عالم يتغير
فوزية رشيد
تمخض الجبل فولد فأرًا
{ منذ الساعات الأولى التي تواصلت فيها المشاهد للعدوان الصهيوني على النصيرات ثم إعلان تحرير أربعة أسرى بمساعدة أمريكية، كان واضحا حجم المجزرة الجديدة التي أدت إلى استشهاد 274 شهيدا ومئات المصابين (698 مصابا) والتسبب بالمزيد من الكوارث الإنسانية للنازحين عدة مرات من مكان إلى آخر، ليواجهوا في النهاية ذات المجازر المروعة، بل الأكثر ترويعا! ورغم ذلك فإن الكيان الصهيوني أعلن انتصارا تاريخيا! وكأن من قتلهم بالمئات وأصاب أكثر منهم مجرد قرابين من أجل عيون الأسرى الأربعة بعد حرب إبادة استمرت ثمانية أشهر لم تحرر فيها إلا أسيرين سابقا، ضاربا في الوقت ذاته بعرض الحائط كل المواثيق الحقوقية والاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي الإنساني وكل القيم والأعراف حول حماية المدنيين، فإذا بجرائمه الإرهابية تتصاعد بعد أن وضعت الأمم المتحدة الكيان الصهيوني في قائمة العار! وليصرح المتحدث باسم كتائب القسام «بأن الجيش الإسرائيلي تمكن اليوم (السبت الماضي)، عبر ارتكاب مجازر مروعة، من استعادة بعض من أسراه في قطاع غزة، لكنه في الوقت نفسه قتل بعضهم خلال العملية» أي أن الكيان قتل أيضا بعض أسراه!
{ ثمانية أشهر والكيان بكامل عتاده وعدته والدعم الأمريكي والغرب المتماهي معه في العدوان الهمجي أسفرت عن تحرير 4 أسرى وبمشاركة أمريكية كشفت حقيقة دور (ميناء بايدن العائم) وأنها ليست للمساعدات كما الادعاء، وإنما هو قاعدة تجسس متقدمة! ولهذا الميناء قصة أخرى أكبر! ولكنه في مجزرة النصيرات كان مشاركا مع ست دول عظمى تبحث معا في قاعدة الميناء عن سر صمود المقاومة وكيفية النيل منها!
{ ورغم كل التقنيات والتكنولوجيا المتقدمة التي أسهمت بها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بقي لغز صمود المقاومة يؤرق الكيان ومعاونيه، حتى جاءت تلك العملية التي تم وصفها بالمركبة والمعقدة لتسفر فقط عن تحرير أربعة أسرى وسط مئات الذين استشهدوا، وأضعاف مضاعفة من المصابين! لكأن الجبل تمخض فولد فأرا، ولكنه الفأر المعجزة الذي تم الاحتفاء به احتفاء تاريخيا باعتباره النصر الذي لا مثيل له على المقاومة! تلك المقاومة التي يخرج شبابها حفاة أو بنعال ليضعوا القنابل من مسافة صفر على الدبابات الإسرائيلية! تلك المقاومة التي تسببت خلال ثمانية أشهر في قتل الآلاف من ضباط العدو الصهيوني وجنوده، وقامت بتصوير الكمائن والكثير من عملياتها البطولية! حتى أصابت عناصر الجيش الصهيوني بالهزيمة النفسية والمعنوية لتفجر غضبها في المعتقلين الفلسطينيين في سجونها! ولتقتل الأطفال عن عمد في غزة! وما تفعله في السجون، وبحسب تقارير في صحف غربية، يفوق تلك الوحشية التي قام بها الصهاينة الأمريكان في سجن أبوغريب وفي جوانتنامو! بل إن الأسرى الصهاينة حين يخرجون وهم في أفضل وضع صحي جسديا ونفسيا! يضع المقارنة بين سلوكيات المقاومة وسلوكيات الكيان مع الأسرى وبسببه تم طرد مذيعة إسرائيلية من القناة 12 لأنها تحدثت عن الأسيرة المحررة بين الثلاثة الآخرين والشكل الزاهي الذي خرجت به من الأسر!
{ لو عدنا قليلا بالذاكرة منذ بدء العدوان على غزة لوجدنا كيف كان ولا يزال الاستنفار الأمريكي والغربي عموما لدعم الكيان عسكريا وماليا واستخباراتيا وإعلاميا! كيف دخلت البارجات الحربية النووية اثنتين لأمريكا وواحدة لبريطانيا المياه القريبة من فلسطين! كيف تحولت إحدى البارجات الأمريكية إلى المشاركة الفعلية في إدارة الحرب ولا تزال إدارة عسكرية ويضاف إليها بعد ذلك ميناء بايدن العائم! كيف جند الإعلام الغربي وإعلام الكيان نفسه للتلفيق والكذب والتزوير ونشر الشهادات الكاذبة عن 7 أكتوبر، حتى انزاح الستار وانكشف الغطاء عن الوجه الحقيقي للكيان وللغرب ولكل مؤسسات ومنظمات النظام الدولي الغربي!
{ رغم كل ما كشفته شعوب العالم من أكاذيب الصهاينة وهمجية العدوان الذي لا سابقة له في التاريخ، فإن هذا الكيان طار فرحا لقتل المئات وإصابة المئات في النصيرات إحدى أبشع مجازره وكلها تتفوق في البشاعة على نفسها، لأنه وبمساعدة أمريكية حرر أربعة فيما بقي 120 أسيرا في يد المقاومة حتى الآن! أيُّ نصر هذا؟!
{ المقاومة منذ ثمانية أشهر دخلت في مقاومة عدوان همجي تم فيه استخدام كل التقنيات العسكرية والمدنية الحديثة برا وجوا وبحرا! وواجهت أمريكا ودولا غربية كبرى في ظل اختلال موازين القوة، ورغم ذلك لا تزال تلك المقاومة صامدة! وتكبّد العدو خسائر فادحة، سواء على المستوى العسكري في جنوده وضباطه وألويته أو على المستوى الإعلامي أو النفسي والمعنوي والأخلاقي! أو حتى على المستوى السياسي من حيث اعتراف بعض دول الغرب بالدولة الفلسطينية، وما قامت به جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية ووضع الكيان على قائمة العار السوداء.. وغير ذلك!
{ فشل الكيان وفشل الغرب بزعامة أمريكا، ورغم كل حرب الإبادة والتطهير العرقي والمجازر، في أن يحقق انتصارا عسكريا حقيقيا، حتى خرج الفأر المعجزة من بطن الجبل ليطل مزهوا بخروجه (خروج 4 أسرى) وليسجل نفسه في سجل الانتصار الصهيوني الساحق، كما قال الكيان! ولتتضح حقيقة الجيش الصهيوني على النطاق العسكري بعد أن انكشفت حقيقة الكيان أخلاقيا وإنسانيا ومعنويا، وسجل له التاريخ السقوط المدوي في كل ذلك! ويا له من فأر معجزة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك