العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

ملتقى المبدعات: عُمان والاستثمار في الهويّة والأصالة!

{ في‭ ‬ملتقى‭ ‬المبدعات‭ ‬العربيات‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬29‭ ‬أبريل‭ ‬الماضي،‭ ‬وكنت‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬فيه‭ ‬باعتباري‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬التأسيسية‭ ‬ومن‭ ‬المكرّمات،‭ ‬وكانت‭ ‬زيارتي‭ ‬الأولى‭ ‬لمسقط،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬شدني‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬العمانية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬طيبة‭ ‬أهلها‭ ‬المعروفين‭ ‬بها،‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ (‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الهويّة‭ ‬والأصالة‭) ‬رغم‭ ‬مظاهر‭ ‬النهضة‭ ‬العمرانية‭ ‬وشق‭ ‬الطرقات‭ ‬في‭ ‬الجبال‭ ‬الوعرة،‭ ‬والأنظمة‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المؤسسات‭ ‬والوزارات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إصرار‭ ‬‮«‬الجيل‭ ‬العماني‭ ‬الراهن‮»‬‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬وماضيه‭ ‬العريق‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬لباسه‭ ‬الوطني‭ ‬ولغته‭ ‬وهويته،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬الأوركسترا‭ ‬السلطانية‮»‬‭ ‬وظهور‭ ‬المشاركات‭ ‬والمشاركين‭ ‬فيها‭ ‬باللباس‭ ‬العماني‭ ‬التقليدي،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وغيره‭ ‬كان‭ ‬يشكل‭ ‬عامل‭ ‬جذب‭ ‬كبير‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭ ‬كخليجية،‭ ‬وخاصة‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬واقعين‭ ‬فيه‭ ‬تحت‭ ‬حوافر‭ (‬التطرّف‭ ‬في‭ ‬الحداثة‭)‬،‭ ‬وتذويب‭ ‬الهويات‭ ‬والخصوصيات‭ ‬وملامح‭ ‬التراث‭ ‬والتاريخ‭ ‬في‭ ‬البلدان‭! ‬حتى‭ ‬بدت‭ ‬المظاهر‭ ‬الحياتية‭ ‬تشبه‭ ‬حبات‭ ‬المسبحة‭ ‬المتشابهة‭ ‬بذات‭ ‬النكهة‭ ‬العمرانية‭ ‬والشوارع‭ ‬والمطاعم‭ ‬وغيرها،‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬للشعوب‭ ‬أي‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬وحضارة‭ ‬وخصوصية‭ ‬وهويّة‭ ‬وقيم‭ ‬وجماليات‭ ‬في‭ ‬العمران‭ ‬القديم؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعتز‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬تعرفه‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬وبلدها‭! ‬

{ في‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬للملتقى‭ ‬قطعنا‭ ‬المسافة‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬نزوى‭ ‬السياحية‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬قديمة،‭ ‬حيث‭ ‬أخذنا‭ ‬الترحال‭ ‬والتجوال‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬وجبة‭ ‬الغذاء‭ ‬العمانية‭ (‬الشوي‭) ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ذبيحة‭ ‬يتم‭ ‬طبخها‭ ‬بالدفن‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬إلى‭ ‬التجوال‭ ‬في‭ ‬عربات‭ ‬‮«‬نزوى‮»‬‭ ‬السياحية‭ ‬المكشوفة‭ ‬والمريحة‭ ‬مع‭ ‬مرشد‭ ‬سياحي‭ ‬لكل‭ ‬عربة‭ ‬لندخل‭ ‬مع‭ ‬الطرقات‭ ‬والبيوت‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬العريق‭ ‬والحارات‭ ‬الأثرية،‭ ‬وحيث‭ ‬التراث‭ ‬العماني‭ ‬يطلّ‭ ‬بأسراره‭ ‬العميقة‭! ‬ومن‭ ‬قلعة‭ ‬نزوى‭ ‬إلى‭ ‬البوابات‭ ‬التاريخية‭ ‬المسماة‭ ‬بـ«الصباحات‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الأسوار‭ ‬التاريخية‭ ‬والأفلاج‭ ‬والمساجد‭ ‬القديمة‭ ‬وبيوت‭ ‬الطين‭. ‬وأثناء‭ ‬التجوال‭ ‬كانت‭ ‬النزل‭ ‬أو‭ ‬أماكن‭ ‬الإقامة‭ ‬الأثرية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ينزل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الأجانب،‭ ‬مثلما‭ ‬أكثر‭ ‬الحشود‭ ‬والسواح‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬القديم‭ ‬أيضا‭ ‬منهم‭!‬

{ الجميل‭ ‬واللافت‭ ‬أيضا‭ ‬هو‭ ‬استثمار‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العماني‭ ‬من‭ ‬‮«‬ولاية‭ ‬نزوى‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬وإعادة‭ ‬ترميمها‭ ‬لتكون‭ ‬مؤهلة‭ ‬وقابلة‭ ‬لتجربة‭ ‬‮«‬الإقامة‮»‬‭ ‬فيها‭ ‬بالطابع‭ ‬التراثي‭ ‬العماني‭ ‬القديم،‭ ‬مع‭ ‬إدخال‭ ‬بعض‭ ‬الحداثة‭ ‬عليها‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يخل‭ ‬إطلاقا‭ ‬بهويتها‭ ‬الأثرية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬مركز‭ ‬جذب‭ ‬للسواح‭ ‬خاصة‭ ‬الأجانب،‭ ‬الذين‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يبحثون‭ ‬عما‭ ‬يميز‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬وتراث‭ ‬ومعالم‭ ‬حضارية‭ ‬قديمة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قدمته‭ ‬‮«‬نزل‭ ‬الدار‮»‬‭ ‬لهم‭ ‬بإطلالاتها‭ ‬على‭ ‬القلاع‭ ‬والمقاهي‭ ‬والبيوت‭ ‬القديمة‭ ‬والأزقة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتوافر‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬حدائق‭ ‬وبرك‭ ‬سباحة‭ ‬حديثة‭!‬

{ قانونيا‭ ‬وحتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬فإن‭ ‬المعمار‭ ‬الأفقي‭ ‬باللون‭ ‬الأبيض‭ ‬أو‭ ‬الحليبي‭ ‬هو‭ ‬الرائج‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مسقط،‭ ‬وبهندسة‭ ‬معمارية‭ ‬قديمة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الذاكرة‭ ‬التاريخية‭ ‬للمباني‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬عمان،‭ ‬وليمتزج‭ ‬التاريخ‭ ‬بالشوارع‭ ‬المنظمة‭ ‬وبالنخيل‭ ‬والأشجار‭ ‬والبحر‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مسقط‭ ‬المطلة‭ ‬عليه،‭ ‬فيبدو‭ ‬المشهد‭ ‬ساحرا‭ ‬وكأن‭ ‬الشوارع‭ ‬والمباني‭ ‬تتنفس‭ ‬التاريخ‭ ‬والطبيعة‭ ‬معا‭! ‬إنه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬الإصرار‭ ‬العماني‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬الأصالة‭ ‬والتراث‭ ‬المعماري،‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬عمان‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬حيث،‭ ‬وبشكل‭ ‬واضح،‭ ‬تغليب‭ ‬ذائقتها‭ ‬التاريخية‭ ‬الأصيلة‭ ‬على‭ ‬الذائقة‭ ‬الحداثية‭ ‬رغم‭ ‬استعانتها‭ ‬بها‭! ‬

{ قبل‭ ‬أعوام‭ ‬زرت‭ ‬‮«‬صلالة‮»‬‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬سياحية،‭ ‬وحيث‭ ‬الطبيعة‭ ‬الباذخة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬شهور‭ ‬الصيف،‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬جغرافيا‭ ‬عمان‭ ‬متنوعة‭ ‬وأغلبها‭ ‬مناطق‭ ‬جبلية‭ ‬ممتدة،‭ ‬مما‭ ‬يترك‭ ‬لدى‭ ‬السائح‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬إمكانية‭ ‬التجوال‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والأماكن‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬خصوصيتها،‭ ‬وبما‭ ‬تم‭ ‬حفظه‭ ‬في‭ ‬‮«‬المتحف‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬وعدد‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬المتاحف‭ ‬التي‭ ‬ترصد‭ ‬سيرورة‭ ‬‮«‬عمان‭ ‬عبر‭ ‬الزمان‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تمتد‭ ‬كما‭ ‬حضارات‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬وحضارة‭ ‬‮«‬دلمون‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬وأكثر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬يعتقد‭ ‬البعض‭!‬

{ وبما‭ ‬أن‭ ‬الملتقى‭ ‬كان‭ ‬للمبدعات‭ ‬العربيات،‭ ‬فإن‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬إسهامات‭ ‬المرأة‭ ‬العمانية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإبداعي‭ ‬كان‭ ‬مهما،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬لافتا‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الإبداع‭ ‬البشري‭ ‬مع‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وعرض‭ ‬قصص‭ ‬النجاح‭ ‬والتحديات،‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬منها‭ ‬المرأة‭ ‬العمانية‭ ‬وهي‭ ‬تخطو‭ ‬بثبات‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬نهضة‭ ‬بلادها‭! ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬لمسناه‭ ‬من‭ ‬الوزيرات‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهن‭ ‬وزيرة‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬دماثة‭ ‬خلق‭ ‬وتواضع‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يميز‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كنا‭ ‬نلتقيه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملتقى‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬رسمية‭ ‬ومن‭ ‬الشعب‭ ‬العماني‭.‬

{ الشباب‭ ‬العماني،‭ ‬وخاصة‭ ‬أصحاب‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬التاريخية‭ ‬لعمان،‭ ‬واعون‭ ‬جدا‭ ‬لقيمة‭ ‬تاريخهم‭ ‬ونكهة‭ ‬حضارتهم‭ ‬القديمة،‭ ‬وأهمية‭ ‬أصالتهم‭ ‬وكيفية‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تغرق‭ ‬بلدهم‭ ‬في‭ ‬هوية‭ ‬الآخرين‭ ‬باسم‭ ‬الحداثة،‭ ‬فتضيع‭ ‬الخصوصية‭ ‬التاريخية‭ ‬والحضارية‭ ‬في‭ ‬معمعة‭ ‬التشابه‭ ‬الإسمنتي‭ ‬للعمران‭ ‬الغربي‭ ‬وقيمه‭! ‬هكذا‭ ‬حدثني‭ ‬أحدهم‭. ‬كم‭ ‬هو‭ ‬ممتع‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬السائح‭ ‬خاصة‭ ‬الأجنبي‭ ‬ما‭ ‬يختلف‭ ‬عما‭ ‬اعتاد‭ ‬عليه،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬أو‭ ‬ثقافة‭ ‬أو‭ ‬لغة‭ ‬أو‭ ‬هويّة‭ ‬أو‭ ‬عمران‭! ‬تلك‭ ‬أسرار‭ ‬الوصفات‭ ‬الناجحة‭ ‬للسياحة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تجدها‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬ما‭ ‬حتى‭ ‬تعشقه‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا