زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ولدينا مجال تفوق
نحن شعوب كثيرة الشكوى، وتمارس بانتظام لطم الخدود وشق الجيوب، لأنها ترى أن ماضيها خير من حاضرها، وترى أحوال شعوب في قارات أخرى، وتصيح بالمصري «جاتنا نيلة في حظنا الهباب، ولكن قطعا وحتما هناك أمور حالنا فيها أفضل من حال غيرنا، فنحن الآباء والأمهات في الدول العربية والإسلامية مثلا «أبطال»، ولعل المجال الذي نتفوق فيه على سائر شعوب الأرض، غنية كانت أم فقيرة، هو مجال الرعاية الأسرية، ومهما شكونا من أن عيالنا صاروا فالتين و«صايعين» وضائعين، فإن معظمهم يظلون بررة وينصلح حالهم بعد كذا كبوة وعثرة، وكأولياء أمور فإننا في غالبيتنا نظل نهتم بأمورهم الى النهاية، لأن الأمومة والأبوة عندنا ليس لها جدول زمني يؤذن بنهايتها أو مجرد تخفيف أعبائها والتزاماتها، أي ليست لها مدة صلاحية، والأسرة عماد كل مجتمع، ومن ثم فمجتمعاتنا أكثر تماسكا ورسوخا على مبادئ سامية مما هو حادث في المجتمعات التي نحسدها على أمور كثيرة.
في معظم الدول الغربية يعتبر الشخص -ذكرا كان أو أنثى- الذي يعيش تحت سقف واحد مع والديه بعد تجاوز الـ18 أو العشرين، يعتبر عبيطا وناقصا وضعيف الشخصية، بل ان البريطاني أو الأمريكي -مثلا- لا يتردد في القول لولده أو بنته: تايم تو موف آوت.. حان موعد رحيلك.. حِل عن سمانا، أما البنت التي تبلغ تلك السن وتعود إلى البيت كل يوم ويدها فاضية، أي دون أن تصطحب معها بوي فريند (صديق) ثابت ومنتظم أو ترانزيت، فإنها تعتبر كخة وعارا على العائلة، فيتم تشجيعها على العيش منفردة أو مع صديقة ملحلحة، كي تفوز بفحل.
أما نحن فبعضنا يشترط على من يتقدم للزواج من بنته (وخاصة إذا كانت وحيدة) أن يكون السكن والإقامة «معنا في البيت»، وليس هذا بالضرورة أمرا سيئا، أو دليلا على أن اهل البنت يريدون ان يلبسوا زوجها خاتما في «إصبعهم». نعم من الخير لحديثي الزواج الاستقلال بالمسكن، حتى يعتادوا تحمل مسؤولية إدارة البيت بما في ذلك أمورهم المالية ورعاية العيال، ولكن هناك ظروفا كثيرة يكون فيها عيش الزوجين في بيت أسرة أحدهما أمرا ضروريا وايجابيا (أحس بأن إقامة الزوج في بيت أهل زوجته تنجم عنه مشاكل أقل مما لو حدث العكس، لأن أهل الزوج عادة «مفترين» لأن الشخص الغريب الذي دخل عليهم «امرأة»، في حين أن الزوج المقيم لدى أهل زوجته يحظى بالتقدير لكونه «رجلا».. والزوج مهما كان «رجل» وعنده هيبة وأبهة ومكانة حتى لو كان من النوع الرِّخِم الطفيلي!).
شخصيا ما كنت سأسمح لعيالي المتزوجين بالإقامة معي في بيت واحد، إلا لظرف قاهر.. ولكن يا ويلهم إذا كانوا يقيمون معي في البلدة نفسها أو المدينة: أزورهم مرتين في اليوم على الأقل، وتكون ما بين الزيارات مكالمات هاتفية قليلة لا تزيد على عشرة في اليوم الواحد. من المؤكد أن هذا ما سيحدث في حالة بنتيَّ على الأقل: كيف أصبحتِ؟ كيف كان المقيل؟ كيف أمسيتِ؟ ليه صاحية لحدّ الآن؟ عسى أمورك بخير... وظلت أمنيتي على مدى سنوات هي أن أعيش حتى يكون عندي أحفاد، وكنت أعتزم التقاعد فور حيازتي لقب «جد» كي أتفرغ لتدليل أحفادي لأن عيالي يشكون من أنهم حرموا الدلع. ثم صرت جدا ولله الحمد من دون أن أضطر إلى التقاعد.
جميعنا، أو معظمنا ذلك الرجل وتلك المرأة، بمعنى أن ديننا وعاداتنا وتقاليدنا ليس فيها «إجازات/ تقاعد» من الأبوة والأمومة، وفي مرحلة ما يكون كل ما يتمناه الوالدان ان يبلغ عمر الطفل 8 أشهر كي تنتظم أوقات نومه، وبالتالي ينالان هما قسطا معقولا من النوم. ثم يحسبان أنه بعد الفطام والاستغناء عن الحفاظات والمريلة ستنخفض أعباء رعايته.. فإذا به في خلال دقيقة واحدة يكسر شيئا ثمينا تفوق قيمته قيمة طن من حليب الأطفال وحاوية من البامبرز. والشاهد هو أن اعتقادنا انه كلما كبر عيالنا ارتاح بالنا وقلت همومنا وأعباؤنا اعتقاد واهم، ولكنها أعباء لا تخلو من إمتاع.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك