زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تجربة أهديها لبعضكم (2)
قضى طب العيون قبل عشر سنوات بأن عيني بهما مياه بيضاء، ثم أدت تلك المياه الى التشويش على العينين، فصارت رؤية الأشياء عندي ضبابية، فتوكلت على الحي الذي لا يموت، وقررت إجراء العملية اللازمة لإزالتها، وهكذا وفي يوم 17 ابريل الماضي، وبعد صيام 12 ساعة عن الطعام والشراب قررت التوجه الى المستشفى، فإذا بأم الجعافر التي هي أم العيال الذين هم أيضا عيالي، متأهبة لمرافقتي، ولأنه لا صوت يعلو فوق صوت ام الجعافر (اسم الدلع ام المعارك) فلم اعترض على ذهابها معي الى المستشفى، فإذا بي أفاجأ بأن عيالي أيضا غابوا عن أعمالهم ومتأهبون لمرافقتي الى المستشفى، فصحت فيهم: مشكورون يا جماعة ولكنكم تصنعون من الحبة قبة، وما سأخضع له يسمى بالإنجليزية «بروسيديار procedure» أي اجراء جراحي وليس «عملية»، ولن يصاحبني أي واحد منكم إلى المستشفى.
أذكر أنه عند بداية ظهور مناظير الكشف عن الجهاز الهضمي، رأى الطبيب المختص في الخرطوم أن أخضع للفحص بالمنظار، لتقصي أسباب علتي، وبعد صيام ليل بطوله بدأت استعد في صباح اليوم المحدد للتوجه الى العيادة التي سيتم فيها التنقيب عن «البلاوي» التي في بطني بالمنظار، وكنت وقتها حديث عهد بالزواج، وفوجئت بأن وفدا من أقاربي وأقارب زوجتي يقتحم علينا البيت لمرافقتي إلى العيادة، فسألتهم: هل لدى أحدكم معلومات بأن الفحص بالمنظار يؤدي إلى الوفاة؟ أو أن الطبيب الذي سيجري الفحص قاتل محترف؟ ذلك زمان كان فيه الشخص الذي يقول إن الطبيب قرر علاجه بالإبر (الحقن) يعتبر نفسه من كبار الشخصيات أو أن حالته المرضية مستعصية.
وذهبت إلى المستشفى ترافقني رفيقة رحلة العمر وتعابير وجهها تنمّ عن أن بعلها مقدم على الهلاك، وبعد بعض البروتوكولات، من بينها صب قطرات تسبب ضيقا شديدا لتوسيع بؤرة العين تم وضعي على نقالة ونقلي إلى غرفة العمليات، وفي جو ودي شرع الجراح في شفط المياه الراكدة من عيني، وكنت أسمع ما يقوله الجراح ومساعدوه، فصحت فيهم: طبيب التخدير قال ان العملية ستكون بالبنج الكامل، فسمعت صوتا: أنا طبيب التخدير ولم أقل لك ذلك. المهم، كلها دقائق ووجدت نفسي في غرفة ومن حولي أفراد عائلتي، وبعدها بنحو خمس ساعات كنت قد عدت إلى البيت، في بداية لمشوار صعب، لأن التعليمات التي تلقيتها من الطبيب قالت في صراحة إن النجاح الحقيقي للعملية يتوقف على المريض، ونصحوني بعدم الانحناء والحرص على عدم دخول نقطة ما إلى العين التي خضعت للعملية، وعدم رفع شيء ثقيل الوزن، ولأنني أنام عادة على بطني ألزموني بارتداء غطاء زجاجي شفاف على العين قبل النوم كي لا «أعجنها وأهرسها» بالمخدة، محذرين إياي من أن عواقب فشل العملية وخيمة.
وأمضيت يومي الأول والغطاء الزجاجي على عيني اليمنى ثم تم الإفراج عنها في اليوم التالي، وحدث ما اعتبرته معجزة: العين التي أُجريت فيها العملية والتي كانت قدرة الإبصار بها في منتهى الضعف، صارت ترى كل شيء بوضوح، واهتززت فرحا وطربا، لكنها كانت فرحة قصيرة الأجل، لأن أم الجعافر استولت على السلطة، وصارت كما حكام السودان العسكريين عبر عقود طوال تصدر الأوامر القراقوشية التي تجعل كل شيء تقريبا ممنوعا، فالطبيب حذرني من إدخال الماء في العين ومن الانحناء الطويل ومن رفع الأشياء الثقيلة، فإذا بها تضيف الى قائمة المحظورات التليفون والكمبيوتر والتلفزيون، وتخيرني بين الجلوس في غرفة مظلمة وبين ارتداء نظارة سوداء داخل البيت.
قلت لها يا بنت الناس: أنا في طريقي لأصبح أزرق اليمامة بعد إجراء العملية في العين الأخرى، وأعاهدك على أن ألزم البيت بعدها خوفا على النساء من الفتنة، فقالت حتى دون أن ترفع رأسها: يا سلام عليك يا روح ماما لما تصير أزرق اليمامة، ولكن لا تخش على أنثى من الفتنة لأن الأنثى الوحيدة التي ستتحرش بك هي أنثى البعوض.
قلت في سري: فعلا وراء كل رجل عظيم امرأة... تدفعه إلى الهاوية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك