زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الزواج والقيود وللحرية حدود
الزواج نقلة كبيرة في حياة الإنسان، لأنه يعني -فيما يعني- أن توائم طوعا مزاجك الشخصي ورغباتك وعاداتك مع مزاج وعادات ورغبات شخص آخر، وهذا تنازل كبير لأي شخص، ويعني بالضرورة أن يكون قسم كبير من وقتك الخاص مخصصا لشريك الحياة، ما يعني ان تكف عن قضاء أوقات أو سهرات مفتوحة مع الأصدقاء؛ مثلا كان من عادات أهل بلدتنا الريفية المقيمين في الخرطوم حيث انتهى بي المطاف الاجتماع في بيت هذا أو ذاك كل يوم جمعة لتناول الوجبة الشعبية النوبية المعروفة بـ«التركين» في وجبة الإفطار، ويصنع التركين من صغار السمك بعد تمليحها ثم غليها واستخلاص عصارة منها، وإذا طبخ التركين في بيت سيئ التهوية فإن كل من يدخل ذلك البيت يصاب بالتهاب الجيوب الأنفية وتضخم البروستات، ولكنه لذيذ الطعم وخاصة إذا تناولته مع البصل والشطة (مع التسلح بمناديل من الورق او القماش لإزالة الدموع المنسكبة من العين والأنف والأذن والحنجرة)، وطالبتْ زوجتي «الجديدة» بأن يكون يوم الجمعة مخصصا لها لأنه يوم العطلة الوحيد في الأسبوع، وخاصة أنني كنت أعمل صباحا ومساء، وكنت أدرك انها محقة في مطلبها، ولكن التضحية برفقة الأهل والأصدقاء والتركين مرة واحدة في الأسبوع كان أمرا صعبا عليّ.. ومن باب سد الذرائع تعلمت زوجتي طبخ التركين، (ثم صارت تشكو من أنه يسبب له نوبات ربو).. ولأن الممتع في التركين هو أكله مع جماعة فقد توصلنا إلى حل وسط هو أن أتناوله خارج بيت الزوجية مرة كل أسبوعين.
والشاهد هو أن الزواج يحدث تغييرا كبيرا في نمط وأسلوب الحياة، والبنت في مجتمعاتنا تكبر وهي مهيأة نفسيا لقبول تبعات ومسؤوليات الزواج، بينما الشاب الذي ينشأ عادة متمتعا بحرية الصياعة والصرمحة، يجد صعوبة في تحمل تلك التبعات والمسؤوليات، وكما يعرف كل متزوج فإن الشابة الممتلئة عافية طوال فترة الخطوبة تتحول بعد الزواج، إلى شخص «على الهبشة» من الناحية الصحية: نزلات برد متكررة ومغص معوي والتهاب اللوزتين والزائدة الدودية والمريء والمصران أبو عين واحدة، وما يفاقم الوضع بالنسبة إلى الزوج هو ان النساء بعكس الرجال شديدات الثقة بالأطباء، فالرجل لا يذهب الى الطبيب إلا محمولا على الأكتاف، أي في طريقه الى القبر، أو متكئا على عكازة، بينما تطالب المرأة باستدعاء الإسعاف لأنها تعاني من دوخة: طبيعي يا بنت الناس أن تحسي بالدوخة لأن الدنيا رمضان وأنت صائمة منذ 25 يوما وترفضين تناول السكريات، حفاظا على رشاقتك!! ووسط طوفان من الدموع يأتيك الرد: لو مش عايز توديني الدكتور وديني بيت أبوي. فتلعن خاش الطب و«خاش بيت أبوها».
على المستوى الشخصي كانت عروسي «صاغ سليم» أي في كامل عافيتها عند الزواج، ولكن خلال سنوات معدودة كان الأطباء قد جردوها من نحو 20% من مكونات جسمها: اللوزتان والمرارة والزائدة الدودية واضراس العقل والطحال والأذن الوسطى و، و،.. ولست واثقا مما إذا كان لديها اليوم كبد وكلاوي ورئتان وقرنية وشريان أورطي، لأن الأطباء ينتزعون جزءا من جسمها كل بضع سنوات. ولا أقول هذا من باب الشكوى، بل من باب الإعجاب بها، فهي -الله يعطيها العافية- طالعة ونازلة في أمان الله، ومازالت تهتم بشؤون بيتها وأفراد أسرتها. بالذمة أليست ام الجعافر امرأة فلتة و«معجزة».
يحلو لنا معشر الرجال ان نتهكم على النساء بوصفهن دائمات الشكوى وكثيرات اللجوء الى الأطباء، ولكننا ننسى أنهن برغم كل ذلك يبقين ركائز البيوت ودعاماتها، ورغم الشكوى من قيود والتزامات الزواج فإنني اعترف بأن الزواج جعلني أكثر تحملا للمسؤولية وأكثر انضباطا في حياتي العامة والخاصة، رغم أنني -مثل كثيرين من الرجال- أحس بأن الزواج يكتم الأنفاس، وخاصة بعد ظهور الهاتف الجوال الذي يجعل الزوجة مثل الموت «يدركك أينما كنت».
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك