العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ولدينا مجال تفوق

نحن‭ ‬شعوب‭ ‬كثيرة‭ ‬الشكوى،‭ ‬وتمارس‭ ‬بانتظام‭ ‬لطم‭ ‬الخدود‭ ‬وشق‭ ‬الجيوب،‭ ‬لأنها‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬ماضيها‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬حاضرها،‭ ‬وترى‭ ‬أحوال‭ ‬شعوب‭ ‬في‭ ‬قارات‭ ‬أخرى،‭ ‬وتصيح‭ ‬بالمصري‭ ‬‮«‬جاتنا‭ ‬نيلة‭ ‬في‭ ‬حظنا‭ ‬الهباب،‭ ‬ولكن‭ ‬قطعا‭ ‬وحتما‭ ‬هناك‭ ‬أمور‭ ‬حالنا‭ ‬فيها‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬غيرنا،‭ ‬فنحن‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬مثلا‭ ‬‮«‬أبطال‮»‬،‭ ‬ولعل‭ ‬المجال‭ ‬الذي‭ ‬نتفوق‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬سائر‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض،‭ ‬غنية‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬فقيرة،‭ ‬هو‭ ‬مجال‭ ‬الرعاية‭ ‬الأسرية،‭ ‬ومهما‭ ‬شكونا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عيالنا‭ ‬صاروا‭ ‬فالتين‭ ‬و‮«‬صايعين‮»‬‭ ‬وضائعين،‭ ‬فإن‭ ‬معظمهم‭ ‬يظلون‭ ‬بررة‭ ‬وينصلح‭ ‬حالهم‭ ‬بعد‭ ‬كذا‭ ‬كبوة‭ ‬وعثرة،‭ ‬وكأولياء‭ ‬أمور‭ ‬فإننا‭ ‬في‭ ‬غالبيتنا‭ ‬نظل‭ ‬نهتم‭ ‬بأمورهم‭ ‬الى‭ ‬النهاية،‭ ‬لأن‭ ‬الأمومة‭ ‬والأبوة‭ ‬عندنا‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬يؤذن‭ ‬بنهايتها‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬تخفيف‭ ‬أعبائها‭ ‬والتزاماتها،‭ ‬أي‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬مدة‭ ‬صلاحية،‭ ‬والأسرة‭ ‬عماد‭ ‬كل‭ ‬مجتمع،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فمجتمعاتنا‭ ‬أكثر‭ ‬تماسكا‭ ‬ورسوخا‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬سامية‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬حادث‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬نحسدها‭ ‬على‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭.‬

في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬يعتبر‭ ‬الشخص‭ -‬ذكرا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬أنثى‭- ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬واحد‭ ‬مع‭ ‬والديه‭ ‬بعد‭ ‬تجاوز‭ ‬الـ18‭ ‬أو‭ ‬العشرين،‭ ‬يعتبر‭ ‬عبيطا‭ ‬وناقصا‭ ‬وضعيف‭ ‬الشخصية،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬البريطاني‭ ‬أو‭ ‬الأمريكي‭ -‬مثلا‭- ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬لولده‭ ‬أو‭ ‬بنته‭: ‬تايم‭ ‬تو‭ ‬موف‭ ‬آوت‭.. ‬حان‭ ‬موعد‭ ‬رحيلك‭.. ‬حِل‭ ‬عن‭ ‬سمانا،‭ ‬أما‭ ‬البنت‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬تلك‭ ‬السن‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ويدها‭ ‬فاضية،‭ ‬أي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تصطحب‭ ‬معها‭ ‬بوي‭ ‬فريند‭ (‬صديق‭) ‬ثابت‭ ‬ومنتظم‭ ‬أو‭ ‬ترانزيت،‭ ‬فإنها‭ ‬تعتبر‭ ‬كخة‭ ‬وعارا‭ ‬على‭ ‬العائلة،‭ ‬فيتم‭ ‬تشجيعها‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬منفردة‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬صديقة‭ ‬ملحلحة،‭ ‬كي‭ ‬تفوز‭ ‬بفحل‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فبعضنا‭ ‬يشترط‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يتقدم‭ ‬للزواج‭ ‬من‭ ‬بنته‭ (‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬وحيدة‭) ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬السكن‭ ‬والإقامة‭ ‬‮«‬معنا‭ ‬في‭ ‬البيت‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬بالضرورة‭ ‬أمرا‭ ‬سيئا،‭ ‬أو‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬اهل‭ ‬البنت‭ ‬يريدون‭ ‬ان‭ ‬يلبسوا‭ ‬زوجها‭ ‬خاتما‭ ‬في‭ ‬‮«‬إصبعهم‮»‬‭. ‬نعم‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬لحديثي‭ ‬الزواج‭ ‬الاستقلال‭ ‬بالمسكن،‭ ‬حتى‭ ‬يعتادوا‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬إدارة‭ ‬البيت‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أمورهم‭ ‬المالية‭ ‬ورعاية‭ ‬العيال،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬ظروفا‭ ‬كثيرة‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬عيش‭ ‬الزوجين‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أسرة‭ ‬أحدهما‭ ‬أمرا‭ ‬ضروريا‭ ‬وايجابيا‭ (‬أحس‭ ‬بأن‭ ‬إقامة‭ ‬الزوج‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أهل‭ ‬زوجته‭ ‬تنجم‭ ‬عنه‭ ‬مشاكل‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬لو‭ ‬حدث‭ ‬العكس،‭ ‬لأن‭ ‬أهل‭ ‬الزوج‭ ‬عادة‭ ‬‮«‬مفترين‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬الشخص‭ ‬الغريب‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬عليهم‭ ‬‮«‬امرأة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الزوج‭ ‬المقيم‭ ‬لدى‭ ‬أهل‭ ‬زوجته‭ ‬يحظى‭ ‬بالتقدير‭ ‬لكونه‭ ‬‮«‬رجلا‮»‬‭.. ‬والزوج‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬‮«‬رجل‮»‬‭ ‬وعنده‭ ‬هيبة‭ ‬وأبهة‭ ‬ومكانة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الرِّخِم‭ ‬الطفيلي‭!).‬

شخصيا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬سأسمح‭ ‬لعيالي‭ ‬المتزوجين‭ ‬بالإقامة‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد،‭ ‬إلا‭ ‬لظرف‭ ‬قاهر‭.. ‬ولكن‭ ‬يا‭ ‬ويلهم‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬يقيمون‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬البلدة‭ ‬نفسها‭ ‬أو‭ ‬المدينة‭: ‬أزورهم‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وتكون‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الزيارات‭ ‬مكالمات‭ ‬هاتفية‭ ‬قليلة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬عشرة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الواحد‭. ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬بنتيَّ‭ ‬على‭ ‬الأقل‭: ‬كيف‭ ‬أصبحتِ؟‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬المقيل؟‭ ‬كيف‭ ‬أمسيتِ؟‭ ‬ليه‭ ‬صاحية‭ ‬لحدّ‭ ‬الآن؟‭ ‬عسى‭ ‬أمورك‭ ‬بخير‭... ‬وظلت‭ ‬أمنيتي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬عندي‭ ‬أحفاد،‭ ‬وكنت‭ ‬أعتزم‭ ‬التقاعد‭ ‬فور‭ ‬حيازتي‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬جد‮»‬‭ ‬كي‭ ‬أتفرغ‭ ‬لتدليل‭ ‬أحفادي‭ ‬لأن‭ ‬عيالي‭ ‬يشكون‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬حرموا‭ ‬الدلع‭. ‬ثم‭ ‬صرت‭ ‬جدا‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أضطر‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد‭.‬

جميعنا،‭ ‬أو‭ ‬معظمنا‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬وتلك‭ ‬المرأة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬ديننا‭ ‬وعاداتنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إجازات‭/ ‬تقاعد‮»‬‭ ‬من‭ ‬الأبوة‭ ‬والأمومة،‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتمناه‭ ‬الوالدان‭ ‬ان‭ ‬يبلغ‭ ‬عمر‭ ‬الطفل‭ ‬8‭ ‬أشهر‭ ‬كي‭ ‬تنتظم‭ ‬أوقات‭ ‬نومه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ينالان‭ ‬هما‭ ‬قسطا‭ ‬معقولا‭ ‬من‭ ‬النوم‭. ‬ثم‭ ‬يحسبان‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬الفطام‭ ‬والاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الحفاظات‭ ‬والمريلة‭ ‬ستنخفض‭ ‬أعباء‭ ‬رعايته‭.. ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬يكسر‭ ‬شيئا‭ ‬ثمينا‭ ‬تفوق‭ ‬قيمته‭ ‬قيمة‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬حليب‭ ‬الأطفال‭ ‬وحاوية‭ ‬من‭ ‬البامبرز‭. ‬والشاهد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬اعتقادنا‭ ‬انه‭ ‬كلما‭ ‬كبر‭ ‬عيالنا‭ ‬ارتاح‭ ‬بالنا‭ ‬وقلت‭ ‬همومنا‭ ‬وأعباؤنا‭ ‬اعتقاد‭ ‬واهم،‭ ‬ولكنها‭ ‬أعباء‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬إمتاع‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا