عالم يتغير
فوزية رشيد
المناطق التاريخية والحفاظ على الهوية!
{ أي سائح حين يزور أي بلد في العالم فهو لا يبحث سياحيا ومعرفيا عن أنماط العمران والمطاعم والشوارع كما يعرفها في بلده! إنه يبحث تحديدا عن الخصوصية والهوية التاريخية والثقافية والأماكن الأثرية التي تكتسب النكهة الحضارية الخاصة بالبلد الذي يزوره! هذا ما يفعله كل سائح عموما ويفعله السائح الأجنبي بشكل خاص، فهو لا يبحث في البلدان الشرقية تحديدا عن المتشابه مع ما يعرفه وكأن البلدان في كل دول العالم اتخذت من أنماطه المعمارية والسياحية الغربية نموذجا للتشابه حتى يشعر وكأنه لم يفارق بلده الغربي في أوروبا أو أمريكا! فالمطاعم هي ذاتها والعمارات الصاخبة والباذخة في طولها هي ذاتها، حتى يشعر وكأنه في عالم يستنسخ نفسه بذات الأشكال وذات النكهات وذات المذاقات!
{ السائح أيًّا كان بلده يبحث عن البصمة الخاصة للبلدان والشعوب الأخرى ونكهة الأطعمة الخاصة والآثار التي تدل على الهوية الحضارية والتاريخية والثقافية والفنية العريقة والفلكلور الخاص بالبلد وعاداته وتقاليده وأنماطه الخاصة في الحياة حتى في الأكل واللباس! ذلك ما يثير شهية الكشف والاكتشاف والرغبة في تراكم الذكريات عن البلد الذي يزوره! وهذا للأسف ما ضيعته بلدان عربية مختلفة، لتضيع بدورها في هوة ضياع الهوية الخاصة بها وتقع في التقليد وكأنه أمر بديهي! وهي تعتقد أن الجذب السياحي يعتمد فقط على تقليد النمط الغربي في العمران وغيره والتباهي باكتساب القيم الغربية ولغتها!
{ خبر وضع خطة متكاملة لإعادة تطوير المنطقة التاريخية لسوق المنامة بالمحافظة على هويتها التاريخية والثقافية، وحتما بتوفير بنية تحتية توفر دمج الراحة العصرية بأجواء التاريخ والأماكن التاريخية هو أمر مهم في سياق الأمر الملكي في الاهتمام بما يحافظ على البصمة الخاصة والنكهة المتميزة للأمكنة في البحرين، وهنا في سوق المنامة وإعادة تطويرها.
إن اللمسات الخاصة التي تركتها الشيخة مي في العديد من أمكنة وشوارع ومباني المحرق والمنامة أيضا، هي التي لا تزال تجذب السائح سواء الأجنبي أو العربي! ومازلت أذكر تلك الدهشة والانبهار لدى المبدعات العربيات في ربيع 2013 (37 مبدعة عربية) تمت دعوتهن في ملتقى المبدعات العربيات وأشرفت على تلك الدعوات ووضع البرنامج الخاص للزيارات التي امتدت أسبوعا كاملا بالتعاون مع هيئة الثقافة والآثار، وهن يتجولن في الأماكن التاريخية التي تم ترميمها بفنية عالية حافظت على المضمون التاريخي للأمكنة ونمطها المعماري القديم مع رونق التوظيف العصري للبنية التحتية لتلك الأمكنة! وكان البحث عن المعلومة بما يخص تلك الأمكنة ساريا لدى الجميع ومعه المتعة في منزل الكورار والصناعة البحرينية للألبسة والتطريز البحريني وغيرها، حتى دعوة العشاء الخاصة من الشيخة مي كان في مكان تاريخي في المحرق!
{ إن الحفاظ على التميز التاريخي والحضاري والثقافي والفني الخاص يُضفي على صناعة السياحة الناجحة الرونق وتألق الهوية، بما يثير لدى السائح فضول التعرف والدهشة والشغف أكثر من أي شيء آخر، بحيث يتذكر لاحقا الأثر الخاص الذي تركته زيارة الأمكنة في ذاكرته، بينما كل ما هو متشابه مع بلده يمر عليه مرور الكرام! وهذا ما يدفع حتى اليوم رغبة المبدعات في الالتقاء مرة أخرى في البحرين!
{ في هذا الاهتمام والتوجه نحو المناطق التاريخية في البلد والأمكنة الأثرية والحفاظ عليها و(يرصد ميزانيات تستحقها) لأنها ستبقى وتعطي مردودها السياحي لاحقا لهو توجه جميل، وخاصة أن البحرين بحضارتها الدلمونية وتعاقب الحضارات عليها، وتاريخها الممتد إلى آلاف السنين قبل الميلاد جديرة بامتياز واستحقاق أن يتم تعميق هذا التوجه الرسمي التاريخي إلى جانب الجمالي بكل أمكنتها والحفاظ على تميزها ونكهتها الخاصة وإنشاء المزيد من المطاعم والأمكنة بنكهة العمران البحريني القديم في كل مكان فيها!
{ مثلما البشر وبحثهم عن تميزهم الخاص وهويتهم، فإن البلدان لكي تكون جاذبة لا بد أن تحافظ على تميزها وعمقها التاريخي والحضاري، وتضع الخطط لتطوير أمكنتها بالمعيار الذي تركه العمران الخاص بالبلد والأنشطة المرتبطة بالتراث والعادات والتقاليد الجميلة، وهي التي تخلق الاعتزاز الوطني لدى المواطن من جهة، وشغف الاكتشاف لدى من يزورها من جهة أخرى.
فرادتك في تميزك، وخصوصيتك في بصمتك الخاصة، وتحضرك في الحفاظ على عمقك التاريخي وتراثك المختلف، بدون ذلك فأنت واقع في فخ التشابه الحداثي والعصري بعيدا عن جذورك العميقة والفريدة! أي كأنك نسخة من أصل بعيد لا تمت له تاريخيا أو ثقافيا!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك