العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

حكاية سفيه إنجليزي

في‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يوصمون‭ ‬بـ«أُثرياء‭ ‬الغفلة‮»‬‭ ‬أي‭ ‬أصبحوا‭ ‬أثرياء‭ ‬إما‭ ‬بالصدفة‭ ‬وإما‭ ‬بالحيلة،‭ ‬وتفضح‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬نفسها‭ ‬بالسفه‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬لأنه‭ ‬جاءها‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬جهد،‭ ‬وتلاحظ‭ ‬ذلك‭ ‬مثلا‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬بلا‭ ‬خبرة‭ ‬أو‭ ‬مهنة‭ ‬يقضي‭ ‬العمر‭ ‬صائعا‭ ‬ضائعا‭ ‬ثم‭ ‬يرث‭ -‬مثلا‭- ‬مالا‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬قريب‭ ‬له،‭ ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬يصبح‭ ‬صائعا‭ ‬ضائعا‭ ‬ع‭ ‬الحديدة،‭ ‬لأنه‭ ‬ينفق‭ ‬المال‭ ‬الذي‭ ‬أتاه‭ ‬فجأة‭ ‬إنفاق‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬الفقر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬مايكل‭ ‬أنتونيوتشي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ -‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2008-‭ ‬يملك‭ ‬متجراً‭ ‬ناجحاً‭ ‬للتحف،‭ ‬ثم‭ ‬ربح‭ ‬نحو‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬اليانصيب‭ (‬اللوتري‭) ‬البريطاني،‭ ‬وعلى‭ ‬الفور‭ ‬أسس‭ ‬محلاً‭ ‬للتسجيلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬بنحو‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬دولار،‭ ‬واشترى‭ ‬مطعما‭ ‬فخماً‭ ‬بالشيء‭ ‬الفلاني،‭ ‬ثم‭ ‬اشترى‭ ‬سيارتي‭ ‬مرسيدس‭ ‬بنحو‭ ‬120‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬لكل‭ ‬منهما،‭ ‬وزورقاً‭ ‬بخارياً‭ ‬بـ120‭ ‬ألف‭ ‬دولار،‭ ‬وملابس‭ (‬دفعة‭ ‬واحدة‭) ‬بـ40‭ ‬ألف‭ ‬دولار،‭ ‬وكانت‭ ‬أكبر‭ ‬صفقاته‭ ‬أنه‭ ‬اشترى‭ ‬زوجة‭ ‬تجنّن‭. ‬كانت‭ ‬راقصة‭ ‬ستريبتيز‭ (‬عُري‭) ‬وكلفه‭ ‬حفل‭ ‬الزفاف‭ ‬نحو‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬دولار،‭ ‬وقبلها‭ ‬أنفق‭ ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬لحشو‭ ‬نهدها‭ ‬بالسيليكون،‭ ‬ثم‭ ‬اشترى‭ ‬منزلا‭ ‬بنصف‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬وسجله‭ ‬باسم‭ ‬العروس‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬سيارتي‭ ‬المرسيدس،‭ ‬طبعاً‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المجوهرات‭ (‬اللي‭ ‬هيّ‭)‬،‭ ‬وخلال‭ ‬حفل‭ ‬الزفاف‭ ‬سكر‭ ‬الضيوف‭ ‬وتخطوا‭ ‬قواعد‭ ‬الحشمة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬النساء‭ ‬اللاتي‭ ‬كنّ‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الحضور،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬انهال‭ ‬بالقبلات‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬امرأة‭ ‬تمرّ‭ ‬بجواره،‭ ‬فنشبت‭ ‬مشاجرة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬نزول‭ ‬بعضهم‭ ‬ضيوفاً‭ ‬على‭ ‬المستشفيات‭. ‬وبانتهاء‭ ‬حفل‭ ‬الزواج‭ ‬كان‭ (‬الزواج‭) ‬قد‭ ‬‮«‬شبه‭ ‬منتهي‮»‬،‭ ‬فالعروس‭ ‬الرقاصة‭ ‬بدون‭ ‬هدوم‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬أنها‭ ‬تتزوج‭ ‬برجل‭ ‬أكبر‭ ‬سناً‭ ‬من‭ ‬أبيها،‭ ‬ونالت‭ ‬منه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تريد‭: ‬بيتاً‭ ‬وسيارة‭ ‬ومجوهرات‭ ‬أشكالاً‭ ‬وألوانا،‭ ‬ولم‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬بمجرد‭ ‬ملامستها‭ ‬بيده،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬صبرت‭ ‬عليه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ (‬شوف‭ ‬الذوق‭)‬،‭ ‬طردته‭ ‬من‭ ‬البيت‭.‬

وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بأيام‭ ‬قليلة‭ ‬عرض‭ ‬أنتونيوتشي‭ ‬المطعم‭ ‬ومحل‭ ‬التسجيلات‭ ‬للبيع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬على‭ ‬الحديدة،‭ ‬أي‭ ‬مفلساً‭ ‬تماماً،‭ ‬وتلقى‭ ‬عرضاً‭ ‬واحداً‭ ‬بشراء‭ ‬المطعم،‭ ‬وكان‭ ‬بقيمة‭.. ‬حاول‭ ‬التخمين‭: ‬نصف‭ ‬مليون؟‭ ‬لا‭.. ‬ثلاثمائة‭ ‬الف؟‭ ‬لا‭.. ‬طيب‭ ‬خمسين‭ ‬الفا؟‭ ‬لا‭.. ‬عشرة‭ ‬آلاف؟‭ ‬أووووه‭.. ‬ما‭ ‬هذه‭ ‬التخمينات‭ ‬الغبية؟‭ ‬سأعطيك‭ ‬آخر‭ ‬فرصة‭ ‬لآخر‭ ‬تخمين‭: ‬مائة‭ ‬جنيه؟‭ ‬لا‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬ثم‭ ‬كلا،‭ ‬كان‭ ‬العرض‭ ‬يساوي‭ ‬واحدا‭ ‬على‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الجنيه‭ ‬الإسترليني،‭ ‬يعني‭ (‬ون‭ ‬بني‭) ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الانجليز‭. ‬وهكذا‭ ‬وبما‭ ‬تبقى‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬نقود‭ ‬اشترى‭ ‬الرجل‭ ‬سريراً‭ ‬ووضعه‭ ‬داخل‭ ‬محل‭ ‬التسجيلات‭ ‬الذي‭ ‬اتخذ‭ ‬منه‭ ‬مسكناً،‭ ‬أما‭ ‬العروس‭ ‬واسمها‭ ‬كيلي‭ ‬فقد‭ ‬كسبت‭ ‬تلك‭ ‬الأموال،‭ ‬ومعها‭ (‬الشهرة‭)‬،‭ ‬وظهرت‭ ‬لها‭ ‬صورة‭ ‬عارية‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ (‬ذا‭ ‬صن‭) ‬البريطانية‭ ‬الشعبية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬غاية‭ ‬المرام‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬للتعري‭ ‬وأغلفة‭ ‬المجلات‭.‬

هذه‭ ‬حكاية‭ ‬كلاسيكية‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مستجدّ‭ ‬النعمة‮»‬،‭ ‬وإذا‭ ‬تلفتّ‭ ‬حولك‭ ‬فستكتشف‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬تعرفهم‭ ‬لا‭ ‬يختلفون‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬أنتونيوتشي‭ ‬هذا‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬نال‭ ‬وظيفة‭ ‬لا‭ ‬يستحقها‭ ‬ذات‭ ‬راتب‭ ‬كبير‭ ‬فلجأ‭ ‬إلى‭ ‬البنوك‭ ‬مقترضاً‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬أو‭ ‬الملايين،‭ ‬بضمان‭ ‬الوظيفة‭ ‬لبناء‭ ‬بيت‭ ‬يليق‭ ‬بالمنصب‭ ‬الجديد‭ ‬وسافر‭ ‬شرقاً‭ ‬وغرباً،‭ ‬ثم‭ ‬طارت‭ ‬الوظيفة،‭ ‬ويتحول‭ ‬البيت‭ ‬غير‭ ‬المكتمل‭ ‬إلى‭ ‬معلم‭ ‬أثري‭ ‬ويصادر‭ ‬البنك‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬باستثناء‭ ‬ملابسه‭ ‬الداخلية‭.‬

اهرش‭ ‬رأسك‭ ‬وتذكر‭ ‬عائلات‭ ‬كانت‭ ‬تلعب‭ ‬بالدينار‭ ‬والدولار‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬وعشرين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تسمع‭ ‬عنها،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬أفرادها‭ ‬صاروا‭ ‬‮«‬متواضعين‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬لأنهم‭ ‬هاجروا‭ ‬الى‭ ‬تورا‭ ‬بورا‭ ‬للانضمام‭ ‬الى‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬أو‭ ‬طالبان،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬ثروتهم‭ ‬صارت‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬كان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬آلت‭ ‬إلى‭ ‬أيدٍ‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬بذله‭ ‬الأسلاف‭ ‬لجمعها،‭ ‬وقد‭ ‬حدث‭ ‬لعائلتي‭ ‬أمر‭ ‬مشابه‭ ‬فقد‭ ‬انتقل‭ ‬والدي‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬مولاه‭ ‬ووجدنا‭ ‬في‭ ‬خزانته‭ ‬ثلاثة‭ ‬جنيهات‭ ‬كانت‭ ‬تعادل‭ ‬وقتها‭ ‬45‭ ‬دولارا‭ (‬قل‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬وتبخرت‭ ‬تلك‭ ‬الثروة‭ ‬سريعا‭ ‬فاضطررت‭ ‬أنا‭ ‬ابن‭ ‬العز‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭ ‬طلبا‭ ‬للرزق‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا