عالم يتغير
فوزية رشيد
هل يحفر النظام الدولي الجائر قبره بيده؟!
{ حين يكون العالم في قبضته شر كبير، فإن ميزان الطبيعة والكون يختل في سرمدية صراع الخير والشر، والحق والباطل! وبالتالي لا بد من حدث كبير أو أحداث كبرى تعيد التوازن المفقود، وفي العقود الأخيرة اختبر العالم أحداث مختلفة من تجليات «النظام الدولي» الذي تواتر ظهوره ثم رسوخه منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، واستمد سطوته من سطوة الدولة العميقة في الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية الكبرى، ليطرح التحديات العميقة على الدول والشعوب، والاختيار بين الاستسلام أو الرفض للمنظور الأمريكي في الاستبداد!، وكلاهما محملان بالمخاطر، إذ الأول يحمل في طياته العبودية وعدم الاستقلالية، فيما الثاني وهو «الرفض» يحمل في داخله تبعات المواجهة، في ظل اختلال ميزان آخر وهو ميزان القوى، وهو ما لخصه الرئيس الأمريكي الأسبق «بوش» (إما معنا أو ضدنا)!.
{ تمادت القوة الأمريكية في فرض سطوتها وقيمها وأجندتها على كل دول العالم سواء الكبيرة أو الصغيرة، القوية أو الضعيفة، وما صراعها مع الصين وروسيا، وحروبها المتعددة في العالم، إلا نموذجا لذلك (المخيلة الإمبريالية المريضة) في الاستفراد بالعالم! ومنع ظهور تعدد القوى العالمية وتنافسيتها الطبيعية، فتراكمت الأسباب السياسية والاقتصادية والمالية، بالتوازي مع الانكشاف الخطير للقيم المادية، باعتبارها المعيار الأول والأهم في العالم، التي تولد منها أيضا التدهور الأخلاقي الإنساني! وحيث سطوة القوة وحدها الحاكمة، خاصة وقد تلاقحت القوة العسكرية والاقتصادية مع ثورة التكنولوجيا وأساليب الحروب الجديدة وأجيالها المتناسلة، ودخول الحروب البيولوجية والمناخية على خط الاستخدام للتلاعب بالدول والشعوب!
{ كل ذلك الانجراف الأعمى من النخب التي تحكم بالسر والعلن الولايات المتحدة والغرب، كان لابد من حدث كبير يكشف كل ما تم التجمل به ورفعه كشعارات لمؤسسات هذا النظام الدولي!
فجاءت أحداث غزة بكل ما حملته من بشاعة وتطهير عرقي وجرائم حرب، لتضع على «النخب الشعبية» هده المرة كالطلبة والأساتذة والمثقفين والمفكرين والفنانين أصحاب الرؤى الإنسانية والضمير الحي في أمريكا والغرب، مسؤولية البحث عن أوجه الخلل في مؤسسات الحكم السياسية في بلدانهم، وفي الحضارة الغربية!، وفي القيد الذي تمثله الصهيونية على بلدانهم، ليقودوا اليوم الحراك الذي بدأ في «الجامعات» ولكنه لن يتوقف عندها! لأن من رمى الحجر الأول في البركة الآسنة للظلم والجور، يمسك بيده أحجارا أخرى! فالذي حدث في غزة مثَّل تحدياً كبيراً لدى الشعوب الغربية وخاصة في أمريكا، ليس فقط لإدراك (المأزق الحضاري والإنساني والأخلاقي والسياسي) في الغرب تجاه حرب الإبادة في غزة، وإنما إدراك أنهم (حملة شعلة الحرية) لقيادة الإنسانية إلى التحول عن النظام الدولي القائم، إلى نظام عالمي آخر يحترم إنسانية الإنسان ويحفظ كرامته، ويمنع العنصرية والخضوع لسطوة قوى ونخب!، اتضح أنها كما تتلاعب بالشعارات، فهي تقتل الإنسان وتتلاعب بالبشرية ككل!
{ على كل المستويات النخبوية «الشعبية» في أمريكا والغرب، هناك تصاعد مهم في الوعي والحراك، رغم أساليب الضغط والقمع والحرمان من التعليم والعقاب بفقدان الوظيفة، إلا أن هدا التمادي القمعي «هو الذي سيكون عامل تأجيج للمزيد من القوى الشعبية والمؤسسات المدنية والأهلية هناك وتقبل التضحيات، ولكأن هؤلاء هم أدوات النخر في الأرض وفي التربة، التي يقف عليها (القادة المتحكمون في الصهاينة والماسون)، وهم بيدهم يحفرون النهاية، مثلما يحفرون القبر الذي سينتهون إليه! الجامعيون والنخب الشعبية في (الغرب)هم من يقود حركة التغيير في تلك الدول وفي العالم اليوم، وكل ما كانوا يحتاجونه هو الوعي بحقيقة أنظمتهم السياسية، وقد قامت غزة بالمهمة المستحيلة، ففتحوا عيونهم على تلك الحقيقة! وأمريكا لن تتغير بقوة وعمق سياسي إلا من داخلها وبأسباب داخلية وحراكات وعي شعبية، وهذا ما يحدث اليوم! (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، والبداية من داخل الدول التي تقود «النظام الدولي الجائر»!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك