العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الحج والحاجة إلى الطاقة النورانية!

{‭ ‬العالم‭ ‬مليء‭ ‬اليوم‭ ‬بالطاقة‭ ‬الظلامية‭ ‬الشيطانية‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬حدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭! ‬تلك‭ ‬الطاقة‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تنثال‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬والأوبئة‭ ‬والتطرف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬الفوضوية‭ ‬من‭ ‬إباحية‭ ‬ومخدرات‭ ‬وشذوذ‭ ‬وإلحاد،‭ ‬وتغيير‭ ‬الفطرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬والجنس‭ ‬البشري،‭ ‬وانعدام‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬وتهافت‭ ‬العالم‭ ‬قانونيا‭ ‬وحقوقيا،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جائر‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬طغيان‭ ‬النظرة‭ ‬المادية‭ ‬وسلوكياتها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدول‭ ‬والأفراد‭ ‬وانتشار‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬والسيكولوجية‭ ‬والتباعد‭ ‬الإنساني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هيمنة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يولد‭ ‬الطاقة‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تتغذى‭ ‬عليها‭ ‬الكائنات‭ ‬الشيطانية‭ ‬ومنهم‭ ‬شياطين‭ ‬البشر‭! ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬مستلزمات‭ ‬التطور‭ ‬الروحي‭ ‬الديني‭ ‬كما‭ ‬وضعه‭ ‬الله‭ ‬قد‭ ‬أسهم‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬جفاف‭ ‬روحي‭ ‬وانقلاب‭ ‬في‭ ‬المفاهيم‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬أغلب‭ ‬الناس‭ ‬يعانون‭ ‬الوحدة‭ ‬والكآبة‭ ‬والسوداوية‭ ‬وهم‭ ‬يرون‭ ‬انقلاب‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حولهم‭ ‬وفي‭ ‬داخلهم‭ ‬وخاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬المؤمنين‭ ‬بمن‭ ‬خلقهم‭!‬

{‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة‭ ‬نعيش‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬ومناسكه‭ ‬وحيث‭ ‬التنوع‭ ‬البشري‭ ‬من‭ ‬مسلمي‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬يتوحد‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬إلى‭ ‬الحج‭ ‬وفي‭ ‬طقوسه‭ ‬وعباداته‭ ‬ومناسكه‭ ‬ولباسه،‭ ‬ندرك‭ ‬كم‭ ‬أن‭ ‬الطاقة‭ ‬النورانية‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬أجوائها‭ ‬وتمتلئ‭ ‬بها‭ ‬أرواح‭ ‬الحجاج‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬فوج‭ ‬عميق‭ ‬مثلما‭ ‬تمتلئ‭ ‬بنورها‭ ‬نفوس‭ ‬المسلمين‭ ‬ككل‭ ‬ليحتفلوا‭ ‬بعدها‭ ‬بالعيد،‭ ‬هي‭ ‬أجواء‭ ‬كما‭ ‬كل‭ ‬العبادات‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬توحيد‭ ‬وصوم‭ ‬وصلاة‭ ‬وزكاة‭ ‬ومعها‭ ‬هنا‭ ‬الحج،‭ ‬هي‭ ‬الملاذ‭ ‬والخلاص‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬السلبية‭ ‬والشيطانية‭ ‬التي‭ ‬تملأ‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬مشهد‭ ‬قتل‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬كرمه‭ ‬الله‭ ‬كما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬كلها‭ ‬واليوم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬مستلزمات‭ ‬استمرار‭ ‬الطاقة‭ ‬الشيطانية‭ ‬تلك‭! ‬واستمرار‭ ‬هدر‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬والإنسانية‭! ‬

{‭ ‬إن‭ ‬وحدة‭ ‬المسلمين‭ ‬رغم‭ ‬تنوع‭ ‬جنسياتهم‭ ‬وأعراقهم‭ ‬وألوانهم‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬سنوي‭ ‬لفريضة‭ ‬الحج‭ ‬يغتسلون‭ ‬فيها‭ ‬قبل‭ ‬الاغتسال‭ ‬من‭ ‬ذنوبهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بأرواحهم‭ ‬وعقولهم‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الاستلابية‭ ‬ويعيدون‭ ‬عبر‭ ‬الطواف‭ ‬ومناسك‭ ‬الحج‭ ‬برمجة‭ ‬خلاياهم‭ ‬وأرواحهم‭ ‬لهي‭ ‬ظاهرة‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وشعوبه‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬مسلمين‭! ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الفريضة‭ ‬التي‭ ‬يتوجه‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الخالق‭ ‬وحده‭ ‬وطلب‭ ‬العون‭ ‬منه‭ ‬والتوكل‭ ‬القلبي‭ ‬الواثق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬القدرة‭ ‬والكمال‭ ‬والعلم،‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬الذي‭ ‬يعيد‭ ‬ليس‭ ‬إلى‭ ‬المسلمين‭ ‬وحدتهم‭ ‬وإنما‭ ‬للإنسان‭ ‬عبوديته‭ ‬الفطرية‭ ‬لمن‭ ‬خلقه‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬تلك‭ ‬العبودية‭ ‬إلى‭ ‬الأمور‭ ‬الدنيوية‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬وجاه‭ ‬وأنانية‭ ‬وأطماع‭ ‬وغيرها‭! ‬مثلما‭ ‬يعيد‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬توازنه‭ ‬المفقود‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأجناس‭ ‬يتوجهون‭ ‬إلى‭ ‬الحج‭ ‬أو‭ ‬العمرة‭ ‬ويمارسون‭ ‬طقوس‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬وإلى‭ ‬الطاقة‭ ‬الإلهية‭ ‬النورانية‭ ‬وإلى‭ ‬الدعاء‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الذنوب‭ ‬والخطايا‭! ‬ليعودوا‭ ‬كما‭ ‬ولدتهم‭ ‬أماتهم،‭ ‬أحرارا‭ ‬متخلصين‭ ‬بإيمانهم‭ ‬وبالحج‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬زيف‭ ‬الدنيا‭ ‬وغرورها،‭ ‬مستعيدين‭ ‬إنسانيتهم‭ ‬كما‭ ‬فطرها‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يحافظوا‭ ‬على‭ ‬نقائهم‭ ‬الذي‭ ‬خرجوا‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬عودتهم‭ ‬من‭ ‬رحلة‭ ‬الحج‭ ‬وأدائهم‭ ‬لمناسكها‭!‬

{‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬عرق‭ ‬وعرق‭ ‬أو‭ ‬أبيض‭ ‬أو‭ ‬أسود‭ ‬أو‭ ‬غني‭ ‬وفقير‭ ‬إلا‭ ‬بالتقوى،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يتجاوز‭ ‬به‭ ‬الإسلام‭ ‬وبكل‭ ‬فرائضه،‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سطره‭ ‬الإنسان‭ ‬بيده‭ ‬من‭ ‬اختلافات‭ ‬وتفوق‭ ‬جنس‭ ‬على‭ ‬جنس‭ ‬آخر،‭ ‬ووضع‭ ‬الأعراف‭ ‬لها‭ ‬مثلما‭ ‬وضع‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬حرفت‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬دينه‭ ‬وفطرته‭ ‬وهويته‭ ‬الإنسانية‭!‬

{‭ ‬وكما‭ ‬يلتزم‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬بقوانين‭ ‬وتشريعات‭ ‬ليحافظ‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬المجتمع‭ ‬والدول‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬وضع‭ ‬قوانين‭ ‬وتكاليف‭ ‬وفروضا‭ ‬للإنسان‭ ‬لكي‭ ‬يلتزم‭ ‬بها‭ ‬لصلاح‭ ‬نظامه‭ ‬الروحي‭ ‬والإنساني‭ ‬وللحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وعلى‭ ‬مجتمعه‭ ‬وبلده‭ ‬ولصلاح‭ ‬النظام‭ ‬الكوني‭ ‬الذي‭ ‬سخره‭ ‬للإنسان‭ ‬وأكرمه‭ ‬بالسيادة‭ ‬عليه‭! ‬ولكنه‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يلتزم‭ ‬بالتكاليف‭ ‬الدنيوية‭ ‬باسم‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬الالتزام‭ ‬بتكاليف‭ ‬الخالق‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬الأعرف‭ ‬والأعلم‭ ‬بما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬لأنه‭ ‬خلقه‭! ‬والإنسان‭ ‬يلتزم‭ ‬حين‭ ‬يشتري‭ ‬أي‭ ‬جهاز‭ ‬بتعاليم‭ ‬صانعه‭ (‬كاتالوج‭) ‬للاستفادة‭ ‬منه‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يلتزم‭ ‬بتعاليم‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬ليصلح‭ ‬حاله‭ ‬ويستفيد‭ ‬منه‭!‬

{‭ ‬فرائض‭ ‬الإسلام‭ ‬المعروفة‭ ‬وأركانه‭ ‬ومنها‭ ‬الحج‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬والعمرة‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬للإنسان‭ ‬إنسانيته‭ ‬إن‭ ‬التزم‭ ‬بها‭! ‬وتعيد‭ ‬له‭ ‬حريته‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬عبادته‭ ‬وعبوديته‭ ‬لله‭ ‬وحده‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬خلقه‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عبوديته‭ ‬لما‭ ‬سواه‭! ‬وتعيد‭ ‬إلى‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭ ‬كرامته‭ ‬الإنسانية‭ ‬وحيث‭ ‬حبل‭ ‬الصلة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬الحبل‭ ‬الوثيق‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬كل‭ ‬أجناس‭ ‬وأعراق‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬عبادات‭ ‬توحدهم‭! ‬وفي‭ ‬أخلاقيات‭ ‬تسمو‭ ‬بهم‭ ‬وفي‭ ‬سلوكيات‭ ‬تترجم‭ ‬حقيقة‭ ‬الدين‭ ‬والإسلام‭! ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬مشهد‭ ‬الحجاج‭ ‬وهم‭ ‬يؤدون‭ ‬مناسكهم‭ ‬يوم‭ ‬عرفة‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬دخول‭ ‬إلى‭ ‬محيط‭ ‬الطاقة‭ ‬الإلهية‭ ‬النورانية‭ ‬لو‭ ‬عرفها‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬حقيقتها‭ ‬لأسلموا‭ ‬جميعا‭! ‬ولتوحدت‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬وتخلصت‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬الظلامية‭ ‬والشيطانية‭ ‬التي‭ ‬تحاصرها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا