زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن سفه بعض الأثرياء
كتبت أكثر من مقال عن الذين صاروا أغنياء بالصدفة وعن غير جدارة ثم أثبتت ممارساتهم أنهم جمعوا بين الغنى والغباء، ولكنني أعجب لأشخاص رقيقي الحال يشطحون في النفقات، فمنهم مثلا من يشتري حذاء قيمته ألفان من الدولارات، طبعاً هناك أحذية تباع بنحو 5000 دولار أو أكثر ولكنني شخصيا (أحترم نفسي) ولا أدخل المتاجر التي تعرض سلعاً تفوق طاقتي المالية، ومن فضل الله علي أنني أكره السوق والتسوق والسوقيين، بل قد يمر عام كامل من دون أن أدخل متجراً يبيع الأقمشة والملبوسات والكماليات. واشتريت في أوائل تسعينيات القرن الماضي أحذية من تشيكوسلوفاكيا ومازلت استخدمها (من وراء ظهر زوجتي، أو من دون علمها لأنني أجيد دهن الأحذية بما نسميه ورنيش وأصلها في الإنجليزية فارنيش، ولكننا أخذناها من الهنود الذين يجعلون حرف «في v» الإنجليزية إلى «واو» ويحولون حرف دبليو الذي يقابل الواو العربية في معظم الأحيان إلى «فيV »، كما أكرمني الله بخاصية عجيبة، فقدماي لا تفرزان من العرق إلا القليل جدا، ولهذا فإن روائح أحذيتي تكون غير كريهة).
ولا أظن أنني اشتريت أي نوع من الملابس خلال العامين الماضيين (ولهذا، فرغم عملي في مجال التلفزيون سنوات طوالا فإن مهامي جميعها من وراء الكواليس –هل مفرد هذه الكلمة «كالوس»؟- ولن يتاح لي أبداً الظهور على الشاشة لأن تلفزيوناتنا تبحث عن القيافة وليس العقل). ثم يأتي ثري ياباني ويعرض مائة ألف (100000) دولار لشراء الحذاء الذي يستخدمه اللاعب البرازيلي رونالدو وسجل به هدفين في مرمى المنتخب الياباني قبل سنين بعيدة، ورونالدو يستأهل المساعدة لأنه فعلاً بحاجة إلى ثروة كبيرة ليجري عملية تقويم أسنان، ولكن من يدفع 100 ألف دولار لشراء حذاء مستعمل، لا مؤاخذة، حمار!! وليس حذاء رونالدو (مستعملا) فحسب، بل بحكم أنه ارتداه عدة مرات ولعب به عدة مباريات فإن هناك بالتأكيد روائح غير كريمة تفوح منه. كما أن الحذاء مصاب بشد عضلي لأنه ظل مركونا سنوات طوالا.
ولكن هب أن الحذاء كان جديداً ويحمل تواقيع رونالدو ومارادونا وبيليه وصورة نانسي عجرم، فهل يستحق مثل ذلك المبلغ؟ مؤكد أنه لا يخفى على القارئ أنني حاقد على ذلك المليونير الياباني لأنه مستعد لدفع مبلغ يساوي قيمة ممتلكاتي الثابتة والمنقولة ومدخراتي في بنوك دارفور والأوفشور، والصومال والسنغال لشراء حذاء سكند هاند. وسبق لنفس هذا المخبول الجهول المهبول أن اشترى الروب الذي استخدمه لاعب منتخب انجلترا ديفيد بيكهام عام 2002 بمبلغ بسيط (عشرين ألف دولار). والروب –يا عديم الثقافة– ليس هو الزبادي، بل منشفة/فوطة حمام على هيئة جاكيت طويل. يعني العشرون ألف دولار دفعها صاحبنا نظير اقتناء منشفة استخدمها بيكهام لتجفيف جسمه بعد الاستحمام في فندق كان يقيم فيه خلال مشاركته في بطولة كأس العالم لكرة القدم في كوريا الجنوبية واليابان عام 2002.
أحب مناشف الحمام الجميلة (ونسميها بشكير في السودان ومصر) وعندي منها الكثير ولكن قيمتها مجتمعة لا تبلغ 300 دولار، ورغم هذا تقوم بنفس الوظيفة التي قام بها الروب الذي استخدمه بيكهام، تماماً كما أن أحذيتي التي لا تزيد قيمة ما اقتنيته منها على مدى ثلاثين سنة على ألفي دولار تحمي رجلي ربما بأفضل ما يفعل حذاء رونالدو، من الهجير والأحجار والمسامير.
هل سمعتم بوارين بافيت؟ حدثتكم عنه كثيرا لأنني أحترمه كثيرا، ولمن فاتهم الاستماع بلغة الإذاعة، فإنه ملياردير أمريكي، وقد أعلن قبل سنوات قليلة ترك بلايينه لمؤسسة مليندا وبيل غيتس الخيرية التي تبلغ أصولها 59 مليار دولار، ولم يقل بافيت: أنا غني وسأنشئ منظمة خيرية تحمل اسمي، كي يعرف الناس «أفضالي عليهم»، بل قرر تسليم ثروته لملياردير آخر هو بيل غيتس كي ينفقها في محاربة المرض والفقر والجهل، وليس في شراء الأحذية والمناشف المستعملة!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك