مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
قمة فارقة في الزمان والمكان
من حقائق الأمور أن القمة العربية القادمة تنعقد في فترة من الفترات الصعبة في تاريخ الأمة العربية، ولأول مرة تتعلم الصحافة أن تتخلى عن لغة الأيدولوجيات، وتتبنى لغة المنطق والعقل في مناقشة القضايا المطروحة على طاولة القمة، إذ تدرك أن الظروف الحالية لا يمكن أن تُحل بالتوغل العسكري، بل إن أي عمل عسكري عربي سيزج بالأمة في متاهات لا نهاية لها. لذلك فإن القمة في البحرين وما بها من الأجندات التي ستبحث والقرارات التي ستصل إليها ليست مهمة فحسب، بل مصيرية لجميع القمم القادمة.
نقول هذا وإننا على أمل في رجالات الدول العربية الذين سيحضرون هذا المؤتمر أن يكونوا على دراية بهذه اللحظة التاريخية الفارقة التي سيتحدد من خلالها مستقبل الأمة العربية وهيبتها سنوات طويلة.
كلنا نعلم أن الشارع الأوروبي والأمريكي أظهر للمرة الأولى تعاطفا كاملا مع القضية الفلسطينية، وتبنى طلاب الجامعات فيه الدفاع عن فجيعة هذا العام - للإنصاف نقول إن مثل هذه المشاركات انتهت منذ حرب فيتنام ــ وما كان أحد يتوقع أن يلتزم هؤلاء الطلاب الجامعيين الأوروبيين والأمريكيين باحتضان القضية الفلسطينية بهذه الصورة المشرّفة، ونجحوا في هزّ أركان الدولة الإسرائيلية وسقطت ادعاءاتهم الماضية على أسوار جامعات عريقة كهارفارد وكولومبيا وغيرها من الجامعات، وانكشفت أكاذيبهم وانفضحت الأمور بصورة لم ترض بريطانيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا.
حدث هذا ليس بفضل القدرة الإعلامية العربية في توضيح الحقائق، بل إن استيقاظ الضمير الأوروبي والأمريكي جاء من خلال جيل جديد يسود الجامعات الغربية.
أقول هذا، فإذا كان الغرباء يشعرون نحو فلسطين بهذا الألم، ألم يأن الأوان لأن نقوم نحن العرب بدورنا في التأييد المطلق والواضح لهذه القضية العادلة من دون تردد أو إخفاء للأصوات، فلم يعد هناك مجال للمواربة.
البحرين على موعد تاريخي مع احتضان القمة العربية للمرة الأولى في تاريخها، وقدر المملكة أن يتزامن ذلك مع ظروف سياسية معقدة، إذ سيكون جدول أعمال القمة مثقلا بملفات شائكة وصعبة، على رأسها بالتأكيد الملف الفلسطيني، فلتكن المنامة المنبر الذي يخرج منه صوت الحرية لفلسطين لينضم إلى أصوات طلبة الجامعات الغربية حتى يسمعه سكان البيت الأبيض و10 دواننج ستريت وقصر الإليزيه وقصر بيليفو، هؤلاء الذي صموا آذانهم عن صوت الأطفال والنساء في فلسطين الذين سقطوا شهداء في حرب الإبادة التي ترتكبها الوحشية الإسرائيلية المدعومة من الدول الغربية.
هذا هو التحدي الأعظم الذي يواجه القادة العرب ويتطلب منهم موقفا حازما وقويا يوقف هذا المأساة اللاإنسانية التي تحدث على مرأى ومسمع المجتمع الدولي.
وفي المنامة سوف يصطف القادة العرب معا، ولتكن القلوب والعقول مصطفة أيضا وراء الهدف الواضح والمحدد بأن يكون هناك تحرك فاعل لإنتاج موقف موحد يستهدف وقف الحرب الإسرائيلية، والضغط على الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء المعاناة الفلسطينية المستمرة.
ومن المنامة يجب أن يستعد العرب لخوض معركة سياسية ودبلوماسية وقانونية في أروقة الأمم المتحدة، من أجل الحصول على الاعتراف الدولي الرسمي بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، بعيدا عن الرفض الغربي والفيتو الأمريكي، وخاصة أن الاعتراف الشعبي الغربي بات مساندا لحق فلسطين في الحياة، هذا الحق الذي تعمل إسرائيل ومن يقف وراءها على اغتياله يوميا برصاصات أمريكية تخترق قلب رضيع فلسطيني خرج من رحم أمه الثكلى لفقدان زوجها الذي استشهد تحت ركام منزلهم المتهالك في شمال غزة.
إنني على ثقة أن ما يؤلم الشعوب العربية هو ما يؤرق قادتها، الذين يجب أن يثقوا بأن هذه الأمة وإن ضعفت في فترة من فترات الزمن، بحكم دوران عجلة التاريخ، إلا أنها مازالت تمتلك مواطن القوة، وعليها الاستثمار الأمثل لها من خلال استغلال المكانة العربية الاستراتيجية لإحداث تغيير نوعي في المشهد الراهن، وإعادة التوازن المفقود فيه من خلال التأثير في الولايات المتحدة التي تقف في الخندق الإسرائيلي.
إذا كان الجرح الفلسطيني أحد الهموم المطروحة دائما على طاولة القمم العربية مازال ينزف حتى اليوم، إلا أن الحكمة تقتضي أيضا من المجتمعين في المنامة أن يعملوا من أجل ضمان عدم اتساع رقعة الصراع، بما يضر القضية الفلسطينية ويهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، فأي تصعيد إقليمي في المنطقة له نتائج عكسية على حقوق الشعب الفلسطيني.
إذا كانت آلام العرب السياسية تمتد من فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن والسودان والصومال، إلا أن القادة العرب عليهم أن يدركوا أهمية تعزيز العمل العربي المشترك في الجوانب الاقتصادية؛ لأن التكامل الاقتصادي العربي هو أحد مفاتيح القوة التي يمكن أن تمتلكها المنطقة العربية، لذلك فإن الملفات الاقتصادية المتعلقة بدعم العمل العربي المشترك على كافة الأصعدة من الأولويات التي يجب أن تبقى حاضرة في المنامة.
والبحرين بقيادتها الحكيمة قادرة على أن تقود القمة العربية إلى تحقيق مكاسب ملموسة في مسيرة العمل العربي المشترك؛ بما يستجيب لآمال وتطلعات الشعوب والبلدان العربية في مختلف المجالات، رغم كل التحديات والمعوقات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك