زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لست سياسيا ومن ثم ....
سعيد هو الرجل الذي يحظى بالثناء من زوجته، ويغمرني السعد بين الحين والحين عندما تمدحني زوجتي وتشهد لي، ربما عن غير قصد بأنني لا أجيد الكذب، فكلما قلت كلاما مثل: لا أستطيع زيارة أختك مساء اليوم، لأنني أتوقع مكالمة هاتفية مهمة من زيمبابوي، أو لم أُحضر الدهان الذي طلبتيه لأن تعميما سريا أصدرته وزارة الصحة يقضي بتحريم بيعه للنساء، قالت: «أنت ما تعرف تكذب». ولكن السبب الحقيقي «لاتهامها» إياي بعدم إجادة الكذب هو أنني - فيما تقول هي وغيرها من الناس - أقول كل شيء على بلاطة، أي من دون لف ودوران (ظلت تهمة «أنت غير رومانسي» تلاحقني منذ عهد الدراسة، لأنني لا أقوم بتزويق الكلام عندما أتحدث مع فتاة/ امرأة).
ومثلا إذا لامنا أحد الأقارب على عدم زيارته أو زيارتها أثناء المرض، تحاول زوجتي أن تسبقني بتقديم إجابة دبلوماسية، ولكنني قد أسبقها وأقول كلاما مثل: لأن الإنفلونزا/ الحصبة معدية جدا، أو «سمعنا أن مرضك كان نزلة برد عادية يصاب بها كل الناس عدة مرات في السنة، فلا تعمل من الحبة قبة»، والشاهد هو أنني أرى أن الوضوح مريح، وهي تعتقد أن بعض الناس يرى في الوضوح والصراحة، وقاحة! ومن ثم فإنها وفي بعض الأحيان تصدر إليّ توجيهات ونصائح قبل دخولنا بيوت الآخرين كتلك التي نصدرها للصغار: لا تأخذ أكثر من قطعة حلوى واحدة إذا وجدت بعضا منها معروضا أمامنا. احذر أن تسكب العصير على سجاد بيتهم أو ملابسك. لا تدخل إصبعك في فتحة أنفك أمام الناس .. لا تتمخط وتنظف أنفك بكُم قميصك .. لا تقل لخالتو فاطمة إنها سمينة.
زوجتي تقول لي كلاما يختلف قليلا عن تلك النصائح، وجوهره هو أنه من الخير لي ولغيري أن أسكت قدر المستطاع أثناء الزيارات، ولا أقول مثلا لمن تسألني رأيي في طقم الجلوس الجديد، إن القديم كان أجمل منه، وأنه من السفاهة أن يغير الإنسان كراسي الجلوس كل سنة، ولا أقول لمن يزعم أنه فقد عشرة كيلوجرامات خلال أسبوع بنصيحة من الطبيب، إنه لا يعرف الفرق بين الكيلو والجرام وأنه من المرجح أنه فقد عشرة جرامات! وبصراحة فإنني وفي ساعات الزنقة أكذب على أم الجعافر كذبات مسبكة تنطلي عليها، وبعد أن «تَعدِّي» الزنقة، أتباهى أمامها بأنني كذبت وضحكت عليها دون أن ينكشف أمري، فتقول لي بكل برود إن اعترافي بالكذب في حد ذاته دليل على فشلي ك«كاذب».
ولا أحسب أن هناك من يفوق السياسيين كفاءة في الكذب خاصة خلال الحملات الديمقراطية «الشفافة» جدا التي تشهدها بعض دولنا «الجمهورية». شفافة بمعنى أن الناخبين «يشوفون» أي يرون ويعرفون الفائزين فيها قبل عدة أسابيع من موعد التوجه إلى صناديق الاقتراع، وفي كل انتخابات تتم على غرار الأفلام الهندية، فإن المرشحين يقدمون نفس الوعود التي قدموها قبل 15 سنة (طبعا نفس الوجوه تخوض كل انتخابات وتفوز طالما هي عضوة في الحزب الحاكم بأمره)، وكلها بالتالي كذب مكشوف، ولكن مدمن الكذب يصدق نفسه ويفترض أن كلامه ينطلي على الناس، ولكن إنصافا لأشاوس الانتخابات السودانية فإن أياً منهم لم يشطح كما فعل ذلك السعودي الذي وعد بتزويج الناخبين حال فوزه، فنال إعجاب العوانس ولكن لسوء حظه لم تكن المرأة السعودية وقتها تتمتع بحق التصويت، ولم يفز لأن عرض التزويج الجماعي لم يكن واضحا: هل يشمل من يريد الزواج بثالثة أو رابعة أم العزاب فقط؟
في ذات انتخابات برلمانية عندنا في السودان أحس أحد المرشحين أن الناس لن يصدقوا وعوده لأنه سبق له أن قدمها وفاز ثم لم يره ناخبو دائرته إلا مع بدء الانتخابات الجديدة، فأتى بالآليات لحفر الآبار، وأساسات المدارس والمراكز الصحية (على نفقته) ولكن الناخبين كانوا قد حكموا عليه بأنه كاذب ولم يصوتوا له وبعد ظهور النتائج رأوا الآليات تعمل في همة في ردم الآبار وتحطيم أساسات المدارس والمراكز الصحية التي وعدهم بها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك