عالم يتغير
فوزية رشيد
تحرير الوعي العربي!
{ في كل الحروب التاريخية الكبرى لإمبراطوريات العالم القديم بدءا من حروب الفرنجة والمغول والتتار وغيرها وصولا إلى الحروب الصليبية والاستعمار الغربي كانت كتب المعارف والعلوم القديمة (هدفا أساسيا) ما بين سرقة أهم المخطوطات فيها! إلى حرق وتدمير المكتبات الكبرى كمكتبة الإسكندرية! وإغراق الكتب في دجلة بمئات الآلاف! إلى وضع اليد دائما على ما تبقى من المخطوطات القديمة في مكتبات الدول التي يتم احتلالها ونهبها والعبث بآثارها وتاريخها! ولعل السائل يتساءل: لماذا هذه العداوة والكراهية للمعارف والعلوم القديمة؟! وفي الواقع الهدف هو تجهيل الشعوب بتاريخها ومعارفها وحضارتها وعلومها القديمة من جهة واحتكار تلك المعارف عبر آلاف السنين في يد القوى المحتلة! وحيث أسرار مكتبة الفاتيكان كمثال لا تزال مستمرة ولم يتم فك كل شفراتها! وكذلك المكتبة البريطانية الكبرى ومكتبة الكونجرس التي تحوي كتبا ومخطوطات غير متاحة للاطلاع العام!
{ إن مسألة قطع الخيوط وقطع الصلة بين الشعوب وتاريخها وعلومها القديمة وخاصة بالنسبة إلى الحضارات العربية القديمة واحتكارها والاستئثار بفك رموزها بحسب رؤية استشراقية موجهة لدى غالبية المستشرقين، هي من أجل صناعة وعي بديل تابع لوعي المنظومة المسيطرة على الشعوب! وعي بديل لا تزال صناعته مستمرة وممتدة منذ زمن بعيد وتصاعدت تلك الصناعة منذ هيمنة النظام الدولي الغربي الذي جعل من هويته ومنظومته الفكرية وقيمه وأخلاقياته المتراجعة مرتكزا عالميا يتم التأسيس المعرفي عالميا على أساسه! ودمغ كل شعوب العالم بمنطلقاته ومنها اللغة والهوية من خلال التجهيل المتعمد للشعوب بعمقها الحضاري والتاريخي والديني والأخلاقي! وكأنه يراد صبغ العالم كله بصبغة واحدة لا تعترف بالتنوع الحضاري والثقافي لدى البشر ولا بالهويات والمرجعيات القيمية الخاصة وبذلك تسهل السيطرة المطلوبة على العقول والمصائر!
{ اليوم ومنذ الألفية الجديدة بدأت الحقائق تتجلى وتظهر خاصة مع ظهور قوى عالمية جديدة متشبثة بمنظومتها الخاصة كالصين وروسيا وقوى أخرى تبحث عن تحرير القرار الدولي من القبضة الغربية! وحيث مع تزايد الوعي وانكشاف النظام الدولي الغربي المهيمن بدأ هذا الوعي في التحرر حتى داخل المجتمعات الغربية على يد شباب وأساتذة جامعاتها الكبرى وخاصة بعد أحداث غزة! مما يجعل من تحرر الوعي هذا أخطر ما تواجهه مرتكزات النظام الدولي الغربي ومؤسساته مع فقدان مصداقية تلك المؤسسات المتشعبة دوليا على المستوى السياسي والثقافي والإنساني بحيث يواجه الغرب حراكا متصاعدا من داخله وعلى يد شبابه كنواة مهمة لمتغيرات قادمة لتحرير القرار من قبضة الصهيونية العالمية ورديفتها الأم الماسونية والتأثيرات الخفية للحركات الباطنية والجمعيات الشيطانية السرية!
{ لا يمكن للعالم أن يتحرر من هيمنة القوى الخفية والنخب الشيطانية العالمية قبل أن يتحرر وعيه ووعي شعوبه والإيمان بالتنوع الحضاري والثقافي والتاريخي للشعوب والتعامل معها على قدم المساواة والأهمية دون إخضاعها لنمط أو منظومة واحدة هي المنظومة الغربية في الوقت الراهن! ولعل محاولات إخضاع الدول للنمط الغربي سواء على المستوى السياسي بنموذج الديمقراطية الغربية مثلا أو على المستوى الاجتماعي والأخلاقي واللاديني هي محاولات جادة لمحو هذا التنوع البشري في تلك الجوانب لتكون كل المجتمعات البشرية كالقوالب المصبوبة والمتشابهة لنموذج غربي واحد، أثبتت الوقائع أنه نموذج مأزوم حتى النخاع وإن تمظهر بمظاهر حداثية راهنة على المستوى العلمي والتكنولوجي!
{ العرب يملكون كمثال كل الإمكانيات المادية والتاريخية والحضارية بل القيمية والأخلاقية ليكونوا في مصاف الأمم العظمى في عالم التكتلات الراهن! الذي ينقص العرب هو تحرير الوعي وتحرير الإرادة والرؤية وتحرير القرار والإيمان بالقدرات الذاتية القائمة على توحيد الرؤى والصف وهذا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه في قمة الجامعة العربية الأخيرة في البحرين! في خطابه ذكَّر الدول العربية بتاريخها وثقافتها وبامتدادها الجغرافي في الأندلس وتأثيرها العالمي من العواصم الدولية الكبرى آنذاك في قرطبة وفي بغداد في بداية ومنتصف الازدهار الإسلامي في العالم! وهو المنطلق للوعي بالذات وتحريره وتحرير القرار ومنه القرار السياسي! كانت مفارقة أن يأتي ذلك الربط بين التاريخ والحاضر على لسان الأمين العام للأمم المتحدة! ولعل سؤالنا المتكرر هو متى يتحرر الوعي العربي في خضم تحرر الوعي عالميا والذي بدأ مع الحرب على غزة؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك