زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
وله في التبغ كلام (1)
نبقى اليوم أيضا مع صديقي العت، الشيخ الدكتور عبسلام (عبد السلام) البسيوني وهو داعية إسلامي مصري، هناك من يعتبره ظلاميا رجعيا متخلفا (أنا من الذين كانوا يصفونه بالـ «تخلف»، فالرجل فلاح صعيدي ورغم شهاداته الجامعية وعصاميته التي جعلته يتقن الإنجليزية بالعون الذاتي، فقد ظل يتهيب التعامل مع التكنولوجيا، ثم - سبحان الله - صار ماهرا وحاذقا في استخدام الكمبيوتر والانترنت)، وهناك شيوخ يتهمونه بأنه ليبرالي، لأنه يعشق الفنون والأدب (قال لي: كثير من الموسيقى حلال بس ما تقولش لحد إني قلت كدا)، وما جعل البسيوني يدخل قلوب الناس، أنه باسم على الدوام، ولا يجد حرجا في سرد الطرائف والنكات في ثنايا الخطب الدينية.
تعالوا معي نتصفح جانبا من دراسة له عن التدخين، وكلي ثقة في أنكم ستستمتعون بقراء الشذرات التالية منه: بعض المشايخ الذين يخزّنون، أو يحششون، أو يتنبلون، أو يدخنون يقولون إن أكل النبات أو تعاطيه - ومنه الدخان وأخواته - سُنَّة؛ وبعض المشايخ المدخنين يقول إن التدخين في أقصاه مكروه لا حرام.. وبعض المتصوفة يرون التحشيش سلطنة، وبعض العامة يقولون: لو كان حرام فاحنا بنحرقه، ولو حلال أدينا بنشربه! و«يزعلون» جدًّا لو هوجمت شركات السجائر، فما ذنب العاملين فيها وعائلاتهم، (يا عيني)، و (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، و(عض قلبي ولا تعض رغيفي)!
«وقال الشيخ الغزالي رحمه الله إن من المتناقضات الباعثة على الحزن، أن المسلم ينفق أوقاتًا وأموالاً طائلة في الزواج، ثم بعد ذلك كله يقول عليه الطلاق إن عاد إلى التدخين، ثم يدخن، وتذهب امرأته في سيجارة، وينهار بيت أنفق في إقامته الكثير!»، «وقال تشرشل – وكان مدخنًا للغليون (البايب): المدخن الشره الذي يقرأ الكثير عن أخطار التدخين، لا بد أن يقلع يومًا عن القراءة! وقال مارك توين: الإقلاع عن التدخين هو أسهل شيء، فقد قمت بذلك ألوف المرات! وقال راي كمفارت: على كل مدخن أن يفكر في المستقبل، فكل نفثة دخان هي (تكة) تقربنا من قنبلة زمنية رهيبة العواقب، وقال بعضهم: التدخين ما هو إلا هواية في العشرين/ وإدمان في الثلاثين/ وهبوط بالقلب في الأربعين/ وتصلب بالشرايين في الخمسين/ وموت مؤكد في الستين/ والسبب - دائماً - مادة النيكوتين. وقيل إن فوائده ثلاث: المدخن لا تصيبه الشيخوخة/ ولا يُسرق منزله أبدًا/ وتهرب منه الكلاب! والسبب لعدم إصابته بالشيخوخة، أنه يموت وهو ما زال شابًّا، ولا يُسرق منزله، لكثرة سعاله طوال الليل، فيخشى اللصوص الاقتراب من منزله! وتهرب منه الكلاب: لأنه دائمًا يتكئ على عصاه!
تقول منظمة الصحة العالمية إنّ التدخين المباشر والسلبي يقتل نحو عشرة أشخاص في الدقيقة، ويسبب «عالميا»، 1,4 مليون حالة وفاة في كل عام! وأشارت الدراسات إلى أن 30 مليون شخص ينضمون إلى قافلة المدخنين كلّ عام، ويتوقع الخبراء أن يموت قرابة النصف من أولئك بسبب عادة التدخين!
مدح بعض الشعراء السيجارة وتغزل بها تغافلاً أو تظرفًا، ومنهم الشاعر فوزي المعلوف، فاقرأ: تراني دومًا واللفافة في فمي / تمامًا كتقبيل الفراشة للورد / وألثمها لا لثمة الوجد إنما / تضوّع منها الحب في نفحة الند / فتبعث حولي زفرةً من دخانها / وتبعث أنفاس الصبابة عن عمد.. وقال أحدهم: أقبّلها في اليوم مليون قبلة *** فلا أستحي منها.. ولا هي تمنعُ / كأني بها عذراء برت بحبها *** فلا هي ترويني.. ولا أنا أشبع / تموت على ثغري البريء شهيدة *** فأحرق أنفاسي بخورًا يضوَّع
ونواصل غدا بمشيئة الله، إذ لم يكن تبغ القمشة البذيء الذي شفطته في شمال السودان، ثم التبغ الفرجيني الفاخر الذي نهلت منه لاحقا، قد جاب خبري، رغم إقلاعي عن التدخين رسميا قبل أكثر ربع قرن
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك