زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
قاموس مفيد ولذيذ جدا
لصديقي الفلسطيني الراحل أحمد الشولي إسهامات مقدرة في مجال الإعلام، وتوطدت علاقتي به منذ أن عملنا سويا في تلفزيون بي بي سي، وقد أتحفنا الشولي بعمل لغوي ضخم يعد أهم إضافة إلى المكتبة العربية خلال القرن العشرين، فقد أصدر قاموس «المعجم المفيد منشان نفر جديد» ويقول في مقدمة القاموس إنه فوجئ عند العمل في بيئات إعلامية تضم خليطا من أبناء وبنات الشعوب العربية، بأن الزملاء القادمين من مختلف البلدان العربية يجدون صعوبة في التفاهم مع بعضهم البعض إلا بطريقة: عم صباحا يا فتى المغرب، هيا بنا إلى حانوت الطعام لنقتات بعض البقول (فول وفلافل).
صديقي منذ الحقبة اللندنية، التونسي محمد كريشان أراد ذات مرة أن يعرب لي عن عرفانه لي بالجميل لأنني صنعت منه نجما، إذ كان لي شرف اكتشاف مواهبه وتقديمه للجمهور، حتى استحق لقب كريشان علما بأن اسمه قبل اكتشافي له وإكسابه للشهرة كان محمد كريش!! المهم أن كريشان قال إنه سيدعوني إلى بيته ليقدم لي «حليب الدجاج» فانفجرت في وجهه مستنكرًا استخفافه بي، وحسبت أنه ربما صدق الافتراءات بأنني أصلا من رواندا وأن اسمي الأصلي هو جفافا أباشي، المهم قطعت صلتي بالسيد كريشان وانعكس ذلك على العلاقات السودانية – التونسية عمومًا حتى جاء قاموس الشولي ليزيل سوء الفهم، لأن قاموس الشولي شرح لي أن تلك التسمية العجيبة مترجمة عن الفرنسية لمشروب يضاف إلى عناصره البيض والحليب.
يحوي قاموس «المعجم المفيد منشان نفر جديد»، دررا لغوية، تقرأها وتفهم على الفور لماذا لم تنجح مشاريع الوحدة العربية: تخيل أن خليجيا ذهب إلى مطعم في الجزائر وطلب «دياية» أول ما سيتبادر إلى ذهن صاحب المطعم الجزائري هو أن ذلك الزبون إرهابي يتحدث بلغة مشفرة، وإذا سألك عراقي: شكو ماكو؟ فلا تفقد أعصابك وتحسب أنه يتهمك بالتهريج إذ شبهك بشكوكو، لأن تلك العبارة تعني نفس ما تعنيه العبارة السورية «شو في ما في؟» وتعني: ما الأخبار؟ ما الذي يجري؟ ويقول الشولي، إنه من الحماقة تفويت دعوة مقدمة من عراقي لأكل الباتشا فرغم أن اسمها غير سياحي، إلا أن الباتشا فيما يقول المعجم وجبة دسمة تغنيك واحدة منها عن الأكل طوال أسبوع، مما يفسر محافظة العراقيين على بنيانهم الجسماني الضخم رغم سرقة الحكومات المتعاقبة لثروات البلاد.
إنني أهيب بالقراء شراء نسخ من «المعجم المفيد منشان نفر جديد» الذي أصدره المفكر الراحل أحمد الشولي لأن ريعه سيذهب إلى دعم الفقراء في السويد، ولأنه سيعينك على التخاطب مع أخوتك العرب من مختلف البلدان، فمثلا إذا جاءك فلاح سوداني أو فلسطيني وقال لك: عندي سعال!! فلا تنصحه بالذهاب إلى الدكتور أو تنصحه بشرب لبن الحمير كما فعلت أمي معي عندما أصبت بالسعال الديكي!! السعال في الريفين السوداني والفلسطيني هو «السؤال» ويقال: ممكن اسعلك سعال فلا تحسب أنه يريد أن يكح أو يبصق في وجهك، وإذا أراد أحدهم أن يحدثك عن «المسعلة» فاستمع له لتعرف ما «المسألة».
وإذا سألك سوري: هل تأكل «يهودي مسافر» فلا تنفعل كما حدث معي حيث صحت في وجه محدثي: أنت أيضًا تصدق الدعايات الأوروبية بأن الأفارقة يأكلون لحم البشر؟ نكاية بك سأعترف بالدولة اليهودية!! هنا قال صديقي السوري بكل هدوء: بلا ش يا صاحبي، هل تأكل «حراق أصبعه» وقبل أن أضربه بمسطرة كانت في يدي شرح لي أن اليهودي المسافر وحراق أصبعه طبقان شهيان، فقررت على الفور عدم أكل أي طبخة سورية إلا بعد الاطلاع على سيرتها الذاتية وأوراقها الثبوتية.
وإذا أردت أن تختبر مدى إلمامك بالعامية الخليجية ترجم القطعة التالية وسأساعدك في مواقف معينة: صرفت العورتيم (أوفرتايم) ورحت الستوديو منشان آخذ عكوس (صورة) وكشخت بالكشمة (النظارة) والجوتي الجديد، لكن دعمت سيارة وما كان عندي بيمه (تأمين) وسويت جنجال مع الدريول الثاني وضربته بالجيك على رأسه، جاء الشرطي سندرني وكتفني بالوير لما رفضت أروح وياه، وحاولت أهرب ضربت رأسي على الجامة وبعدها ما دريت أيش يرمس.
والجوتي هو الكندرة التي هي الصرمة التي هي الشوز التي هي الجزمة، والجيك هو الجاك jack الأداة المستخدمة لرفع هيكل السيارة عند تغيير إطار مبنشر (أي فرّغ من الهواء)، ونسميه في السودان «العفريتة»، ربما لأنها قطعة صغيرة وتستطيع حمل سيارة وزنها آلاف الكيلوجرامات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك