عالم يتغير
فوزية رشيد
هذا الطفل الفلسطيني: وا عرباه وا إسلاماه!
{ بعيدًا عن أهمية التحركات العربية على المستوى الدبلوماسي، فإن تلك التحركات قياسًا بحجم ونوع ما يحدث في غزة من إبادة، لا تزال ينقصها الكثير، خاصة مع الأوراق الكثيرة التي لم يتم استخدامها بعد على المستويين العربي والإسلامي، وحتى على المستوى الشعبي عربيًا وإسلاميًا! وحتى لا يقحمنا البعض بالحجج الواهية مثل عدم قدرة قيام العرب بعمل عسكري، فليطمئن هذا البعض، لأن ليس هذا مطروحًا بين الأوراق الكثيرة المطلوب استخدامها، حتى أنها أصبحت خارج أي مطلب أصلاً!
{ ولكن وبعد مرور ما يقرب من (240 يومًا) على العدوان وحرب الإبادة وآخرها مجزرة خيام النازحين في رفح، تلتها مجزرة أخرى في رفح الثلاثاء الماضي، وكلتا المنطقتين من المفترض أنهما من (المناطق الآمنة) التي وجه الكيان الصهيوني أهل غزة نحوها، فيتم قصفها بعد ذلك بدم بارد لتندلع الحرائق، وتخرج جثث الأطفال والنساء مقطوعة الرأس محروقة ومشوهة! ورغم الدعوات الدولية لمحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة على كل ما يفعلونه وآخرها في رفح، فإن التصريحات المضادة في الكيان لكل الدعوات الدولية، إما أنها تبريرية وقحة، وإما أنها تصريحات عنصرية وإرهابية بالدعوة إلى استمرار الإبادة والقتل ومعظم الضحايا أطفال ونساء!
{ هذا الكيان الذي تحوّل إلى «وحش دموي» خارج نطاق الإنسانية، وخارج نطاق البشرية! يواصل انتهاك القانون الدولي وازدراء حكم محكمة العدل الدولية، وهو يدرك أنه مع الدعم الأمريكي والغربي سيفلت من العقاب مهما فعل! ولكن مقابل كل هذه الهمجية والإبادة، هل تحرك العرب والمسلمون كما يجب؟!
المشهد يقول إنهم لم يتحركوا بما يناسب وقع الحدث وأثره وحجم المجازر المرتكبة، بل هناك من لا يزال يطرح أن السلام ممكن مع هذا الكيان الذي يلفظه اليوم كل الضمير العالمي! هذا الكيان الذي بدأ بخرق معاهدة السلام مع مصر في منطقة فيلادلفيا، في محاولة لجر مصر إلى الحرب رغم الأزمات التي يعانيها الكيان في داخله! لا أمن ولا أمان معه، ليس فقط في غزة والضفة، وإنما في كامل المنطقة العربية، حتى في الدول التي عقدت اتفاقيات سلام معه! كيان همجي لا عهد له، يسرد الأكاذيب كما يتنفس الهواء! يقتل ويبيد ويتحدى العالم كله بسطوة «دول غربية استعمارية» تتماهى معه ومع أساليبه الوحشية أو تدعمه وتحميه وتدوس معه على القانون الدولي وعلى الضمير الإنساني، الذي يلتهب حتى في صدور شعوبه من الأحرار!
{ حول هذا وحول ضعف الموقف العربي والإسلامي تحدث طفل فلسطيني قبل أيام (26 مايو) في «منتدى الجزيرة» ليلخص شعور الخذلان من هذا الضعف، وكأنه يصرخ ويقول: واعرباه، وإسلاماه أين أنتم مما يفعلونه بنا؟! ولكن لا جواب له! فقد ولىّ ذلك الزمن الذي صرخت فيه امرأة واحدة «وا معتصماه» فجاءها المعتصم بجيش جرار لينقذها!
لنسمع لبعض ما قاله هذا الطفل الفلسطيني:
«كم بدها الدول العربية أكثر من هيك قصف وقتل وإبادة عشان تتحرك؟! في قلبي ثلاثة جروح: جرح الطفولة التي دُفنت في مهدها حيث ولدت وكبرت بين موتين! وجرح الحروب التي لا تلتئم! وجرح الأحلام التي لا تكتمل! حرمتني هذه الحرب أن أكمل دراستي في الصف الرابع، حرمتني أن أقابل أصدقائي في المدرسة، صرت اتقابل معهم في مراكز الإيواء وفي طابور الخبز والماء! وكثيرًا ما أقابل أسماءهم في عداد الجرحى والقتلى! لم يبق لي من سيرتي الذاتية سوى بقايا حلمي! أن أرسم صورة الوطن بصوتي، بقلمي، أن أنقل قصتي وقصص أطفال فلسطين! وربما تحاول هذه الحرب أن تسلب منّا الأمن والبيت والأمان، لكنها لن تسلب الحقيقة والإرادة مني! لكن أنا عندي سؤال وعند كل أطفال وأهل غزة: كم تحتاج الدول العربية أكثر من ذلك قصفا وقتلا وإبادة لكي يتحركوا؟! يعني في (أربعين ألف شهيد) استشهدوا من وراء هذه الحرب، وإبادة جماعية تحدث في غزة والناس لا تزال تنظر إلينا ولا تتحرك! الكل يموت وعائلات تباد وتروح من السجل المدني، كم يحتاجون أكثر من هذا ليشعروا بنا وبأطفال غزة ويتحركوا ويساعدونا؟ متى تصبح كل الأمة العربية والإسلامية يدًا واحدة قوية وتقف معنا في تحرير المسجد الأقصى؟ أليست هي قضية كل العالم، قضية كل المسلمين وللا بس قضيتنا إحنا؟!».
{ صرخة هذا الطفل واستنجاده ستبقى من دون جواب، طالما أن كل هذا القتل يمضي بمعدّل يومي، بل في كل ساعة ودقيقة، وكأن لا شيء مروّع وكارثي يحدث! بل إن قطار التحرك العربي، يتحرّك في الاتجاه المعاكس، وهو يبحث عن سراب السلام، وإمكانية التعايش مع كيان دموي، كائناته لا تشبع من الدم والطمع وشهوة التوسع والاستيلاء عبر العدوان والقتل بل والإبادة! كم من المجازر ارتكبها هذا الكيان في فلسطين وفي دول عربية؟! هل سيتوقف عن كينونته العدوانية الطامعة، بدعوات السلام وحدها من دون أن تستند إلى قوة عربية وإسلامية حقيقية؟! هل سيوقف مجازره من دون ضغوط عربية مؤثرة عليه وعلى الغرب الاستعماري، الذي يتماهى معه في جرائم الحرب؟! كم من الأطفال والنساء والشيوخ يتساقطون كل يوم أمام أعين العرب والمسلمين، فيأتي أغلب الاحتجاج من شعوب غربية وأخرى في العالم؟! ماذا أصاب الشعوب العربية بدورها، حتى لا تتحرك بقوة مع ما يحدث؟!
وهل ستبقى صرخة الطفل تائهة في ظلام الضعف والسكون حتى إشعار آخر؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك