العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لا لعيد الزواج والسنة الجديدة

كانت‭ ‬زوجتي‭ ‬إنسانة‭ ‬بسيطة‭ ‬و«بنت‭ ‬ناس‮»‬‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال،‭ ‬لكنها‭ ‬تعولمت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وصارت‭ ‬تطالبني‭ ‬مثلا‭ ‬بالاحتفال‭ ‬بعيد‭ ‬زواجنا،‭ ‬وظللت‭ ‬أرفض‭ ‬طلبها‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أننا‭ ‬احتفلنا‭ ‬بزواجنا‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬مئات‭ ‬الشهود‭ ‬والمأذون،‭ ‬ولما‭ ‬واصلت‭ ‬الزن‭ ‬والطن‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬صرت‭ ‬أشتري‭ ‬صمتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬‮«‬ذكرى‮»‬‭ ‬لذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الميمون‭ ‬الذي‭ ‬فازت‭ ‬هي‭ ‬فيها‭ ‬بزوج‭ ‬‮«‬لقطة‭ ‬وفلتة‮»‬‭ ‬بان‭ ‬أشتري‭ ‬لها‭ ‬هدية‭.‬

وكتبت‭ ‬مرارا‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يهمني‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬التقويمية‭ ‬رأسها‭ ‬أو‭ ‬مؤخرتها،‭ ‬بل‭ ‬لو‭ ‬عناني‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬السنة‭ ‬الجديدة‭ ‬شيء‭ ‬فهو‭ ‬الحزن‭ ‬على‭ ‬وداع‭ ‬العام‭ ‬‮«‬المنصرم‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬انصرم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مِن‭ ‬حسابي‭ ‬‮«‬خَصَم‮»‬،‭ ‬وفوق‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬ففي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬السنة‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬مفتعلة،‭ ‬ولست‭ ‬مقتنعا‭ ‬بأن‭ ‬السنة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬شهرا،‭ ‬بموجب‭ ‬حسابات‭ ‬أجراها‭ ‬بابوات‭ ‬الفاتيكان‭ ‬وأباطرة‭ ‬روما‭ (‬يوليو‭ ‬وأغسطس‭ ‬مثلا‭ ‬أسماء‭ ‬حكام‭ ‬رومان‭ ‬ومارس‭ ‬إله‭ ‬الحرب‭ ‬عن‭ ‬قدماء‭ ‬الرومان‭.. ‬ولعل‭ ‬القارئ‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬مارس‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يوم‭ ‬الأسبوع‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬فيه‭ ‬نوفمبر،‭ ‬وينتهي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يوم‭ ‬الاسبوع‭ ‬الذي‭ ‬ينتهي‭ ‬فيه‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭)‬،‭ ‬وعدة‭ ‬الشهور‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬12،‭ ‬ولكنها‭ ‬ليس‭ ‬يوليو‭ ‬وتموز‭ ‬التي‭ ‬صرنا‭ ‬نحتكم‭ ‬اليها‭ ‬ومحكومين‭ ‬بها،‭ ‬ولست‭ ‬مقتنعا‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬أو‭ ‬31‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬فبراير‭ ‬‮«‬الملطشة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يجعلونه‭ ‬تارة‭ ‬28‭ ‬يوما‭ ‬وتارة‭ ‬29‭ ‬يوما،‭ (‬الموظفون‭ ‬يحبون‭ ‬فبراير‭ ‬لأنهم‭ ‬يتقاضون‭ ‬فيها‭ ‬رواتب‭ ‬يومين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬بالأوانطة‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬قرر‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬اليوم‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬وأن‭ ‬تتألف‭ ‬الساعة‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬دقيقة،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬مفروضة‭ ‬علينا‭ ‬تماما‭ ‬مثل‭ ‬كروية‭ ‬الأرض،‭ ‬رغم‭ ‬أننا‭ ‬جميعا‭ ‬وفي‭ ‬قرارات‭ ‬أنفسنا‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬كروية‭ ‬الأرض‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬إشاعة‮»‬،‭ ‬وقرر‭ ‬الإنجليز‭ ‬أن‭ ‬بلدة‭ ‬غرينتش‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الطول‭ ‬صفر،‭ ‬وعلى‭ ‬بقية‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬يحددوا‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬توقيت‭ ‬غرينتش‭! ‬طيب‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الدنيا‭ ‬كروية‭ ‬فعلا‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬خط‭ ‬طول‭ ‬صفر‭ ‬بالخرطوم‭ ‬أو‭ ‬كركوك؟‭ ‬لماذا‭ ‬دبسونا‭ ‬نحن‭ ‬الأفارقة‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬الاستواء‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬استوينا‮»‬‭ ‬بالحر‭ ‬والبعوض‭ ‬والأسود‭ ‬والثعابين،‭ ‬وخصصوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬خطوط‭ ‬العرض‭ ‬ذات‭ ‬النداوة‭ ‬والطراوة؟

وقبل‭ ‬أيام‭ ‬لاحظت‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬قشرة‭ ‬بيضاوية‭ ‬تعلو‭ ‬وجهي،‭ ‬فأخذت‭ ‬علبة‭ ‬دهان‭ ‬مرطب،‭ ‬ووقفت‭ ‬أمام‭ ‬المرآة‭ ‬لأتمتع‭ ‬بشكلي‭ ‬وأتغزل‭ ‬بمحاسني،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬يلمع‭ ‬وجهي‭ ‬بتأثير‭ ‬الكريم‭ ‬المعطر‭. ‬وصدرت‭ ‬عني‭ ‬صرخة،‭ ‬فقد‭ ‬وجدت‭ ‬أمامي‭ ‬شخصا‭ ‬غريب‭ ‬الشكل‭ ‬والملامح،‭ ‬ولكنه‭ ‬يحمل‭ ‬ملامح‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭.. ‬قلت‭ ‬في‭ ‬سري‭: ‬الدوام‭ ‬لله‭ ‬يا‭ ‬ابو‭ ‬الجعافر‭.. ‬لقد‭ ‬سرق‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬ملامحك‭ ‬التي‭ ‬دوخت‭ ‬سعاد‭ ‬حسني‭ ‬وهند‭ ‬رستم،‭ ‬وصرت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تجعل‭ ‬حتى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الشحرورة‭ ‬الراحلة‭ ‬صباح‭ ‬تنفر‭ ‬منك‭! ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬أعزي‭ ‬نفسي‭ ‬وأواسيها‭ ‬متذكرا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬أولاد‭ ‬دفعتي‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬يمشون‭ ‬بالعكاكيز،‭ ‬وبعض‭ ‬زميلات‭ ‬الدراسة‭ ‬اللواتي‭ ‬صرن‭ ‬جدّات‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬ثم‭ ‬تذكرت‭ ‬أكبر‭ ‬حماقة‭ ‬ارتكبتها‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬وهي‭ ‬أنني‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬البنات‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭. ‬وبين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬تستوقفني‭ ‬بقايا‭ ‬امرأة‭ ‬بصحبتها‭ ‬شابة‭ ‬يانعة‭ ‬وتقول‭ ‬لي‭: ‬أنت‭ ‬أستاذ‭ ‬جعفر؟‭ ‬ما‭ ‬عرفتني؟‭ ‬أنا‭ ‬زبيدة‭.. ‬درستني‭ ‬في‭ ‬زفت‭ ‬الثانوية‭ ‬بنات‭.. ‬ثم‭ ‬تطلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أُسلم‭ ‬على‭ ‬بنتها‭ ‬زازا‭ ‬التي‭ ‬تدرس‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭! ‬أود‭ ‬لو‭ ‬أصيح‭ ‬في‭ ‬وجهها‭: ‬لا‭ ‬شفتك‭ ‬ولا‭ ‬أعرفك،‭ ‬وعيب‭ ‬عليكي‭ ‬تعاكسي‭ ‬راجل‭ ‬ما‭ ‬تعرفيه‭! ‬وليت‭ ‬بوتين‭ ‬يقصفك‭ ‬وانت‭ ‬تزورين‭ ‬بنتك‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

سأعترف‭ ‬لجيل‭ ‬الشباب‭ ‬بسر‭ ‬خطير‭: ‬لا‭ ‬تكونوا‭ ‬بلهاء،‭ ‬وتفترضوا‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬حكماء‭. ‬شخصيا‭ ‬لا‭ ‬أحس‭ ‬بأنني‭ ‬استحق‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬حكيم‮»‬،‭ ‬لأنني‭ ‬مازلت‭ ‬أرتكب‭ ‬أخطاء‭ ‬وحماقات‭ ‬طفولية‭. ‬وأخالط‭ ‬أناسا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬سني‭ ‬وأعجب‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬بعضهم‭ ‬مازال‭ ‬ساذجا‭ ‬ونزقا،‭ ‬طوله‭ ‬طول‭ ‬النخلة‭ ‬وعقله‭ ‬عقل‭ ‬السخلة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بيبي‭ ‬المعزة‭. ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬صفعته‭ ‬المرآة‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬بي،‭ ‬ولكنه‭ ‬يعاند‭ ‬ويكابر،‭ ‬ويستخدم‭ ‬الموكيت‭ ‬لإخفاء‭ ‬الصلعة‭ ‬والمساحيق‭ ‬لإخفاء‭ ‬التجاعيد‭.. ‬وما‭ ‬هو‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬التصابي‭ ‬بالزواج‭ ‬بشابة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬‮«‬الوكالة‮»‬‭. ‬شخصيا‭ ‬قررت‭ ‬مقاطعة‭ ‬المرايا‭ ‬تفاديا‭ ‬للمناظر‭ ‬المؤذية‭ ‬للروح‭ ‬المعنوية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا