زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن أغنياء سيم سيم فقراء
كان مقالي بالأمس عن «أعراض الفقر والغنى» مستشهدا بنتائج دراسات مسحية أجراها علماء أوروبيون على مدى 12 سنة، وكل من قرأ ذلك المقال يخرج بانطباع بأن الشخص الغني ينعم براحة البال أكثر من الفقير، واليوم أعود إلى ذلك الموضوع ولكن من زاوية أخرى، وأبدأ بالقول بأنه من الأشياء المهمة التي علمتها لعيالي، عدم اشتهاء ما عند الآخرين، حتى لو كان أولئك «الآخرون» من ذوي الإمكانات المادية المتواضعة، لأن الجملة التي أكره سماعها هي: هل نحن أقل منهم؟ ولكن يحز في نفسي أحياناً أنني أرفض أن أوفر لهم أشياء معينة إما لعدم الاستطاعة أو لأنني غير مقتنع بجدوى تلك الأشياء، أو لأنني أريد لهم أن يعلموا أنني لست ملزما بالاستجابة لجميع طلباتهم.
بسبب حب الاستطلاع الذي قتل الهرة، فإنني أحرص سنوياً على الاطلاع على قائمة أغنى أغنياء العالم التي تنشرها الصحف الأمريكية والبريطانية، ربما على أمل أن أحدهم سيوصي لي ببعض ماله «دون سابق معرفة»! ولم لا؟ فالعشرات منهم تركوا الملايين لقططهم وكلابهم فما الذي يمنع قيام أحدهم بترك بعض ماله لي ربما لأنه التقاني عرضاً ذات يوم في باص في نوتنجهام، أو تعرفت به في عجالة خلال زيارة لهذا البلد أو ذاك ثم سمع أنني صرت مشردا بسبب الحرب في بلادي، فقرر منحي من المال ما يعينني على الهجرة إلى حيث الأمان، أو التقيته مصادفة في «مطعم جمايكا» في شبردس بوش في لندن، حيث الوجبة من ثلاث «كورسات» بجنيه واحد، ربما لأنها لا تبقى في بطنك أكثر من ساعة واحدة بسبب البراكين التي تفجرها الشطة والزنجبيل التي تشكل ثلثي الوجبة! وهل تستبعد أن مليونيراً يركب الباص أو يغشى مثل تلك المطاعم؟ ما قولك في أن تيرنس كورنان مصمم الأزياء الشهير واحد من أغنى أغنياء بريطانيا يحرص على شراء أطعمة معلبة انتهى أمد صلاحيتها لأنها تكون رخيصة، بزعم أن طعمها يكون أفضل، أما الكاتب والمخرج السينمائي مايكل وينر الذي يبلغ رصيده المصرفي نحو 100 مليون دولار، فمعروف عنه أنه وبعد أن يصبح أنبوب المعجون فارغاً يستعصي على العصر يقوم بقصه نصفين بالمقص ليحلب آخر نقطة فيه ويعبئ علب الشامبو الفارغة بالماء لاستنزاف آخر قطرة من الرغوة فيها. ومغني الروك رود ستيوارت الذي يكسب الملايين شهرياً وأحياناً في ليلة واحدة تقول عنه زوجته السابقة راتشيل هنتر إنه عندما قرر أن يعرض عليها الزواج دعاها إلى مطعم... «مجازا» لأنه كان في واقع الأمر جحراً في حي شعبي وطلب ساندويتشين من التونة بالخيار والبصل ... منتهى الرومانسية!.
وكل هذا كوم وملكة بريطانيا الراحلة صاحبة المليارات كوم آخر، فقد كانت الحكومة تتولى نفقات معيشتها وسفرها، ومع هذا فقد كانت تتعشى في معظم الأحيان بأصابع السمك المجمدة «فِش فنقرز fish fingers»، وتطوف بنفسها أرجاء قصورها وهي تطفئ المصابيح الكهربائية كي لا تتضخم فاتورة الكهرباء، (بيني وبين الملكة هذه وجه شبه في هذه الناحية، فرغم أنني أسكن في بيت معفي من رسوم الكهرباء كما الملكة، فإنني أطوف بكل ركن من البيت لإطفاء أي مصباح مضاء في موقع لا يجلس فيه أحد). وكانت أمها التي توفيت عن 101 سنة تسجل تاريخ تركيب كل مصباح كهربائي حتى تعرف كم من الزمن تبقى صالحة فتحدد بذلك نوع وماركة المصابيح الأطول عمراً، وقد ورث عنها الأمير هاري الذي صار ولي العهد في بلاده بعد أن صار أبوه تشارلز ملكا روح التقشف عن جدته الملكة، وتعرض للبهدلة من قبل الصحافة بعد أن دفع جنيهين بقشيشاً عن وجبة أنفق هو وأصدقاؤه 200 جنيه إسترليني عليها! وفي تقديري فإن ذلك ليس بخلاً... بالعكس هو سلوك مسؤول من عائلة عاشت ويلات الحرب العالمية الثانية وما رافقها من شح في السلع استوجب ترشيد الإنفاق! ولا تريد إرهاق كاهل دافع الضرائب البريطاني بفواتير عالية القيمة، وبالمقابل فإن الممثل الأمريكي الأسود دنزِل واشنطن الذي قام بدور مالكم إكس في الفيلم الذي يحمل الاسم ذاته، لا يقدم بقشيشا أقل من مائتي دولار حتى مقابل ساندويتش بيرجر بنصف دولار!... غبي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك