زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
التبغ عدو الرجولة
في السنوات الأخيرة صار العلم يقول عن التبغ ما لم يقله مالك في الخمر، وجعفر عباس عن فيفي عبدو، وها هو العلم يفجر قنبلة دخانية في وجوه المدخنين بالقول إن دراسات علمية منهجية أثبتت أن التدخين يؤدي إلى العجز الجنسي للرجال، وقال لي صديق مدخن إنه «تاب عنه»، وإنه منذ قراءة خلاصة تلك الدراسة، وكلما رأى شخصا ينظر إليه وهو يدخن في مكان عام رأى عينيه تقولان: شوارب على الفاضي.. رجال أي كلام.. من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله.
كنت ذات يوم مدخنا محترفا، وساءت أوضاعي التدخينية بعد أن تزوجت بامرأة تعاني من حساسية شديدة، ويسبب لها دخان التبغ نوبات ربو فظيعة فاضطررت إلى العودة إلى عصر التدخين في دورات المياه، إذ لم يكن واردًا في برنامجي أن أقلع عنه نهائيًا «مجاملة» لامرأة. عيب ما يصير الرجل الشرقي يعمل حساب لزوجته!! ثم بدأ إسهامي المتواضع في زيادة النسل البشري، ومنذ أن يتعلم أحد أطفالي الكلام كانت زوجتي تبرمجه بحيث يبكي ويتشنج كلما رآني ممسكا بسيجارة، ثم جاءت ابنتي مروة التي سار بذكرها الركبان، وتفاديا للتطويل ولنشر الغسيل العائلي على الملأ أقول إنها أرغمتني على ترك التدخين منذ أن أكملت عامها الأول ونطقت ببعض كلمات من بينها: سجائر.. عيب! وهكذا منذ سنوات طويلة لم أعد أدخن في البيت أو أمام عيالي ولا اشتري السجائر، ولكن طالما أن هناك من يطعن في شرف المدخنين وتفاديا للتجريح والتشهير فإنني أعلن عبر هذه الصحيفة توقفي عن التدخين تمامًا ونهائيا وكومبليتلي، ومن أراد أن يثكله عمه فليقدم لي سيجارة.... في مكان عام.
اعتبارًا من هذه اللحظة المباركة سأصبح جنديا في صفوف أعداء التبغ، وسأعمل ما وسعني جهدي في مجال التشهير بالمدخنين وفضح ممارستهم الشائنة، كما سأعمل على إقناع الحكومات العربية بسن قوانين تجعل شرب السجائر جريمة تستوجب قطع الشفتين وإصبعين من خلاف. الله.. كم سيكون ممتعا قراءة أخبار من قبيل: السلطات الأمنية في القاهرة تكتشف سر انقطاع المياه في شبرا.. عصابة تستخدم شبكة أنابيب ومواسير المياه لتوزيع الشيشة!! القبض على سوداني في مطار صنعاء وفي تلافيف عمامته سبع سيجارات.. اعتقال مواطن من غرب إفريقيا يخفي علبة سجائر في مكان حساس. سيدة آسيوية تخفي تبغ الغليون في بامبرز طفلها الرضيع (خلطة غير موفقة).. الشرطة السعودية تعتقل أفراد خلية تمارس التدخين في كورنيش جدة في الساعات الأولى من الفجر.. وزراء الداخلية العرب يضعون استراتيجية لتبادل المعلومات عن المدخنين.. إلقاء القبض على مدير مؤسسة عامة تلقى سيجارة رشوة.. شركة كبرى تنزع أبواب الحمامات بعد تفشي ظاهرة التدخين بداخلها!!
ولكن من مقتضيات العدل أن يتم تقديم العون المادي للدول العربية التي سيمتنع أهلها عن التدخين، رغم أن عائدات جمارك التبغ تمثل ربع حصيلتها النقدية، وعلى عهد جعفر نميري الأغبر في السودان فرضت الحكومة ضرائب عالية على السكر وارتفعت الاحتجاجات، وكان لديه وزير مالية شجاع عقب على تلك الاحتجاجات بقوله: البديل للضريبة الجديدة هو تعطيل منابر الفضيلة كي يكثر الناس من شرب الخمر.. ما قصد الرجل أن يقوله هو أن عائدات جمارك الخمور عالية والمطلوب هو تشجيع المواطنين على الإكثار من شرب الخمر، وكان تصنيعها وبيعها مباحًا وقتها.. يعني الخزينة العامة تعتمد على عائدات الجمارك فإما زيادة سعر السكر وإما جعل شرب الخمر إجباريًا!!
إنصافًا لنميري فقد اكتشف لاحقًا أن بيع الخمر في نهار رمضان حرام، فأمر بإغلاق البارات خلال ساعات نهار الشهر الفضيل، ثم أصدر فرمانا بإغلاق البارات طوال رمضان، ثم توالت الاكتشافات فأمر بإغلاق البارات نهائيًا، وصادر الخمور التي كانت مخزونة فيها وسكبها في نهر النيل في احتفال ضخم، وهكذا عمت النشوة الكاذبة وادي النيل بعد أن أكل أهل شمال السودان وعموم مصر أسماكا سكرانة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك