زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
وينساقون كالأغنام وراء الأوهام
من الأقوال الشائعة إن الخرافة والشعوذة تعشش وتفرخ وتبيض في البيئات الموبوءة بالجهل والفقر والتخلف الاقتصادي، ولكن متابعة أحوال الأوربيين والأمريكيين تكشف أنهم أكثر ميلا لقبول الخزعبلات واللجوء إلى المشعوذين بدرجة أن هناك طائفة دينية جديدة تظهر في الغرب كل عشر سنوات تقريبا،.. يقوم رجل كوري أو هندي أو نيجيري يضفي على نفسه لقب «غورو»، بنشر كلام عجيب عن خلاص الروح والمحبة على إيقاع السامبا والروك آند رول ويضيف اليها طعما شديد الإغراء: علاقات جنسية مفتوحة والكل «يأخذ راحته»، وينجح خلال بضعة أعوام في استدراج مئات الآلاف من الأتباع الطيعين المدجنين الذين يسلمونه كل ما عندهم من مال سائل وممتلكات، نظير ان يحظوا بـ«البركة والخلاص».
في بريطانيا قام شاب يعمل منتجا للبرامج مع تلفزيون بي بي سي بوضع إعلان مبهم يتألف من كلمتين في صحيفة إقليمية: «جوين مِي Join Me» أي انضموا إليّ. ويطلب الاعلان من الراغب في الانضمام ان يرسل صورة فوتغرافية صغيرة الى عنوان معين (هو في الحقيقة وهمي) لنيل العضوية!! كان الشاب قد تأثر بأحد أقاربه الذي سعى إلى إنشاء مزرعة في هولندا تكون مقرا للراغبين في العيش الجماعي بالاعتماد على الموارد الطبيعية ونجح في إقناع بضعة أشخاص بالعيش معه في المزرعة، بل ورفض طلبات عديدة لان المسكن المتاح في المزرعة ليس من السعة بحيث يستوعب عددا كبيرا. وهكذا قرر صاحبنا البريطاني هذا أن ينشر الإعلان آنف الذكر، من دون أن تكون لديه أدنى فكرة عن الشيء الذي يدعو الناس للانضمام إليه، وكانت المفاجأة أنه تلقى في اليوم التالي لنشر الاعلان سبعة طلبات عضوية، ولم يسأله أحد من السبعة عن الشيء الذي طلبوا الانضمام إليه، وعندها قرر صاحبنا التوسع في «مشروعه» بإنشاء موقع على الإنترنت اسمه أيضا «جوين مِي» أي «انضموا إليَّ»، ولم يكن عدد الكلمات المكتوبة في الموقع يزيد على العشرة لأنه – هو نفسه- لم يكن يعرف إلى أي شيء هو يدعو، وتدفقت عليه الطلبات بالعشرات، وصار المنضمون يتبادلون الرسائل والسوالف والدردشة عبر الإنترنت والهاتف، إلى أن جاء يوم دعا فيه أحدهم إلى نزهة جماعية «للأعضاء» في حديقة هايدبارك في لندن، فقرر الزعيم أن مشاركته في النزهة ستسحب منه هالة الغموض فقرر أن يضفي على «الدعوة» بعدا ومعنى، فأرسل إلى الجماعة رسالة من ثلاث كلمات بالهاتف الجوال: ساعدوا كبار السن!! ففرح الأتباع لذلك من منطلق أنه يجعلهم قوما أصحاب رسالة في المجتمع، وطافوا بأرجاء الحديقة يساعدون هذا العجوز على عبور الطريق ويقدمون الشاي والسندويتشات لغيره بلا مقابل وعثروا على عجوز سكران خارج حانة وسألوه إن كان بحاجة إلى مساعدة، فأبلغهم أن حافظة نقوده سرقت وأنه لا يملك قيمة تذكرة القطار إلى بلدته، فجمعوا له 50 إسترلينيا، وهو مبلغ يكفي للطواف في جميع ارجاء لندن بالحافلات وقطارات الأنفاق، والتقطوا معه صورة ليرسلوها للزعيم كدليل على أنهم عملوا بوصيته، وبعدها بيومين رأى الزعيم إعلانا من الشرطة يفيد بأن الرجل الذي منحه أتباعه النقود، حرامي ومستهبل هارب من العدالة، فأحس بالإحباط وبأن مشروعه فقد محتواه، فقرر الهاءهم بأمر جديد، وخاطبهم قائلا ان مهمتهم التالية هي «إدخال السرور في نفوس التعساء» وكانت دهشته بالغة عندما قام المئات من أنصاره بالطواف في الأسواق والأحياء يقدمون الهدايا والورود لكل شخص بوزه ممدود ووجهه يلعن قفاه!! المهم إن عضوية جوين مي تجاوزت الثلاثة آلاف خلال شهر واحد، ويعتزم زعيمها القيام بجولة أوروبية لكسب أعضاء جدد، ولكنه يعترف بأنه لا يزال لا يعرف بالضبط ما هو الشيء الذي يدعو الناس إلى الانضمام إليه، ولا لماذا يلبي الناس دعوته المبهمة عديمة المحتوى. على الرغم من أنه كتب عن كل ذلك في الإنترنت! والغريب في الأمر ان المريدين والاتباع لم ينفضوا عنه رغم كل ذلك.
تخيل لو أن ذلك الشاب دعا إلى الإسلام!! من هايدبارك إلى غوانتنامو.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك