيان بعد العدوان الهمجي على غزة وانقلاب الرأي الشعبي العالمي وخاصة في الغرب هو الباب الذي انفتح من دون تقدير عربي للحدث وما بعده، بما يتطلب رؤية عربية استراتيجية جديدة لكيفية التعامل مع هذا الكيان، وتفعيل الإرادة السياسية والإمكانيات العربية لمساندة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم اليوم أبشع احتلال استيطاني على مر التاريخ! الشعوب في العالم كله تقاوم اليوم الصهاينة والصهيونية العالمية وليس الكيان وحده! فماذا ينتظر العرب لكي يغيروا رؤيتهم تجاه هذا الكيان الذي يريد أن ينطلق من فلسطين كلها بعد تهويدها إلى تنفيذ مخططه التوسعي الإقليمي وانتزاع السيادة والأمن والاستقرار من دول عديدة في المنطقة العربية لتضعها بعد ذلك في خانة الاستسلام المطلق؟! هل يرى العرب كيف يفكر القادة الصهاينة أم أنهم لا يريدون أن يروا لأن الحقيقة أمام أعينهم بطعم ومرارة الحنظل؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك