العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

علام التشبب؟

يقول‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬في‭ ‬لسان‭ ‬العرب‭ ‬إن‭ ‬تشبيب‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬ترقيق‭ ‬أوله‭ ‬بذكر‭ ‬النساء،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬تشبيب‭ ‬النار‭. ‬وشبب‭ ‬بالمرأة‭: ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬الغزل‭ ‬والنسيب،‭ ‬وهو‭ ‬يشبب‭ ‬بها‭ ‬أي‭ ‬ينسب‭ ‬بها،‭ ‬بينما‭ ‬يقول‭ ‬العيني‭ ‬في‭ ‬عمدة‭ ‬القاري‭ ‬إن‭ ‬التشبيب‭ ‬وهو‭ ‬إنشاد‭ ‬الشعر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الغزل‭. ‬أما‭ ‬عباس‭ ‬أبو‭ ‬جعفور‭ ‬فيقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬التشبب‮»‬‭ ‬بدون‭ ‬ياء‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬الباءين‭ ‬هو‭ ‬التعلق‭ ‬بمرحلة‭ ‬الشباب‭ ‬بعد‭ ‬النزول‭ ‬من‭ ‬قطارها،‭ ‬والتشبب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬وقفا‭ ‬على‭ ‬عامة‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬فالرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وعمره‭ ‬يناهز‭ ‬السبعين‭ ‬سنة‭ ‬يحلو‭ ‬له‭ ‬الوقوف‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرات‭ ‬خالعا‭ ‬قميصه‭ ‬مستعرضا‭ ‬نصفه‭ ‬العلوي‭ ‬ليؤكد‭ ‬للناس‭ ‬أن‭ ‬جسمه‭ ‬متماسك‭ ‬وخال‭ ‬من‭ ‬النتوءات‭ (‬الكرش‭ ‬وتوابعها‭)‬،‭ ‬أما‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الأسبق‭ ‬نيكولاس‭ ‬ساركوزي‭ ‬فلم‭ ‬يكتف‭ ‬بخلع‭ ‬القميص‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬بوتين،‭ ‬بل‭ ‬خلع‭ ‬زوجته‭ ‬سيسليا‭ ‬وسار‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬ودخل‭ ‬الفنادق‭ ‬مصطحبا‭ ‬فتاة‭ ‬لهلوبة‭ ‬لعوبة‭ ‬اسمها‭ ‬كارلا‭ ‬بروني‭. ‬وطار‭ ‬منه‭ ‬كرسي‭ ‬الحكم‭ ‬وصارت‭ ‬بروني‭ ‬أكثر‭ ‬حرية‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الشخلعة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلفت‭ ‬انتباه‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭.‬

ولا‭ ‬أفهم‭ ‬لماذا‭ ‬السعي‭ ‬للتبرؤ‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬العمر‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يفترض‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬نعمة‭. ‬عمرك‭ ‬50‭ ‬سنة‭.. ‬ثم‭ ‬63‭ ‬سنة‭.. ‬وعشت‭ ‬وشفت‭ ‬عيالك‭ ‬متزوجين‭ ‬وأحفادك‭ ‬يملأون‭ ‬الدنيا‭ ‬مرحا‭ ‬وضجيجا،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يضايقك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فتسعى‭ ‬لاكتساب‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المظهرية؟‭ ‬فلولا‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬لربما‭ ‬بقيت‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحجري،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يزداد‭ ‬معرفة‭ ‬وخبرة‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن،‭ ‬فالشخص‭ ‬الشاب‭ ‬يخطئ‭ ‬كثيرا‭ ‬ويندم‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكنه‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬يصير‭ ‬متقدما‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬يتذكر‭ ‬تلك‭ ‬الأخطاء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحس‭ ‬مجددا‭ ‬بالندم‭ ‬لأنه‭ ‬تعلم‭ ‬منها‭ ‬الكثير‭ (‬للكاتب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬الساخر‭ ‬أوسكار‭ ‬وايلد‭ ‬مقولة‭ ‬طريفة‭: ‬الخبرة‭ ‬هي‭ ‬اسم‭ ‬الدلع‭ ‬الذي‭ ‬نطلقه‭ ‬على‭ ‬أخطائنا‭). ‬هل‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬ان‭ ‬يقود‭ ‬ونستون‭ ‬تشيرتشل‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬النصر‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬وعمره‭ ‬كذا‭ ‬وثلاثين‭ ‬سنة؟‭ ‬عندما‭ ‬صار‭ ‬رئيسا‭ ‬للوزراء‭ ‬كان‭ ‬عمره‭ ‬66‭ ‬سنة،‭ ‬والرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الراحل‭ ‬رونالد‭ ‬ريغان‭ ‬خاض‭ ‬الانتخابات‭ ‬وفاز‭ ‬فيها‭ ‬وعمره‭ ‬73‭ ‬سنة‭. (‬قد‭ ‬يستغرب‭ ‬البعض‭ ‬صدور‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬عني‭ ‬لأنني‭ ‬أردد‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طوال‭ ‬أن‭ ‬عمري‭ ‬39‭ ‬سنة‭! ‬لا‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التصابي‭ ‬ولكن‭ ‬لأقول‭ ‬للناس‭: ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬لكم‭ ‬بعدد‭ ‬سنوات‭ ‬عمري‭)‬،‭ ‬والرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحالي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬يخوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬مجددا‭ ‬ليحكم‭ ‬وعمره‭ (‬الآن‭) ‬81‭ ‬سنة‭ ‬وينافسه‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬وعمره‭ ‬78‭ ‬سنة‭.‬

دعك‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء،‭ ‬هل‭ ‬يعرف‭ ‬التاريخ‭ ‬منذ‭ ‬بواكيره‭ ‬زعيما‭ ‬سياسيا‭ ‬في‭ ‬قامة‭ ‬الراحل‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬أسود‭ ‬لجمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬افريقيا‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تجاوز‭ ‬الثمانين،‭ ‬ففي‭ ‬شبابه‭ ‬كان‭ ‬مانديلا‭ ‬يؤمن‭ ‬بإزاحة‭ ‬البيض‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬باستخدام‭ ‬العنف،‭ ‬ولكنه‭ ‬بحكمة‭ ‬السنين،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬الطويل‭ ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬الرئاسة،‭ ‬فإنه‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬المرارات‭ ‬وقاد‭ ‬بلاده‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬السلام،‭ ‬وهي‭ ‬اليوم‭ ‬أغنى‭ ‬وأقوى‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وناتجها‭ ‬القومي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ناتج‭ ‬15‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬مجتمعة،‭ ‬وتنازل‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬طوعا،‭ ‬بل‭ ‬تزوج‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬التسعين،‭ ‬وفي‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬كان‭ ‬مانديلا‭ ‬الشخصية‭ ‬السياسية‭ ‬الأكثر‭ ‬احتراما‭ ‬في‭ ‬120‭ ‬دولة‭.‬

طبعا‭ ‬لمرور‭ ‬السنوات‭ ‬والعمر‭ ‬عواقب‭ ‬بعضها‭ ‬غير‭ ‬سار‭: ‬أمراض‭ ‬واضطراب‭ ‬في‭ ‬النوم‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬المثانة،‭ ‬ولكن‭ ‬معظم‭ ‬تلك‭ ‬الأمراض‭ ‬والاضطرابات‭ ‬فواتير‭ ‬مؤجلة‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب،‭ ‬ومن‭ ‬يهن‭ ‬جسمه‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الشباب‭ ‬يهينه‭ ‬جسمه‭ ‬عندما‭ ‬يشيخ‭. ‬وبكل‭ ‬صدق‭ ‬فإنني‭ ‬لست‭ ‬ممن‭ ‬يقولون‭: ‬ألا‭ ‬ليت‭ ‬الشباب‭ ‬يعود‭ ‬يوما‭/ ‬لأخبره‭ ‬بما‭ ‬فعل‭ ‬المشيب،‭ ‬فهو‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬مهما‭ ‬قلت‭ ‬‮«‬وبكيت‭ ‬وشكيت‮»‬،‭ ‬إذًا‭ ‬فلا‭ ‬معنى‭ ‬للبكاء‭ ‬على‭ ‬اللبن‭ ‬المسكوب‭.. ‬وبصراحة‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ممكنا‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلي‭ ‬شبابي‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬مارسته‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬شطحات‭ ‬وأخطاء‭ ‬فلن‭ ‬أرحب‭ ‬به،‭ ‬ولست‭ ‬حكيما‭ ‬الآن،‭ ‬ولكنني‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أقل‭ ‬تهورا‭ ‬ونزقا‭ ‬وطيشا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬نعم‭ ‬الله‭ ‬علي‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬ممن‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬سنام‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وهو‭ ‬التباكي‭ ‬أو‭ ‬التباهي‭ ‬بما‭ ‬مضى،‭ ‬وهي‭ ‬عادة‭ ‬عربية‭ ‬جعلت‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬للبطولة‭ ‬عدة‭ ‬قرون‭.‬

طالما‭ ‬عندنا‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬سلفا‭ ‬فما‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاقتداء‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬الإتيان‭ ‬بمثله؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا