العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

تحرير الوعي العربي!

{‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحروب‭ ‬التاريخية‭ ‬الكبرى‭ ‬لإمبراطوريات‭ ‬العالم‭ ‬القديم‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬الفرنجة‭ ‬والمغول‭ ‬والتتار‭ ‬وغيرها‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬والاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬كانت‭ ‬كتب‭ ‬المعارف‭ ‬والعلوم‭ ‬القديمة‭ (‬هدفا‭ ‬أساسيا‭) ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سرقة‭ ‬أهم‭ ‬المخطوطات‭ ‬فيها‭! ‬إلى‭ ‬حرق‭ ‬وتدمير‭ ‬المكتبات‭ ‬الكبرى‭ ‬كمكتبة‭ ‬الإسكندرية‭! ‬وإغراق‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬دجلة‭ ‬بمئات‭ ‬الآلاف‭! ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬اليد‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬مكتبات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬احتلالها‭ ‬ونهبها‭ ‬والعبث‭ ‬بآثارها‭ ‬وتاريخها‭! ‬ولعل‭ ‬السائل‭ ‬يتساءل‭: ‬لماذا‭ ‬هذه‭ ‬العداوة‭ ‬والكراهية‭ ‬للمعارف‭ ‬والعلوم‭ ‬القديمة؟‭! ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬تجهيل‭ ‬الشعوب‭ ‬بتاريخها‭ ‬ومعارفها‭ ‬وحضارتها‭ ‬وعلومها‭ ‬القديمة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬واحتكار‭ ‬تلك‭ ‬المعارف‭ ‬عبر‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬القوى‭ ‬المحتلة‭! ‬وحيث‭ ‬أسرار‭ ‬مكتبة‭ ‬الفاتيكان‭ ‬كمثال‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬فك‭ ‬كل‭ ‬شفراتها‭! ‬وكذلك‭ ‬المكتبة‭ ‬البريطانية‭ ‬الكبرى‭ ‬ومكتبة‭ ‬الكونجرس‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬كتبا‭ ‬ومخطوطات‭ ‬غير‭ ‬متاحة‭ ‬للاطلاع‭ ‬العام‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬مسألة‭ ‬قطع‭ ‬الخيوط‭ ‬وقطع‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وتاريخها‭ ‬وعلومها‭ ‬القديمة‭ ‬وخاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الحضارات‭ ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬واحتكارها‭ ‬والاستئثار‭ ‬بفك‭ ‬رموزها‭ ‬بحسب‭ ‬رؤية‭ ‬استشراقية‭ ‬موجهة‭ ‬لدى‭ ‬غالبية‭ ‬المستشرقين،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صناعة‭ ‬وعي‭ ‬بديل‭ ‬تابع‭ ‬لوعي‭ ‬المنظومة‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭! ‬وعي‭ ‬بديل‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬صناعته‭ ‬مستمرة‭ ‬وممتدة‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬وتصاعدت‭ ‬تلك‭ ‬الصناعة‭ ‬منذ‭ ‬هيمنة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬هويته‭ ‬ومنظومته‭ ‬الفكرية‭ ‬وقيمه‭ ‬وأخلاقياته‭ ‬المتراجعة‭ ‬مرتكزا‭ ‬عالميا‭ ‬يتم‭ ‬التأسيس‭ ‬المعرفي‭ ‬عالميا‭ ‬على‭ ‬أساسه‭! ‬ودمغ‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬بمنطلقاته‭ ‬ومنها‭ ‬اللغة‭ ‬والهوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجهيل‭ ‬المتعمد‭ ‬للشعوب‭ ‬بعمقها‭ ‬الحضاري‭ ‬والتاريخي‭ ‬والديني‭ ‬والأخلاقي‭! ‬وكأنه‭ ‬يراد‭ ‬صبغ‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬بصبغة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بالتنوع‭ ‬الحضاري‭ ‬والثقافي‭ ‬لدى‭ ‬البشر‭ ‬ولا‭ ‬بالهويات‭ ‬والمرجعيات‭ ‬القيمية‭ ‬الخاصة‭ ‬وبذلك‭ ‬تسهل‭ ‬السيطرة‭ ‬المطلوبة‭ ‬على‭ ‬العقول‭ ‬والمصائر‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬ومنذ‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬بدأت‭ ‬الحقائق‭ ‬تتجلى‭ ‬وتظهر‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬قوى‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة‭ ‬متشبثة‭ ‬بمنظومتها‭ ‬الخاصة‭ ‬كالصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وقوى‭ ‬أخرى‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬تحرير‭ ‬القرار‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬القبضة‭ ‬الغربية‭! ‬وحيث‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬الوعي‭ ‬وانكشاف‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الغربي‭ ‬المهيمن‭ ‬بدأ‭ ‬هذا‭ ‬الوعي‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شباب‭ ‬وأساتذة‭ ‬جامعاتها‭ ‬الكبرى‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭! ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬تحرر‭ ‬الوعي‭ ‬هذا‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬تواجهه‭ ‬مرتكزات‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الغربي‭ ‬ومؤسساته‭ ‬مع‭ ‬فقدان‭ ‬مصداقية‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬المتشعبة‭ ‬دوليا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬والإنساني‭ ‬بحيث‭ ‬يواجه‭ ‬الغرب‭ ‬حراكا‭ ‬متصاعدا‭ ‬من‭ ‬داخله‭ ‬وعلى‭ ‬يد‭ ‬شبابه‭ ‬كنواة‭ ‬مهمة‭ ‬لمتغيرات‭ ‬قادمة‭ ‬لتحرير‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬ورديفتها‭ ‬الأم‭ ‬الماسونية‭ ‬والتأثيرات‭ ‬الخفية‭ ‬للحركات‭ ‬الباطنية‭ ‬والجمعيات‭ ‬الشيطانية‭ ‬السرية‭! ‬

{‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يتحرر‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬القوى‭ ‬الخفية‭ ‬والنخب‭ ‬الشيطانية‭ ‬العالمية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتحرر‭ ‬وعيه‭ ‬ووعي‭ ‬شعوبه‭ ‬والإيمان‭ ‬بالتنوع‭ ‬الحضاري‭ ‬والثقافي‭ ‬والتاريخي‭ ‬للشعوب‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬والأهمية‭ ‬دون‭ ‬إخضاعها‭ ‬لنمط‭ ‬أو‭ ‬منظومة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬المنظومة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭! ‬ولعل‭ ‬محاولات‭ ‬إخضاع‭ ‬الدول‭ ‬للنمط‭ ‬الغربي‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬بنموذج‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬مثلا‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬واللاديني‭ ‬هي‭ ‬محاولات‭ ‬جادة‭ ‬لمحو‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجوانب‭ ‬لتكون‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬كالقوالب‭ ‬المصبوبة‭ ‬والمتشابهة‭ ‬لنموذج‭ ‬غربي‭ ‬واحد،‭ ‬أثبتت‭ ‬الوقائع‭ ‬أنه‭ ‬نموذج‭ ‬مأزوم‭ ‬حتى‭ ‬النخاع‭ ‬وإن‭ ‬تمظهر‭ ‬بمظاهر‭ ‬حداثية‭ ‬راهنة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي‭!‬

{‭ ‬العرب‭ ‬يملكون‭ ‬كمثال‭ ‬كل‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المادية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والحضارية‭ ‬بل‭ ‬القيمية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬ليكونوا‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الأمم‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التكتلات‭ ‬الراهن‭! ‬الذي‭ ‬ينقص‭ ‬العرب‭ ‬هو‭ ‬تحرير‭ ‬الوعي‭ ‬وتحرير‭ ‬الإرادة‭ ‬والرؤية‭ ‬وتحرير‭ ‬القرار‭ ‬والإيمان‭ ‬بالقدرات‭ ‬الذاتية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬الرؤى‭ ‬والصف‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭! ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬ذكَّر‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بتاريخها‭ ‬وثقافتها‭ ‬وبامتدادها‭ ‬الجغرافي‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭ ‬وتأثيرها‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬قرطبة‭ ‬وفي‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ومنتصف‭ ‬الازدهار‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬وهو‭ ‬المنطلق‭ ‬للوعي‭ ‬بالذات‭ ‬وتحريره‭ ‬وتحرير‭ ‬القرار‭ ‬ومنه‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭! ‬كانت‭ ‬مفارقة‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬التاريخ‭ ‬والحاضر‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭! ‬ولعل‭ ‬سؤالنا‭ ‬المتكرر‭ ‬هو‭ ‬متى‭ ‬يتحرر‭ ‬الوعي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬تحرر‭ ‬الوعي‭ ‬عالميا‭ ‬والذي‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا