العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

التبغ عدو الرجولة

في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬صار‭ ‬العلم‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬التبغ‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬مالك‭ ‬في‭ ‬الخمر،‭ ‬وجعفر‭ ‬عباس‭ ‬عن‭ ‬فيفي‭ ‬عبدو،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬العلم‭ ‬يفجر‭ ‬قنبلة‭ ‬دخانية‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬المدخنين‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬دراسات‭ ‬علمية‭ ‬منهجية‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬التدخين‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬العجز‭ ‬الجنسي‭ ‬للرجال،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬صديق‭ ‬مدخن‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬تاب‭ ‬عنه‮»‬،‭ ‬وإنه‭ ‬منذ‭ ‬قراءة‭ ‬خلاصة‭ ‬تلك‭ ‬الدراسة،‭ ‬وكلما‭ ‬رأى‭ ‬شخصا‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬يدخن‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عام‭ ‬رأى‭ ‬عينيه‭ ‬تقولان‭: ‬شوارب‭ ‬على‭ ‬الفاضي‭.. ‬رجال‭ ‬أي‭ ‬كلام‭.. ‬من‭ ‬بره‭ ‬هلا‭ ‬هلا‭ ‬ومن‭ ‬جوه‭ ‬يعلم‭ ‬الله‭.‬

كنت‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬مدخنا‭ ‬محترفا،‭ ‬وساءت‭ ‬أوضاعي‭ ‬التدخينية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تزوجت‭ ‬بامرأة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬حساسية‭ ‬شديدة،‭ ‬ويسبب‭ ‬لها‭ ‬دخان‭ ‬التبغ‭ ‬نوبات‭ ‬ربو‭ ‬فظيعة‭ ‬فاضطررت‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬التدخين‭ ‬في‭ ‬دورات‭ ‬المياه،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬واردًا‭ ‬في‭ ‬برنامجي‭ ‬أن‭ ‬أقلع‭ ‬عنه‭ ‬نهائيًا‭ ‬‮«‬مجاملة‮»‬‭ ‬لامرأة‭. ‬عيب‭ ‬ما‭ ‬يصير‭ ‬الرجل‭ ‬الشرقي‭ ‬يعمل‭ ‬حساب‭ ‬لزوجته‭!! ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬إسهامي‭ ‬المتواضع‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬النسل‭ ‬البشري،‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬أحد‭ ‬أطفالي‭ ‬الكلام‭ ‬كانت‭ ‬زوجتي‭ ‬تبرمجه‭ ‬بحيث‭ ‬يبكي‭ ‬ويتشنج‭ ‬كلما‭ ‬رآني‭ ‬ممسكا‭ ‬بسيجارة،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬ابنتي‭ ‬مروة‭ ‬التي‭ ‬سار‭ ‬بذكرها‭ ‬الركبان،‭ ‬وتفاديا‭ ‬للتطويل‭ ‬ولنشر‭ ‬الغسيل‭ ‬العائلي‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬أقول‭ ‬إنها‭ ‬أرغمتني‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬التدخين‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أكملت‭ ‬عامها‭ ‬الأول‭ ‬ونطقت‭ ‬ببعض‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬بينها‭: ‬سجائر‭.. ‬عيب‭! ‬وهكذا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أدخن‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬أمام‭ ‬عيالي‭ ‬ولا‭ ‬اشتري‭ ‬السجائر،‭ ‬ولكن‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يطعن‭ ‬في‭ ‬شرف‭ ‬المدخنين‭ ‬وتفاديا‭ ‬للتجريح‭ ‬والتشهير‭ ‬فإنني‭ ‬أعلن‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬الصحيفة‭ ‬توقفي‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭ ‬تمامًا‭ ‬ونهائيا‭ ‬وكومبليتلي،‭ ‬ومن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يثكله‭ ‬عمه‭ ‬فليقدم‭ ‬لي‭ ‬سيجارة‭.... ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عام‭.‬

اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬المباركة‭ ‬سأصبح‭ ‬جنديا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬أعداء‭ ‬التبغ،‭ ‬وسأعمل‭ ‬ما‭ ‬وسعني‭ ‬جهدي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التشهير‭ ‬بالمدخنين‭ ‬وفضح‭ ‬ممارستهم‭ ‬الشائنة،‭ ‬كما‭ ‬سأعمل‭ ‬على‭ ‬إقناع‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬بسن‭ ‬قوانين‭ ‬تجعل‭ ‬شرب‭ ‬السجائر‭ ‬جريمة‭ ‬تستوجب‭ ‬قطع‭ ‬الشفتين‭ ‬وإصبعين‭ ‬من‭ ‬خلاف‭. ‬الله‭.. ‬كم‭ ‬سيكون‭ ‬ممتعا‭ ‬قراءة‭ ‬أخبار‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬السلطات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬تكتشف‭ ‬سر‭ ‬انقطاع‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬شبرا‭.. ‬عصابة‭ ‬تستخدم‭ ‬شبكة‭ ‬أنابيب‭ ‬ومواسير‭ ‬المياه‭ ‬لتوزيع‭ ‬الشيشة‭!! ‬القبض‭ ‬على‭ ‬سوداني‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬صنعاء‭ ‬وفي‭ ‬تلافيف‭ ‬عمامته‭ ‬سبع‭ ‬سيجارات‭.. ‬اعتقال‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬يخفي‭ ‬علبة‭ ‬سجائر‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬حساس‭. ‬سيدة‭ ‬آسيوية‭ ‬تخفي‭ ‬تبغ‭ ‬الغليون‭ ‬في‭ ‬بامبرز‭ ‬طفلها‭ ‬الرضيع‭ (‬خلطة‭ ‬غير‭ ‬موفقة‭).. ‬الشرطة‭ ‬السعودية‭ ‬تعتقل‭ ‬أفراد‭ ‬خلية‭ ‬تمارس‭ ‬التدخين‭ ‬في‭ ‬كورنيش‭ ‬جدة‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الفجر‭.. ‬وزراء‭ ‬الداخلية‭ ‬العرب‭ ‬يضعون‭ ‬استراتيجية‭ ‬لتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬المدخنين‭.. ‬إلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬مدير‭ ‬مؤسسة‭ ‬عامة‭ ‬تلقى‭ ‬سيجارة‭ ‬رشوة‭.. ‬شركة‭ ‬كبرى‭ ‬تنزع‭ ‬أبواب‭ ‬الحمامات‭ ‬بعد‭ ‬تفشي‭ ‬ظاهرة‭ ‬التدخين‭ ‬بداخلها‭!!‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬مقتضيات‭ ‬العدل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تقديم‭ ‬العون‭ ‬المادي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬سيمتنع‭ ‬أهلها‭ ‬عن‭ ‬التدخين،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬عائدات‭ ‬جمارك‭ ‬التبغ‭ ‬تمثل‭ ‬ربع‭ ‬حصيلتها‭ ‬النقدية،‭ ‬وعلى‭ ‬عهد‭ ‬جعفر‭ ‬نميري‭ ‬الأغبر‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬فرضت‭ ‬الحكومة‭ ‬ضرائب‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬السكر‭ ‬وارتفعت‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬وكان‭ ‬لديه‭ ‬وزير‭ ‬مالية‭ ‬شجاع‭ ‬عقب‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بقوله‭: ‬البديل‭ ‬للضريبة‭ ‬الجديدة‭ ‬هو‭ ‬تعطيل‭ ‬منابر‭ ‬الفضيلة‭ ‬كي‭ ‬يكثر‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬شرب‭ ‬الخمر‭.. ‬ما‭ ‬قصد‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬يقوله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬عائدات‭ ‬جمارك‭ ‬الخمور‭ ‬عالية‭ ‬والمطلوب‭ ‬هو‭ ‬تشجيع‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬شرب‭ ‬الخمر،‭ ‬وكان‭ ‬تصنيعها‭ ‬وبيعها‭ ‬مباحًا‭ ‬وقتها‭.. ‬يعني‭ ‬الخزينة‭ ‬العامة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬عائدات‭ ‬الجمارك‭ ‬فإما‭ ‬زيادة‭ ‬سعر‭ ‬السكر‭ ‬وإما‭ ‬جعل‭ ‬شرب‭ ‬الخمر‭ ‬إجباريًا‭!! ‬

إنصافًا‭ ‬لنميري‭ ‬فقد‭ ‬اكتشف‭ ‬لاحقًا‭ ‬أن‭ ‬بيع‭ ‬الخمر‭ ‬في‭ ‬نهار‭ ‬رمضان‭ ‬حرام،‭ ‬فأمر‭ ‬بإغلاق‭ ‬البارات‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬نهار‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬ثم‭ ‬أصدر‭ ‬فرمانا‭ ‬بإغلاق‭ ‬البارات‭ ‬طوال‭ ‬رمضان،‭ ‬ثم‭ ‬توالت‭ ‬الاكتشافات‭ ‬فأمر‭ ‬بإغلاق‭ ‬البارات‭ ‬نهائيًا،‭ ‬وصادر‭ ‬الخمور‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مخزونة‭ ‬فيها‭ ‬وسكبها‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬احتفال‭ ‬ضخم،‭ ‬وهكذا‭ ‬عمت‭ ‬النشوة‭ ‬الكاذبة‭ ‬وادي‭ ‬النيل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكل‭ ‬أهل‭ ‬شمال‭ ‬السودان‭ ‬وعموم‭ ‬مصر‭ ‬أسماكا‭ ‬سكرانة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا