العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

في الامتحان قد تُكرم أو تُهان

لفظ‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬أنفاسه‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة،‭ ‬وانطلق‭ ‬ملايين‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬الأرض‭ ‬يسرحون‭ ‬ويمرحون‭ ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬موسم‭ ‬امتحانات‭ ‬نهاية‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬عشرات‭ ‬المقالات‭ ‬عن‭ ‬كراهيتي‭ ‬للامتحانات‭ ‬المدرسية،‭ ‬بل‭ ‬اعترف‭ ‬بأنني‭ ‬رسبت‭ ‬في‭ ‬امتحانات‭ ‬قيادة‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬وقتها‭ ‬أجيد‭ ‬قيادة‭ ‬السيارات،‭ ‬وكاد‭ ‬مدربي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬ان‭ ‬يعضني‭ ‬في‭ ‬أذني‭ ‬عندما‭ ‬رسبت‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬السواقة،‭ ‬فبعد‭ ‬ان‭ ‬أمضيت‭ ‬معه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬لأفهم‭ ‬أسرار‭ ‬و«حركات‮»‬‭ ‬اختبارات‭ ‬السواقة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬واستيعاب‭ ‬مسار‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬الذي‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬مساراتها‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬رأى‭ ‬الرجل‭ ‬انني‭ ‬لست‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬تمرين‭ ‬او‭ ‬تدريب‭ ‬وسجلني‭ ‬لدى‭ ‬شرطة‭ ‬المرور‭ ‬لإجراء‭ ‬الاختبار،‭ ‬وقرر‭ ‬الشرطي‭ ‬الجالس‭ ‬جواري‭ ‬انني‭ ‬فاشل‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬أمضى‭ ‬معي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬دقيقتين‭ ‬خاف‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬سلامته‭ ‬وحياته،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬انني‭ ‬مرتعش‭ ‬ومتوتر‭. ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬مدرسا،‭ ‬كنت‭ ‬أتضايق‭ ‬من‭ ‬مراقبة‭ ‬الطلاب‭ ‬خلال‭ ‬الامتحانات،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬كرهي‭ ‬للامتحانات‭ ‬كطالب‭ ‬بسبب‭ ‬خوفي‭ ‬من‭ ‬الرسوب‭ - ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬طالبا‭ ‬منضبطا‭ ‬أهتم‭ ‬بمذاكرة‭ ‬ومراجعة‭ ‬دروسي‭ ‬جيدا‭ - ‬ولكن‭ ‬لكون‭ ‬أجواء‭ ‬الامتحانات‭ ‬كئيبة،‭ ‬ولأن‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنني‭ ‬تحت‭ ‬‮«‬المراقبة‮»‬،‭ ‬يعزز‭ ‬عندي‭ ‬الاحساس‭ ‬بأنني‭ ‬من‭ ‬‮«‬المشكوك‭ ‬في‭ ‬أمرهم‮»‬

في‭ ‬برج‭ ‬العرب‭ ‬بمصر‭ ‬كان‭ ‬محمد‭ ‬يجلس‭ ‬لامتحان‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬علوم‭ ‬البيئة‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬عندما‭ ‬أحس‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬عنده‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬على‭ ‬ورقة‭ ‬الإجابة،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬قرأ‭ ‬ورقة‭ ‬الأسئلة‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬الى‭ ‬تحت‭ ‬ومن‭ ‬تحت‭ ‬الى‭ ‬فوق،‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬سؤالا‭ ‬واحدا‭ ‬يبرر‭ ‬بقاءه‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬الامتحانات،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬ان‭ ‬حمل‭ ‬ورقة‭ ‬الإجابة‭ ‬الفارغة‭ ‬و‭..... ‬يا‭ ‬فكيك‭.. ‬أي‭ ‬انطلق‭ ‬جاريا‭.. ‬لا‭ ‬تسأله‭ ‬لماذا‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭! ‬كان‭ ‬بإمكانه‭ ‬ان‭ ‬يقدم‭ ‬ورقة‭ ‬الإجابة‭ ‬بيضاء‭ ‬أو‭ ‬ان‭ ‬يكتب‭ ‬فيها‭ ‬أي‭ ‬كلام‭ ‬ويتركها‭ ‬مع‭ ‬جرس‭ ‬نهاية‭ ‬الامتحان،‭ ‬ولكنه‭ ‬قرر‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الامتحان‭ ‬حاملا‭ ‬معه‭ ‬دليل‭ ‬‮«‬إدانته‮»‬‭ ‬أي‭ ‬رسوبه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭! ‬فهكذا‭ ‬الامتحانات‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬حيث‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬يُكرم‭ ‬المرء‭ ‬أو‭ ‬يُهان‮»‬،‭ ‬وأمر‭ ‬‮«‬مهين‮»‬‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يتصرف‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬منطقي‭. ‬والأعجب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬مدرسي‭ ‬المدرسة‭ ‬ابلغوا‭ ‬الشرطة‭ ‬بهرب‭ ‬محمد‭! ‬هذا‭ ‬أيضا‭ ‬تصرف‭ ‬أخرق‭ ‬وغير‭ ‬منطقي‭: ‬طالب‭ ‬يحمل‭ ‬ورقة‭ ‬بيضاء‭ ‬وترك‭ ‬قاعة‭ ‬الامتحانات‭ ‬جريا‭ ‬أو‭ ‬زحفا،‭ ‬ماذا‭ ‬يضير‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬ذلك؟‭ ‬يعني‭ ‬لو‭ ‬هرب‭ ‬بورقة‭ ‬الأسئلة‭ ‬لكانت‭ ‬هناك‭ ‬شبهة‭ ‬انه‭ ‬سيقوم‭ ‬بتسريبها‭ ‬لمصلحة‭ ‬طالب‭ ‬آخر،‭ ‬وثالثة‭ ‬الأثافي‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬الصحف‭ ‬المصرية‭ ‬ان‭ ‬الطالب‭ ‬احيل‭ ‬الى‭ ‬النيابة‭ ‬كي‭ ‬يحال‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭!! ‬يا‭ ‬مثبت‭ ‬العقول‭ ‬يا‭ ‬رب‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فإن‭ ‬محمد‭ ‬تصرف‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬نظيره‭ ‬الياباني‭ - ‬وبالمناسبة‭ ‬فاليابانيون‭ ‬مهووسون‭ ‬بالتفوق‭ ‬المدرسي‭ ‬بدرجة‭ ‬ان‭ ‬بضع‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬ينتحرون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فصل‭ ‬دراسي‭ ‬خوف‭ ‬الرسوب‭ ‬والمحاسبة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الوالدين‭ - ‬المهم‭ ‬ان‭ ‬طالبا‭ ‬يابانيا‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬عشر،‭ ‬وأبوه‭ ‬طبيب‭ ‬يريد‭ ‬له‭ ‬التفوق،‭ ‬عاش‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬الرعب‭ ‬عندما‭ ‬أخبره‭ ‬والده‭ ‬انهما‭ ‬سيذهبان‭ ‬سويا‭ ‬الى‭ ‬المدرسة‭ ‬لمناقشة‭ ‬نتائج‭ ‬امتحاناته،‭ ‬وكان‭ ‬مرد‭ ‬الرعب،‭ ‬ان‭ ‬الطالب‭ ‬زور‭ ‬نتيجة‭ ‬امتحان‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية‭ ‬في‭ ‬الشهادة‭ ‬التي‭ ‬أتى‭ ‬بها‭ ‬الى‭ ‬أبيه،‭ ‬ففكر‭ ‬الصبي‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬وقرر‭ ‬إخفاء‭ ‬معالم‭ ‬الجريمة،‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬الشهادة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬التزوير‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به،‭ ‬فبحث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أرجاء‭ ‬البيت‭ ‬ولم‭ ‬يجدها،‭ ‬فأدرك‭ ‬ان‭ ‬والده‭ ‬أخفاها‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬‮«‬أمين‮»‬‭.. ‬وعندها‭ ‬رأى‭ ‬ان‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الشهادة‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬بحرق‭ ‬البيت‭ ‬بأكمله‭ ‬لتحترق‭ ‬الشهادة‭ ‬وينشغل‭ ‬أبوه‭ ‬بأمر‭ ‬الحريق‭ ‬وينسى‭ ‬أمر‭ ‬المدرسة‭.. ‬واحترق‭ ‬البيت‭.. ‬ومات‭ ‬في‭ ‬الحريق‭ ‬أخوه‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬واخته‭ ‬بنت‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬وزوجة‭ ‬أبيه‭.. ‬قرأت‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬وهتفت‭: ‬حريقة‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭ ‬وفي‭ ‬الشهادات‭ ‬وفي‭ ‬الانجليز‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا