العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الرد الإيراني: من الصبر الاستراتيجي إلى الفرقعة الصوتية!

{‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬بقيت‭ ‬في‭ ‬محراب‭ ‬الصمت‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬‮«‬ولم‭ ‬تقم‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬رداً‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬للمسرحية‭ ‬المُعدّة‭ ‬أو‭ ‬الرد‭ ‬الشكلي؟‭! ‬هل‭ ‬كان‭ ‬سيتغير‭ ‬الوضع‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬شيء؟‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الرد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متناسبا‭ ‬مع‭ (‬حزمة‭ ‬التصريحات‭ ‬الإيرانية‭ ‬الصاخبة‭) ‬منذ‭ ‬الهجوم‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬على‭ ‬سفارتها‭ ‬في‭ ‬دمشق‭! ‬

وحين‭ ‬قامت‭ ‬بالرد‭ ‬تساوى‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬أغلب‭ ‬المراقبين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الصمت‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬اعتادته‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬الاعتداءات‭ ‬‮«‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬أثناء‭ ‬مقتل‭ ‬‮«‬سليماني‮»‬‭ ‬تساوى‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الرد‭ ‬الهزيل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬‮«‬الكيان‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬ترد‭ ‬فيه‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭ ‬منذ‭ ‬1979‭! ‬فجاء‭ ‬الرد‭ ‬وكأنه‭ ‬‮«‬اعتذار‮»‬‭ ‬لا‭ ‬‮«‬انتقام‮»‬‭! ‬فهي‭ ‬قد‭ ‬أبلغت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبالتالي‭ ‬الكيان‭ ‬بالوساطة‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬مسيراتها‭ ‬وصواريخها‭ ‬والتوقيت‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭! ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬إسقاط‭ ‬أغلبها‭ ‬قبل‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الكيان‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬المتبقي‭ ‬القليل‭ ‬أي‭ ‬أضرار‭ ‬تذكر‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬أو‭ ‬الحجر‭ ‬أو‭ ‬المعدات‭ ‬أو‭ ‬الأماكن‭ ‬العسكرية‭ ‬وغيرها‭! ‬فلماذا‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬مسبقا‭ ‬كل‭ ‬خطواتها‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬حتى‭ ‬لدول‭ ‬الجوار،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تستغرق‭ ‬سوى‭ ‬ساعات‭ ‬قليلة،‭ ‬حتى‭ ‬أعلنت‭ ‬نهايتها‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭! ‬لماذا‭ ‬قامت‭ ‬إذًا‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الرد‭ ‬الهزلي‮»‬‭ ‬بحسب‭ ‬وصف‭ ‬الكثيرين؟‭!‬

{‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬الفرقعة‭ ‬الصوتية‮»‬‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬المسؤولين‭ ‬قد‭ ‬واصلت‭ ‬ذات‭ ‬الفاعلية‭ ‬من‭ (‬الأزيز‭ ‬الصوتي‭) ‬لمسيراتها،‭ ‬فكانت‭ ‬مسيرات‭ ‬صوتية‭ ‬وهي‭ ‬ترتطم‭ ‬بالأرض‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬حتى‭ ‬حفرة‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬فيها؟‭! ‬هل‭ ‬جاء‭ ‬الرد‭ ‬لمجرد‭ ‬‮«‬حفظ‭ ‬ماء‭ ‬الوجه‮»‬‭ ‬أمام‭ ‬أتباعها‭ ‬ووكلائها،‭ ‬الذين‭ ‬للغرابة‭ (‬هاجت‭ ‬بهم‭ ‬الفرحة‭) ‬وكأن‭ ‬إيران‭ ‬قد‭ ‬قامت‭ ‬بعمل‭ ‬عسكري‭ ‬خارق؟‭! ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الرد‭ ‬الشكلي‭ ‬كان‭ ‬كافيا‭ ‬لردع‭ ‬‮«‬الكيان‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬عن‭ ‬ضربات‭ ‬أخرى‭ ‬قادمة‭ ‬لأتباعها‭ ‬وقياداتها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬مثلاً،‭ ‬وكما‭ ‬فسر‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬إيران‭ ‬أرادت‭ ‬إيصال‭ ‬رسالة‭ ‬تتغير‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬في‭ ‬المنطقة؟‭! ‬أية‭ ‬قواعد‭ ‬للعبة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬بإمكان‭ ‬‮«‬إيران‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تغيرها‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬الرد‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الضربات‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬سرية‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬مباغتة،‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬المسرحية‭ ‬الهزلية؟‭! ‬هل‭ ‬هي‭ ‬لعبة‭ ‬كارتونية‭ ‬مثلاً؟‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬كان‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬ينتظر‭ ‬أمرا‭ ‬خارقا‭ ‬يتوقف‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬ضغط‭ ‬المظاهرات‭ ‬‮«‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحاصر‭ ‬الشوارع‭ ‬مطالبة‭ ‬باستقالته‭ ‬وانتخابات‭ ‬مبكرة،‭ ‬فجاء‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬الشكلي‭ ‬ليحوله‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬وجودي‭ ‬يجمع‭ ‬حوله‭ ‬كل‭ ‬المعارضين‭ ‬له‭ ‬ولحكمه‭!‬

‭-‬كان‭ ‬بايدن‭ ‬بدوره‭ ‬يريد‭ ‬مخرجا‭ ‬ليواصل‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬المالية‭ ‬والعسكرية‭ ‬للكيان‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المعترضين‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬حزبه‭ ‬‮«‬الديمقراطي‮»‬‭ ‬فجاءت‭ ‬الضربات‭ ‬الإيرانية‭ ‬الهزيلة‭ ‬لتفتح‭ ‬له‭ ‬الباب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭! ‬وأن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬المساعدات‭ ‬له‭ ‬مجددا‭ ‬ليواجه‭ ‬ذلك‭ ‬الخطر‭ ‬الورقي‭!‬

‭-‬كان‭ ‬قادة‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفي‭ ‬فرنسا‭ ‬وغيرها‭ ‬بحاجة‭ ‬بدورهم‭ ‬إلى‭ ‬حدث‭ ‬يواجهون‭ ‬به‭ ‬انقلاب‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬بسبب‭ ‬حرب‭ ‬إبادتها‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فجاء‭ ‬الحدث‭ ‬الكوميدي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تحويله‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬وجودي‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الكيان‭! ‬فيفزعوا‭ ‬فزعتهم‭ ‬في‭ ‬المناصرة‭ ‬له‭ ‬وقد‭ ‬أمسكوا‭ ‬بورقة‭ ‬التبرير‭ ‬بقوة‭ ‬وكأنها‭ ‬ورقة‭ ‬الإنقاذ‭ ‬لتبعيتهم‭ ‬للصهيونية‭!‬

‭-‬كان‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬انقلاب‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬وتبييض‭ ‬الوجه‭ ‬بعد‭ ‬انكشاف‭ ‬كل‭ ‬أوراق‭ ‬الوحشية‭ ‬فجاءت‭ ‬الضربات‭ ‬المفرغة‭ ‬من‭ ‬المفعول‭ ‬لتحوله‭ ‬إلى‭ ‬ضحية‭ ‬كما‭ ‬اعتاد‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬جرائمه،‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬حلفائه‭ ‬في‭ ‬الغرب‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لن‭ ‬ينطلي‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي‭ ‬لأن‭ ‬الرد‭ ‬الهزلي‭ ‬لإيران‭ ‬أكد‭ ‬للجميع‭ ‬أن‭ ‬التخادم‭ ‬السري‭ ‬بين‭ ‬ثلاثي‭ ‬الشر‭ (‬أمريكا‭ ‬والكيان‭ ‬وإيران‭) ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬صامدا‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الفرقعات‭ ‬الصوتية‭! ‬فالتصريحات‭ ‬الإيرانية‭ ‬النارية‭ ‬أنتجت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ردا‭ ‬هوائيا‭ ‬زالت‭ ‬عنه‭ ‬النيران‭ ‬العسكرية‭ ‬حين‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بمواجهة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭! ‬وأن‭ ‬ثلاثي‭ ‬الشر‭ ‬ودول‭ ‬غربية‭ ‬أخرى‭ ‬وأتباعهم‭ ‬من‭ ‬مليشيات‭ ‬الإرهاب‭ ‬الاستخبارية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬تتعاضد‭ ‬وتتحالف‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬وجغرافيا‭ ‬العرب‭ ‬وشعوبها‭ ‬قتلا‭ ‬وتمزيقا‭ ‬وإرهابا‭.‬

{‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬تصل‭ (‬لزوميات‭ ‬المسرحية‭ ‬المحبوكة‭) ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬مواجهة‭ ‬مصلحية‭ ‬بين‭ ‬ثلاثي‭ ‬أو‭ ‬أطراف‭ ‬الشر‭ ‬فإن‭ ‬المواجهة‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬شكلية‭ ‬وفرقعة‭ ‬صوتية‭ ‬ومسيرات‭ ‬يتم‭ ‬إعلانها‭ ‬حتى‭ ‬وهي‭ ‬تستغرق‭ ‬الساعات‭ ‬الطويلة‭ ‬لتقع‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إحداث‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭! ‬وأيضا‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬حربا‭ ‬على‭ ‬إيران‭! ‬لو‭ ‬بقيت‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الصمت‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬كان‭ ‬أفضل‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الفرقعة‭ ‬الصوتية‭ ‬لمسيراتها‭ ‬وصواريخها‭ ‬المحسوبة‭ ‬والمعلنة‭ ‬وقتا‭ ‬ونوعا‭ ‬وتأثيرا‭! ‬فالعالم‭ ‬كله‭ ‬شهد‭ ‬الواقعة‭ ‬ولن‭ ‬يفيد‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الشهادة‭ ‬تصريحات‭ ‬القادة‭ ‬الإيرانيين‭ ‬أو‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أو‭ ‬الأمريكان‭ ‬أو‭ ‬الغرب‭! ‬لقد‭ ‬أدرك‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬سيناريو‭ ‬ركيك‭ ‬لحفظ‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬الوجه‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬الوجه‭ ‬بعض‭ ‬ماء‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا