العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كن طبيب نفسك أحيانا (1)

برغم‭ ‬احترامي‭ ‬الشديد‭ ‬للطب‭ ‬والأطباء،‭ ‬والتزامي‭ ‬بأي‭ ‬توجيه‭ ‬يصدرونه‭ ‬إليّ،‭ ‬فإنني‭ ‬لست‭ ‬ممن‭ ‬يهرولون‭ ‬الى‭ ‬العيادات‭ ‬الطبية‭ ‬بمجرد‭ ‬ظهور‭ ‬عارض‭ ‬صحي‭ ‬ما،‭ ‬فإذا‭ ‬أصبت‭ ‬باضطرابات‭ ‬هضمية‭ ‬فإنني‭ ‬أسترجع‭: ‬ماذا‭ ‬أكلت؟‭ ‬أكلت‭ ‬بعض‭ ‬الروب‭ ‬متناسيا‭ ‬أنني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬حساسية‭ ‬سكر‭ ‬اللبن‭ (‬الحليب‭)‬،‭ ‬وإذا‭ ‬أحسست‭ ‬بألم‭ ‬في‭ ‬عضلة‭ ‬القفص‭ ‬الصدري،‭ ‬فإنني‭ ‬أقوم‭ ‬بتحريك‭ ‬ذراعي‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاتجاهات‭ ‬وإذا‭ ‬اشتد‭ ‬الألم‭ ‬أو‭ ‬خفّ‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الحركات‭ ‬اطمأن‭ ‬قلبي‭ ‬بأن‭ ‬قلبي‭ ‬غير‭ ‬معتل‭.‬

ظللت‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ (‬صداع‭ ‬الجمعة‭)‬،‭ ‬سميته‭ ‬صداع‭ ‬الجمعة‭ ‬لأن‭ ‬العطلة‭ ‬اسبوعية‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬يوما‭ ‬واحدا‭ ‬فقط‭ ‬وهو‭ ‬الجمعة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬صارت‭ ‬العطلة‭ ‬يومي‭ ‬الجمعة‭ ‬والسبت‭ ‬حتى‭ ‬صرت‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬صداع‭ ‬الجمعة‭ ‬والسبت،‭ ‬ثم‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عطلة،‭ ‬عامة‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬عارضة‭ ‬أو‭ ‬سنوية‭ ‬يأتيني‭ ‬بالصداع،‭ ‬فاقترح‭ ‬عليّ‭ ‬أفرد‭ ‬أسرتي‭ ‬أن‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬خلال‭ ‬العطلات‭ ‬الأسبوعية،‭ ‬لأن‭ ‬إصابتي‭ ‬بالصداع‭ ‬خلال‭ ‬العطلات‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬مو‭ ‬وجه‭ ‬نعمة‭ ‬وراحة‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬أنهم‭ ‬استنتجوا‭ ‬أنني‭ ‬صنف‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬تنفع‭ ‬معه‭ ‬الراحة‭ ‬الجسدية‭ (‬ومعهم‭ ‬بعض‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أتمدد‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬ولو‭ ‬لدقائق‭ ‬إلا‭ ‬لأنام‭ ‬ليلا‭)‬،‭ ‬وبداهة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬وارداً‭ ‬أن‭ ‬الجأ‭ ‬إلى‭ ‬الأطباء‭ ‬لأشكو‭ ‬لهم‭ ‬أنني‭ ‬أعاني‭ ‬الصداع‭ ‬في‭ ‬الإجازات،‭ ‬لأن‭ ‬الوصفة‭ ‬العلاجية‭ ‬التي‭ ‬يقررونها‭ ‬لي‭ ‬هي‭ ‬‮«‬لا‭ ‬داعي‭ ‬للإجازات‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬جلست‭ ‬أحاول‭ ‬إيجاد‭ ‬تفسير‭ ‬منطقي‭ ‬لإصابتي‭ ‬بالصداع‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬معينة‭: ‬طيب‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أحشش‭ ‬أو‭ ‬أتناول‭ ‬المسكرات‭ ‬أو‭ ‬القهوة‭ ‬ليلة‭ ‬أي‭ ‬عطلة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ليلة‭ ‬أخرى،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الوجبات‭ ‬المسائية‭ ‬هي،‭ ‬هي،‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬والأربعاء‭ ‬والخميس‭ ‬وغيرهم،‭ ‬بس‭ ‬لا‭ ‬تنس‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬أنك‭ ‬تزود‭ ‬عيار‭ ‬النوم‭ ‬حبتين‭ ‬في‭ ‬العطل‭ ‬والإجازات‭! ‬وهكذا‭ ‬جربت‭ ‬أن‭ ‬أصحو‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬في‭ ‬المواعيد‭ ‬المبكرة‭ ‬المعتادة‭ ‬أيام‭ ‬العطل،‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬مدهشة‭. ‬اختفى‭ ‬صداع‭ ‬العطلات،‭ ‬وبعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬استنتجت‭ ‬أن‭ ‬الصداع‭ ‬كان‭ ‬ينجم‭ ‬عن‭ ‬خلل‭ ‬طارئ‭ ‬في‭ ‬برمجة‭ ‬جسمي،‭ ‬وكان‭ ‬منشأ‭ ‬الخلل‭ ‬النوم‭ ‬لساعات‭ ‬إضافية،‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬اعتاده‭ ‬جسمي‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬أيام‭ ‬الأسبوع‭ ‬والشهر‭ ‬والسنة‭. ‬ولم‭ ‬أخبر‭ ‬أحداً‭ ‬باستنتاجي‭ ‬الغريب‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬كلاماً‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬استنتاجي‭ ‬صحيح،‭ ‬في‭ ‬مواد‭ ‬نشرتها‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية‭ ‬خلال‭ ‬فعاليات‭ ‬أسبوع‭ ‬التوعية‭ ‬بالصداع‭ ‬النصفي migraine awareness week، حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬النشرات‭ ‬أن‭ ‬الراحة‭ ‬لمدة‭ ‬لم‭ ‬يعتدها‭ ‬الجسم‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬الصداع‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬الإجهاد‭. ‬فمن‭ ‬يصحُ‭ ‬متأخرا‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬العطلات‭ ‬يغير‭ ‬برنامج‭ ‬النوم‭ ‬ومواعيد‭ ‬الافطار‭ ‬وتناول‭ ‬الشاي،‭ ‬مما‭ ‬يربك‭ ‬الروتين‭ ‬الذي‭ ‬اعتاده‭ ‬الجسم‭.‬

وعانيت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬الرسغ‭ ‬الأيسر‭ ‬أي‭ ‬نقطة‭ ‬التقاء‭ ‬الكف‭ ‬بعظمة‭ ‬الذراع،‭ ‬ولجأت‭ ‬إلى‭ ‬أطباء‭ ‬العظام‭ ‬والجهاز‭ ‬العصبي‭ ‬الذين‭ ‬صوروا‭ ‬مفصل‭ ‬يدي‭ ‬بالأشعة‭ ‬السينية‭ ‬والميمية‭ ‬والنونية،‭ ‬وفشلوا‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬سر‭ ‬العلة،‭ ‬وصرت‭ ‬أستخدم‭ ‬الدهانات‭ ‬ذات‭ ‬الرائحة‭ ‬النفاذة‭ ‬لتهدئة‭ ‬الألم،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تسيب‭ ‬في‭ ‬حنفية‭ ‬أنفي‭ ‬فصارت‭ ‬تسيل‭ ‬منه‭ ‬مواد‭ ‬#@+*&‭ ‬لا‭ ‬مؤاخذة،‭ ‬ثم‭ ‬جلست‭ ‬أفكر‭: ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الألم‭ ‬في‭ ‬اليد‭ ‬اليسرى‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬اليمنى‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كلتيهما‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬نفس‭ ‬اليوم‭ ‬والشهر‭ ‬والسنة؟‭ ‬ثم‭ ‬تذكرت‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أطيق‭ ‬الحر،‭ ‬وأن‭ ‬مكيف‭ ‬السيارة‭ ‬عندي‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الفرامل‭/ ‬البريك‭/ ‬الكوابح،‭ ‬وأن‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬الفتحة‭ ‬اليسرى‭ ‬لمكيف‭ ‬السيارة‭ ‬واليد‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬20‭ ‬سنتمترا،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬ذلك‭ ‬المكيف‭ ‬يضرب‭ ‬في‭ ‬الرسغ‭ ‬مباشرة،‭ ‬واليد‭ ‬اليسرى‭ ‬لا‭ ‬تبارح‭ ‬عجلة‭ ‬القيادة‭ ‬مطلقاً،‭ ‬بينما‭ ‬قد‭ ‬تستخدم‭ ‬اليمنى‭ ‬لتغيير‭ ‬ناقل‭ ‬السرعة‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬الموبايل‭ ‬أو‭ ‬نتركها‭ ‬مرتاحة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬العجلة،‭ ‬وهكذا‭ ‬عطلت‭ ‬فتحة‭ ‬التكييف‭ ‬اليسرى‭ ‬في‭ ‬السيارة‭ ‬وبدأ‭ ‬الألم‭ ‬في‭ ‬التلاشي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬زال‭ ‬تماماً‭.‬

لا‭ ‬أقصد‭ ‬أن‭ ‬أنصح‭ ‬القارئ‭ ‬بعدم‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الطب‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬علة‭ ‬ما،‭ ‬بل‭ ‬بمراقبة‭ ‬عاداته‭ ‬اليومية‭ ‬والسلوكية،‭ ‬أولاً‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يساعده‭ ‬ويساعد‭ ‬الطبيب‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬مسبب‭ ‬العلة‭ ‬وطرق‭ ‬الشفاء‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬تخفيف‭ ‬ويلاتها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا