زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كن طبيب نفسك أحيانا (1)
برغم احترامي الشديد للطب والأطباء، والتزامي بأي توجيه يصدرونه إليّ، فإنني لست ممن يهرولون الى العيادات الطبية بمجرد ظهور عارض صحي ما، فإذا أصبت باضطرابات هضمية فإنني أسترجع: ماذا أكلت؟ أكلت بعض الروب متناسيا أنني أعاني من حساسية سكر اللبن (الحليب)، وإذا أحسست بألم في عضلة القفص الصدري، فإنني أقوم بتحريك ذراعي في عدد من الاتجاهات وإذا اشتد الألم أو خفّ مع تلك الحركات اطمأن قلبي بأن قلبي غير معتل.
ظللت نحو عشرين سنة أعاني من (صداع الجمعة)، سميته صداع الجمعة لأن العطلة اسبوعية كانت حتى قبل سنوات قليلة يوما واحدا فقط وهو الجمعة، ولكن ما أن صارت العطلة يومي الجمعة والسبت حتى صرت أعاني من صداع الجمعة والسبت، ثم انتبهت إلى أن اليوم الأول من أي عطلة، عامة كانت أو عارضة أو سنوية يأتيني بالصداع، فاقترح عليّ أفرد أسرتي أن أحصل على عمل خلال العطلات الأسبوعية، لأن إصابتي بالصداع خلال العطلات دليل على أنني «مو وجه نعمة وراحة» بمعنى أنهم استنتجوا أنني صنف من البشر لا تنفع معه الراحة الجسدية (ومعهم بعض الحق في ذلك لأنني لا أتمدد على السرير ولو لدقائق إلا لأنام ليلا)، وبداهة ما كان وارداً أن الجأ إلى الأطباء لأشكو لهم أنني أعاني الصداع في الإجازات، لأن الوصفة العلاجية التي يقررونها لي هي «لا داعي للإجازات»، وهكذا جلست أحاول إيجاد تفسير منطقي لإصابتي بالصداع في أيام معينة: طيب أنا لا أحشش أو أتناول المسكرات أو القهوة ليلة أي عطلة أو في أي ليلة أخرى، بل حتى الوجبات المسائية هي، هي، يوم السبت والأربعاء والخميس وغيرهم، بس لا تنس يا أبو الجعافر أنك تزود عيار النوم حبتين في العطل والإجازات! وهكذا جربت أن أصحو من النوم في المواعيد المبكرة المعتادة أيام العطل، وكانت النتيجة مدهشة. اختفى صداع العطلات، وبعبارة أخرى استنتجت أن الصداع كان ينجم عن خلل طارئ في برمجة جسمي، وكان منشأ الخلل النوم لساعات إضافية، على غير ما اعتاده جسمي في بقية أيام الأسبوع والشهر والسنة. ولم أخبر أحداً باستنتاجي الغريب هذا إلى أن قرأت كلاماً يفيد بأن استنتاجي صحيح، في مواد نشرتها الصحف البريطانية خلال فعاليات أسبوع التوعية بالصداع النصفي migraine awareness week، حيث جاء في إحدى النشرات أن الراحة لمدة لم يعتدها الجسم قد تسبب الصداع تماماً كما الإجهاد. فمن يصحُ متأخرا في أيام العطلات يغير برنامج النوم ومواعيد الافطار وتناول الشاي، مما يربك الروتين الذي اعتاده الجسم.
وعانيت قبل سنوات من ألم شديد في الرسغ الأيسر أي نقطة التقاء الكف بعظمة الذراع، ولجأت إلى أطباء العظام والجهاز العصبي الذين صوروا مفصل يدي بالأشعة السينية والميمية والنونية، وفشلوا في اكتشاف سر العلة، وصرت أستخدم الدهانات ذات الرائحة النفاذة لتهدئة الألم، مما أدى إلى تسيب في حنفية أنفي فصارت تسيل منه مواد #@+*& لا مؤاخذة، ثم جلست أفكر: لماذا هذا الألم في اليد اليسرى وليس في اليمنى رغم أن كلتيهما من مواليد نفس اليوم والشهر والسنة؟ ثم تذكرت أنني لا أطيق الحر، وأن مكيف السيارة عندي أهم من الفرامل/ البريك/ الكوابح، وأن المسافة بين الفتحة اليسرى لمكيف السيارة واليد لا تزيد على 20 سنتمترا، مما يجعل ذلك المكيف يضرب في الرسغ مباشرة، واليد اليسرى لا تبارح عجلة القيادة مطلقاً، بينما قد تستخدم اليمنى لتغيير ناقل السرعة أو استخدام الموبايل أو نتركها مرتاحة بعيداً عن تلك العجلة، وهكذا عطلت فتحة التكييف اليسرى في السيارة وبدأ الألم في التلاشي إلى أن زال تماماً.
لا أقصد أن أنصح القارئ بعدم اللجوء إلى الطب إذا ما عانى من علة ما، بل بمراقبة عاداته اليومية والسلوكية، أولاً لأن ذلك يساعده ويساعد الطبيب على اكتشاف مسبب العلة وطرق الشفاء منها أو تخفيف ويلاتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك