زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تركوا أمر إثبات التهم لجهاز (1)
لا سبيل لإنكار ان الامريكان بصفة عامة مغامرون وبسبب هذه النزعة فإن مخترعاتهم واكتشافاتهم كثيرة ومتنوعة، وعلى مدى سنوات طوال ظلت الحكومة الأمريكية ترصد مئات الملايين من الدولارات لتطوير أجهزة الكشف عن الكذب، فرغم أن العرب اخترعوا نظرية المؤامرة، وجعلوا منها شماعة يعلقون عليها خيباتهم: انقطاع التيار الكهربائي نجم عن تآمر بعض مهندسي محطة الكهرباء مع إسرائيل.. تحول النفق الذي تم افتتاحه قبل شهرين إلى بحيرة بعد هطول أمطار ساعتين، لأن أعداء الوحدة الوطنية صلوا صلاة الاستسقاء. ورغم الريادة العربية في هذا المجال، فإن الأمريكان صاروا موسوسين أكثر من العرب، ولديهم هوس عجيب بابتكار أجهزة التحقيق والاستجواب الأمنية.
والغريب في الأمر ان الامريكان مازالوا يزعمون ان البوليغراف وهو جهاز الكشف عن الكذب الذي اخترع قبل أكثر من 100 سنة يتمتع بكفاءة عالية. هب يا صديقي ان عقارب الساعة عادت الى عام 2001، وأن الامريكان كمشوك ووضعوا كيسا على رأسك ونقلوك الى زنزانة عبارة عن حاوية بضائع في قندهار في أفغانستان، ثم طاروا بك عشرين ساعة في طائرة شحن إلى غوانتنامو (حيث لا شخص «ينامو»)، ثم حرموك من النوم يومين او ثلاثة ثم استجوبوك باستخدام البوليغراف.. يضعون في مناطق مختلفة من جسمك قطعا معدنية موصولة بأسلاك، بنفس الطريقة التي رأيتهم في الأفلام ينفذون بها أحكام الإعدام بالصعق الكهربائي، وبداهة فإنك ستجيب عن الأسئلة وقلبك مضطرب النبضات ومساماتك تضخ العرق بكميات تجارية، والدم يتدفق عبر شرايينك وأوردتك على دفعات غير منتظمة.. هنا سيصدر الجهاز تقريرا يقول إنك كذاب وابن ستين كذاب، حتى لو لم تقل سوى الصدق، لأن الجهاز يصدر حكمه عليك انطلاقا من قراءة درجة توترك وقلقك، وطالما الجهاز يقول إنك كاذب فستبقى موضع شك ومساءلة وربما محاكمة (العجيب في أمر هذا الجهاز المستخدم على نطاق واسع لدى الأجهزة الأمنية الأمريكية ان معظم المحاكم لا تعترف باستنتاجاته).
المشكلة هي أنك يا صاحبي غافل عن أمر خطير تتعرض له في العديد من المطارات والموانئ. لم يعد الأمر يقتصر على إرغامك على خلع حذائك وتفريغ انبوب معجون الأسنان الذي تحمله للتأكد من أنه لا يحوي قنبلة موقوتة، بل إنك لا تدري بأن هناك أشعة مسلطة عليك لتقرأ كم مرة ترمش عينك وتتقلص عضلات وجهك. ومن ثم فقد تجد شخصا «عريض المنكعين شلولح» يطلب منك ان تتجه معه الى مكتب منزوٍ لاستجوابك بشأن ميولك الارهابية! ميولي الارهابية؟ أنا الذي لو صرخت فيه زوجته أصيب بنوبة قلبية؟ ولو أمرني شرطي المرور بالوقوف على طرف الشارع اهرع إلى أقرب دورة مياه؟ سيصيح فيك ذلك الشخص: بلاش كذب والاشعة تحت الحمراء أثبتت أنك مضطرب وحالك حال، ومن الخير لك ان «تعترف»! تقول لهم انك مضطرب لأنك غائب عن العمل منذ ثلاثة أيام بحجة المرض ثم لمحت المدير في المطار ينظر اليك شذرا وعيناه تقولان: مسوي حالك عيان.. طيب يا جميل! أنا شخصيا متأكد من ان تلك الأجهزة ستعطي الانطباع بأنني ارهابي، لأنني أكون على درجة عالية من التوتر في المطارات لأنني أخاف ركوب الطائرات. والمحققون الأمنيون غير معنيين بحقائق الحياة وهي ان معظمنا يكذب يوميا تفاديا للحرج او إنقاذا لموقف ما، وأن غالبية الناس لا تتقن حتى الكذب البسيط، فتجدهم يفركون أيديهم او يحكون أنوفهم او فروة الرأس عندما يكذبون. ذلك لأن المخ والقلب يعملان بإيقاع مختلف عند الكذب. أنت تفضح نفسك ويضطرب حالك لكذبة بسيطة مثل: رايح بيت أخوي (بينما أنت رايح مزرعة صديقك لسهرة غير بريئة).. فما بالك عندما يوصلونك اعضاء جسمك بأسلاك.. حتى عندما يسألونك عن اسمك وتذكر لهم اسمك الصحيح سيسجل الجهاز إنك كاذب لأنك لن تكون مرتاحا لأن المحقق طلب منك ذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك