عالم يتغير
فوزية رشيد
أزمة الديمقراطية وحكومات الظل!
{ من أمريكا إلى فرنسا إلى بريطانيا إلى إيران، يتناوب الإعلام شرقا وغربا، مآلات الانتخابات في تلك الدول وفي وقت متزامن ما بين صيف يونيو وشتاء نوفمبر المقبل في أمريكا! لتكون الحصيلة وكأن سراب الديمقراطية يطل من كل مكان، لأنها في الواقع تنتج أزمات مختلفة رغم أن البعض لا يزال يرى أنها النمط الأنجح للحكم! ففي أمريكا ما بين الديمقراطيين والجمهوريين يبدي الشعب الأمريكي قلقه على مستقبل البلاد، إن وقعت مجددا في يد بايدن الذي ترفضه الغالبية الشعبية حاليا، بعد مناظرته مع منافسه ترامب وأدائه الكارثي في تلك المناظرة! فيما أيضا يرفض أكثر من نصف الشعب ترامب لأسباب مختلفة! والنتيجة أن يعود الجميع إلى ترك الأمر في يد عائلة بايدن التي لجأ إليها بنفسه لتقرر بقاءه أو انسحابه من الانتخابات الرئاسية القادمة! لتصعد توقعات ليلى عبداللطيف إلى الواجهة! بأن الرئيس القادم ليس بايدن وليس ترامب إنما من سيحكم البيت الأبيض هي امرأة! فهل هي كاميلا هاريس؟! لا يهم، وكما نعرف فإن حكام الولايات المتحدة هم النخبة في الدولة العميقة أو في حكومة الظل الداخلية! وهكذا تتبدى الديمقراطية الأمريكية عن ديكور انتخابي شكلي، فيما الجوهر تحركه النخبة الخفية!
{ من الولايات المتحدة نرتحل إلى الانتخابات التشريعية في فرنسا يوم الأحد الماضي، والتي جاءت نتائج دورتها الأولى بتصدر اليمين المتطرف متقدما على اليسار وعلى تكتل الرئيس ماكرون وشارك فيها ما يقارب الـ70% من الناخبين، وهي المشاركة الشعبية الأكثر كثافة منذ الثمانينيات بسبب القلق الشعبي في تيار اليسار من صعود اليمين المتطرف! والقلق الأكبر لدى الجاليات والمهاجرين إلى فرنسا، الذين يعيشون أزمة داخلية إن حقق اليمين المتطرف تهديداته بما يخص الهجرة وغيرها! وما بين يسار ويمين فإن الديمقراطية في فرنسا في نمطها الجمهوري لا تستقر بدورها في الحكم! فكل عدة سنوات بالإمكان أن تتغير الواجهة النيابية ومعها الواجهة الرئاسية رغم النمط المؤسساتي الذي يدبر دفة البلاد، ولكنه بدوره خاضع لتغيّر الواجهات التشريعية والتنفيذية بين فترة وأخرى!
{ وفوز اليمين المتطرف في فرنسا على خلفية فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، ينبئ بدوره عن التخوف الشعبي اليساري من نتائج الانتخابات القريبة في بريطانيا! وأن يصعد اليمين المتطرف هذا إلى الواجهة، كما حدث سابقا في إيطاليا والآن في فرنسا ثم في دول أوروبية أخرى، ليكون الملمح العام للغرب بعدها هو التطرف اليميني بتأثيراته المختلفة داخليا وخارجيا! ولتتحول الجمهوريات الأوروبية إلى وعاء ديمقراطي يحتضن أكثر من أي وقت مضى اليمين وتطرفه وتأثيراته المتداخلة بين الفكر والفلسفة اليمينية! والتخلي أكثر فأكثر عن استقرار النسيج الاجتماعي الذي يحوي في داخله جاليات ومهاجرين ومتطلعين إلى الجنسية!
{ من جانب آخر وعلى الضفة الشرقية من العالم، كانت إيران وما تسميه بالديمقراطية الدينية على محك الكيفية في التلاعب بالواجهة الديمقراطية! في حين أن زمام الأمور كما يعرف الجميع هي في جوهرها في يد المرشد الأعلى والحرس الثوري وبكامل العدة الثيوقراطية وأطماع إيران التوسعية إقليميا! أي أن حكومة الظل الداخلية وهنا المعلنة وليست الخفية! هي من تقود الحكم رغم كل المؤسسات الموجودة، والتي يراها كثيرون مجرد ديكورات ديمقراطية، لذر الرماد في العيون! وربما لهذا السبب حفلت انتخابات الرئاسة في إيران بمقاطعة واسعة، ولتكون نتيجتها جولة ثانية بين الإصلاحي (بزشكيان) والمتشدد (جليلي) الجمعة القادمة، فالشعب الذي قام بعدة انتفاضات لتغيير جذري في نمط الحكم وسياساته الداخلية والخارجية لم يكن متحمسا رغم دعوات خامنئي بالمشاركة الكثيفة، فجاءت المشاركة لتكون هي الأضعف منذ ثورة عام 1979 التي جرت فيها 14 انتخابات رئاسية، حيث أدرك الشعب الإيراني من خلالها أن لا شيء يتغير إلا الديكورات الديمقراطية، ولكأن الجميع يتشابهون في النهاية، وإن اختلفت مسمياتهم بين إصلاحيين أو متشددين! فمن يمسك الحبال ويؤرجح عليها الجميع هو المرشد الأعلى الثابت على كرسي الحكم حتى الآن بعد رحيل الخميني! وبها تضيع الهيبة الديمقراطية المدعاة ومعها يضيع الأمل في التغيير الجذري!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك