العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كلمة ونص للمعلمين (1)

أكنُّ‭ ‬للمعلمين‭ ‬احتراما‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬لأنهم‭ ‬يستحقونه‭ ‬بوصفهم‭ ‬من‭ ‬يقومون‭ ‬برفد‭ ‬المجتمع‭ ‬بمن‭ ‬يخدمونه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬واليوم‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬يتحملني‭ ‬المعلمون‭ ‬إذا‭ ‬ارتديت‭ ‬مسوح‭ ‬الناصح‭ ‬لهم،‭ ‬فالنصح‭ ‬ثقيل‭ ‬على‭ ‬نفوس‭ ‬البعض،‭ ‬لأنهم‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الناصح‭ ‬شخص‭ ‬يحس‭ ‬بأنه‭ ‬أكثر‭ ‬علما‭ ‬وتجربة‭ ‬ممن‭ ‬ينصحهم‭. ‬لا،‭ ‬أنا‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬المعلمين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬مني‭ ‬دراية‭ ‬وخبرة‭ ‬بشؤون‭ ‬مهنتهم‭ ‬بل‭ ‬وبالشؤون‭ ‬العامة،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬الناجحين‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬أو‭ ‬الإداري‭ ‬أو‭ ‬التجاري‭ ‬بدأوا‭ ‬حياتهم‭ ‬كمعلمين‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬أدركتهم‭ ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬ربي‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬معظم‭ ‬قيادات‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬بلدي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬المعلمين،‭ ‬وكان‭ ‬رافع‭ ‬علم‭ ‬استقلال‭ ‬السودان‭ ‬وأول‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬فيه‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬معلم‭ ‬رياضيات‭. ‬ولكنني‭ ‬أعطي‭ ‬نفسي‭ ‬حق‭ ‬أن‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬التدريس‭ ‬بحكم‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬مدرسا‭ ‬وبحكم‭ ‬أنني‭ ‬أب‭ ‬يهتم‭ ‬بمسيرة‭ ‬عياله‭ ‬التعليمية،‭ ‬وبحكم‭ ‬أن‭ ‬قلبي‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬وشاب‭ ‬ملتحق‭ ‬بمؤسسة‭ ‬تعليمية،‭ ‬مهتم‭ ‬بشؤون‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬عموما‭.‬

أريد‭ ‬بالتحديد‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬نفور‭ ‬الطلاب‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬وكراهيتهم‭ ‬لها،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬المدرس‭ ‬يلعب‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬تحبيب‭ ‬المدرسة‭ ‬إلى‭ ‬نفوس‭ ‬الطلاب‭ ‬أو‭ ‬تنفيرهم‭ ‬منها‭. ‬نعم،‭ ‬المناهج‭ ‬عندنا‭ ‬ثقيلة‭ ‬الدم‭ ‬وغير‭ ‬جاذبة،‭ ‬ولكن‭ ‬انظر‭ ‬كيف‭ ‬تدفع‭ ‬ثلاثين‭ ‬دولارا‭ ‬في‭ ‬طبق‭ ‬دجاج‭ ‬مشوي‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬عن‭ ‬طيب‭ ‬خاطر،‭ ‬بينما‭ ‬نفس‭ ‬الطبق‭ ‬يباع‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬آخر‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬ثلاثة‭ ‬دولارات‭. ‬فالفندق‭ ‬يقدم‭ ‬لك‭ ‬الطبق‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬جميل‭ ‬ونظيف‭ ‬يفتح‭ ‬النفس،‭ ‬والعاملون‭ ‬فيه‭ ‬يعطونك‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنك‭ ‬فريد‭ ‬في‭ ‬عصرك‭! ‬والتعليم‭ ‬سيم‭ ‬سيم،‭ ‬فهناك‭ ‬المعلم‭ ‬الذي‭ ‬يدرس‭ ‬مادة‭ ‬عسيرة‭ ‬الهضم‭ ‬مثل‭ ‬الرياضيات‭ ‬أو‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬ولكنه‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬شد‭ ‬انتباه‭ ‬الطلاب‭ ‬بأسلوبه‭ ‬الجذاب‭ ‬وبإضفاء‭ ‬المرح‭ ‬والبساطة‭ ‬على‭ ‬‮«‬المادة‮»‬،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬المدرس‭ ‬الذي‭ ‬يتصرف‭ ‬وكأنه‭ ‬شاويش‭ (‬رقيب‭) ‬في‭ ‬سلاح‭ ‬المشاة‭ ‬يدرب‭ ‬نفرا‭ ‬من‭ ‬المجندين‭ ‬ويجاهد‭ ‬كي‭ ‬يثبت‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬العسكرية‭ ‬‮«‬صعبة‮»‬‭ ‬وأنهم‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكونون‭ ‬عن‭ ‬روحها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يقسو‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬الطوابير‭ ‬ويبلغهم‭ ‬بأن‭ ‬حالتهم‭ ‬ميؤوس‭ ‬منها‭! ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬الانقياد‭ ‬الأعمى‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬أعلى‭ ‬رتبة‭ ‬وللتعليمات‭ ‬والضوابط‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭.                                             ‬

وهناك‭ ‬جيش‭ ‬جرار‭ ‬من‭ ‬المدرسين‭ ‬يستقبل‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬دراسي‭ ‬جديد‭ ‬بنفس‭ ‬درجة‭ ‬الاكتئاب‭ ‬التي‭ ‬يستقبله‭ ‬بها‭ ‬الطلاب،‭ ‬فهم‭ ‬كارهون‭ ‬للمهنة‭ ‬لأنهم‭ ‬اختاروها‭ ‬مرغمين‭ ‬ويعتبرونها‭ ‬نقطة‭ ‬ترانزيت‭ ‬في‭ ‬مسيرتهم‭ ‬المهنية،‭ ‬فهي‭ ‬عندهم‭ ‬‮«‬شدة‭ ‬وتزول‮»‬‭ .. ‬يعني‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬تدخل‭ ‬مجال‭ ‬التدريس‭ ‬بعقلية‭ ‬‮«‬أفضل‭ ‬من‭ ‬العطالة‭ ‬والبطالة‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الفئة‭ ‬تفش‭ ‬غلها‭ ‬في‭ ‬الطلاب‭ ‬وتجعل‭ ‬الحصة‭ ‬الدراسية‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬التعذيب‭ ‬النفسي‭ ‬وربما‭ ‬الجسدي،‭ ‬فهناك‭ ‬المدرس‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬ينال‭ ‬احترام‭ ‬طلابه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يدركوا‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬صعب‭ ‬وحازم‭ ‬وصارم‮»‬‭ ‬ويسعده‭ ‬أن‭ ‬الطلاب‭ ‬يجلسون‭ ‬أمامه‭ ‬مثل‭ ‬الأرانب‭ ‬المذعورة‭ (‬يقال‭ ‬إن‭ ‬الأرنب‭ ‬عندما‭ ‬يتعرض‭ ‬لزنقة‭ ‬ويدرك‭ ‬أنه‭ ‬سيقع‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الصائد‭ ‬يقوم‭ ‬بتنويم‭ ‬نفسه‭ ‬مغناطيسيا‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬يتبلد‭ ‬ويفقد‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحركة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يزول‭ ‬عنه‭ ‬الخوف‭)‬،‭ ‬وليس‭ ‬جلوس‭ ‬40‭ ‬طالبا‭ ‬أمام‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المعلم‭ ‬بلا‭ ‬حراك‭ ‬أو‭ ‬ضجيج‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬ينصتون‭ ‬لما‭ ‬يقول،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬خوفهم‭ ‬من‭ ‬لسانه‭ ‬ويده‭.. ‬وبالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬المدرس‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬غرفة‭ ‬الدراسة‭ ‬هاشا‭ ‬باشا‭ ‬ويمضي‭ ‬الدقائق‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحصة‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬‮«‬مساج‮»‬‭ ‬نفسي‭ ‬للطلاب‭ ‬كي‭ ‬يسترخوا‭ ‬ويتابعوه‭ ‬بأعصاب‭ ‬هادئة‭ ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬المدرس‭ ‬قد‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬أي‭ ‬انفلات‭ ‬طلابي‭ ‬بكلمة‭ ‬واحدة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بس‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬هس‮»‬‭: ‬لين‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬ضعف‭ ‬وشدة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬عنف‭.‬

وعن‭ ‬تجربة‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬المدرس‭ ‬العبوس‭ ‬طويل‭ ‬اللسان‭ ‬واليد‭ ‬مكروه،‭ ‬ويتمنى‭ ‬الطلاب‭ ‬له‭ ‬المرض‭ ‬والإعاقة،‭ ‬بل‭ - ‬والله‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أقول‭ ‬شهيد‭ - ‬قمت‭ ‬خلال‭ ‬عملي‭ ‬بالتدريس‭ ‬بالحلول‭ ‬محل‭ ‬زميل‭ ‬غائب‭ ‬كان‭ ‬يقسو‭ ‬على‭ ‬الطلاب،‭ ‬ولما‭ ‬أخبرت‭ ‬الطلاب‭ ‬أن‭ ‬مدرسهم‭ ‬‮«‬الأصلي‮»‬‭ ‬ذاك،‭ ‬سيتغيب‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬لأن‭ ‬والده‭ ‬توفي،‭ ‬سمعت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طالب‭ ‬يصيح‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا