العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

المناطق التاريخية والحفاظ على الهوية!

{‭ ‬أي‭ ‬سائح‭ ‬حين‭ ‬يزور‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬سياحيا‭ ‬ومعرفيا‭ ‬عن‭ ‬أنماط‭ ‬العمران‭ ‬والمطاعم‭ ‬والشوارع‭ ‬كما‭ ‬يعرفها‭ ‬في‭ ‬بلده‭! ‬إنه‭ ‬يبحث‭ ‬تحديدا‭ ‬عن‭ ‬الخصوصية‭ ‬والهوية‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية‭ ‬والأماكن‭ ‬الأثرية‭ ‬التي‭ ‬تكتسب‭ ‬النكهة‭ ‬الحضارية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالبلد‭ ‬الذي‭ ‬يزوره‭! ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬كل‭ ‬سائح‭ ‬عموما‭ ‬ويفعله‭ ‬السائح‭ ‬الأجنبي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الشرقية‭ ‬تحديدا‭ ‬عن‭ ‬المتشابه‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬وكأن‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬أنماطه‭ ‬المعمارية‭ ‬والسياحية‭ ‬الغربية‭ ‬نموذجا‭ ‬للتشابه‭ ‬حتى‭ ‬يشعر‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يفارق‭ ‬بلده‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬أو‭ ‬أمريكا‭! ‬فالمطاعم‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬والعمارات‭ ‬الصاخبة‭ ‬والباذخة‭ ‬في‭ ‬طولها‭ ‬هي‭ ‬ذاتها،‭ ‬حتى‭ ‬يشعر‭ ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يستنسخ‭ ‬نفسه‭ ‬بذات‭ ‬الأشكال‭ ‬وذات‭ ‬النكهات‭ ‬وذات‭ ‬المذاقات‭!‬

{‭ ‬السائح‭ ‬أيًّا‭ ‬كان‭ ‬بلده‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬البصمة‭ ‬الخاصة‭ ‬للبلدان‭ ‬والشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬ونكهة‭ ‬الأطعمة‭ ‬الخاصة‭ ‬والآثار‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الحضارية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬العريقة‭ ‬والفلكلور‭ ‬الخاص‭ ‬بالبلد‭ ‬وعاداته‭ ‬وتقاليده‭ ‬وأنماطه‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأكل‭ ‬واللباس‭! ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬شهية‭ ‬الكشف‭ ‬والاكتشاف‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬تراكم‭ ‬الذكريات‭ ‬عن‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يزوره‭! ‬وهذا‭ ‬للأسف‭ ‬ما‭ ‬ضيعته‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬مختلفة،‭ ‬لتضيع‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬هوة‭ ‬ضياع‭ ‬الهوية‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬التقليد‭ ‬وكأنه‭ ‬أمر‭ ‬بديهي‭! ‬وهي‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الجذب‭ ‬السياحي‭ ‬يعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬تقليد‭ ‬النمط‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬العمران‭ ‬وغيره‭ ‬والتباهي‭ ‬باكتساب‭ ‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬ولغتها‭!‬

{‭ ‬خبر‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬متكاملة‭ ‬لإعادة‭ ‬تطوير‭ ‬المنطقة‭ ‬التاريخية‭ ‬لسوق‭ ‬المنامة‭ ‬بالمحافظة‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وحتما‭ ‬بتوفير‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬توفر‭ ‬دمج‭ ‬الراحة‭ ‬العصرية‭ ‬بأجواء‭ ‬التاريخ‭ ‬والأماكن‭ ‬التاريخية‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الأمر‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬بما‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬البصمة‭ ‬الخاصة‭ ‬والنكهة‭ ‬المتميزة‭ ‬للأمكنة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وهنا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬وإعادة‭ ‬تطويرها‭.‬

إن‭ ‬اللمسات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أمكنة‭ ‬وشوارع‭ ‬ومباني‭ ‬المحرق‭ ‬والمنامة‭ ‬أيضا،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تجذب‭ ‬السائح‭ ‬سواء‭ ‬الأجنبي‭ ‬أو‭ ‬العربي‭! ‬ومازلت‭ ‬أذكر‭ ‬تلك‭ ‬الدهشة‭ ‬والانبهار‭ ‬لدى‭ ‬المبدعات‭ ‬العربيات‭ ‬في‭ ‬ربيع‭ ‬2013‭ (‬37‭ ‬مبدعة‭ ‬عربية‭) ‬تمت‭ ‬دعوتهن‭ ‬في‭ ‬ملتقى‭ ‬المبدعات‭ ‬العربيات‭ ‬وأشرفت‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الدعوات‭ ‬ووضع‭ ‬البرنامج‭ ‬الخاص‭ ‬للزيارات‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬أسبوعا‭ ‬كاملا‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار،‭ ‬وهن‭ ‬يتجولن‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬ترميمها‭ ‬بفنية‭ ‬عالية‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬المضمون‭ ‬التاريخي‭ ‬للأمكنة‭ ‬ونمطها‭ ‬المعماري‭ ‬القديم‭ ‬مع‭ ‬رونق‭ ‬التوظيف‭ ‬العصري‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬لتلك‭ ‬الأمكنة‭! ‬وكان‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المعلومة‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬تلك‭ ‬الأمكنة‭ ‬ساريا‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬ومعه‭ ‬المتعة‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬الكورار‭ ‬والصناعة‭ ‬البحرينية‭ ‬للألبسة‭ ‬والتطريز‭ ‬البحريني‭ ‬وغيرها،‭ ‬حتى‭ ‬دعوة‭ ‬العشاء‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬تاريخي‭ ‬في‭ ‬المحرق‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التميز‭ ‬التاريخي‭ ‬والحضاري‭ ‬والثقافي‭ ‬والفني‭ ‬الخاص‭ ‬يُضفي‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬السياحة‭ ‬الناجحة‭ ‬الرونق‭ ‬وتألق‭ ‬الهوية،‭ ‬بما‭ ‬يثير‭ ‬لدى‭ ‬السائح‭ ‬فضول‭ ‬التعرف‭ ‬والدهشة‭ ‬والشغف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬بحيث‭ ‬يتذكر‭ ‬لاحقا‭ ‬الأثر‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬تركته‭ ‬زيارة‭ ‬الأمكنة‭ ‬في‭ ‬ذاكرته،‭ ‬بينما‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متشابه‭ ‬مع‭ ‬بلده‭ ‬يمر‭ ‬عليه‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭! ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬رغبة‭ ‬المبدعات‭ ‬في‭ ‬الالتقاء‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬البحرين‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬والتوجه‭ ‬نحو‭ ‬المناطق‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬والأمكنة‭ ‬الأثرية‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬و‭(‬يرصد‭ ‬ميزانيات‭ ‬تستحقها‭) ‬لأنها‭ ‬ستبقى‭ ‬وتعطي‭ ‬مردودها‭ ‬السياحي‭ ‬لاحقا‭ ‬لهو‭ ‬توجه‭ ‬جميل،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬بحضارتها‭ ‬الدلمونية‭ ‬وتعاقب‭ ‬الحضارات‭ ‬عليها،‭ ‬وتاريخها‭ ‬الممتد‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬جديرة‭ ‬بامتياز‭ ‬واستحقاق‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تعميق‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الرسمي‭ ‬التاريخي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الجمالي‭ ‬بكل‭ ‬أمكنتها‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬تميزها‭ ‬ونكهتها‭ ‬الخاصة‭ ‬وإنشاء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المطاعم‭ ‬والأمكنة‭ ‬بنكهة‭ ‬العمران‭ ‬البحريني‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬فيها‭!‬

{‭ ‬مثلما‭ ‬البشر‭ ‬وبحثهم‭ ‬عن‭ ‬تميزهم‭ ‬الخاص‭ ‬وهويتهم،‭ ‬فإن‭ ‬البلدان‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬جاذبة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬تميزها‭ ‬وعمقها‭ ‬التاريخي‭ ‬والحضاري،‭ ‬وتضع‭ ‬الخطط‭ ‬لتطوير‭ ‬أمكنتها‭ ‬بالمعيار‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬العمران‭ ‬الخاص‭ ‬بالبلد‭ ‬والأنشطة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتراث‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الجميلة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تخلق‭ ‬الاعتزاز‭ ‬الوطني‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وشغف‭ ‬الاكتشاف‭ ‬لدى‭ ‬من‭ ‬يزورها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

فرادتك‭ ‬في‭ ‬تميزك،‭ ‬وخصوصيتك‭ ‬في‭ ‬بصمتك‭ ‬الخاصة،‭ ‬وتحضرك‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬عمقك‭ ‬التاريخي‭ ‬وتراثك‭ ‬المختلف،‭ ‬بدون‭ ‬ذلك‭ ‬فأنت‭ ‬واقع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬التشابه‭ ‬الحداثي‭ ‬والعصري‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬جذورك‭ ‬العميقة‭ ‬والفريدة‭! ‬أي‭ ‬كأنك‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬بعيد‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬له‭ ‬تاريخيا‭ ‬أو‭ ‬ثقافيا‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا