زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن ولع الطب بالبياض
تنحدر أم المعارك، التي هي زوجتي الأولى (والأخيرة)، من عائلة أكرمها الله بانخفاض ضغط الدم من دون أن يصل بها إلى مرحلة الخطر، ومع هذا ما إن تدخل مستشفى لمراجعة طبيب في أبسط الأمور، إلى وبلغ ضغط الدم عندها السقف، ومن ثم صارت ترفض تماما الخضوع لما يسمى باستقصاء العلامات الحيوية (الحرارة والضغط والوزن الخ) قبل مقابلة الطبيب، لأن نتيجة فحص الضغط تأتي خادعة، وحالتها هذه يسميها الطب متلازمة الروب/ الجاكيت الأبيض.
وظللت لحين طويل من الدهر أتساءل عن سر حرص المستشفيات على إلباس المريض المطالب بلزوم السرير فيها قميصاً لا يستر جسمه من الخلف، وعن سبب وجود رباط ذلك القميص المشقوق في ناحية الظهر، مما يضطر المريض إلى الاستعانة بفاعلي الخير كي يحكموا الرباط ويستروا مؤخرته، ثم قال لي أكثر من طبيب واحد يعمل في مجال الجراحة إن القميص المشقوق، المثقوب الخالي من الجيوب سهل النزع والخلع إذا تدهورت حالة المريض، ولكنني لا أعتقد أن وجود رباط القميص من الناحية الأمامية يعيق نزعه أو خلعه، بل لا أرى أن هناك ما يمنع أن يكون القميص بلا فتحات على الإطلاق (لا من ورا ولا من قدام)، ويستحسن أن يكون تفصيله بطريقة الجلباب السوداني ذي الاتجاهين وبأكمام واسعة (وبالمناسبة فان نزع الجلباب السوداني أسهل من تقشير الموز الناضج). باختصار فإن بيت القصيد عندي هو أنه لا معنى للمشهد الذي يتكرر في كل المستشفيات حيث يسير مرضى الأقسام الداخلية من موقع إلى آخر وهم يلوون أيديهم ليمسكوا بطرفي القميص الطبي الخليع الخلفيين طلباً للستر.
وطرحت سؤالا على طبيب جراح حول لماذا يحرص الأطباء على ارتداء الروب الأبيض بينما هو يمثل حاجزا نفسيا بين المريض والطبيب، فقال: إن لون الروب دليل حرص على النظافة، وتعبير عما في القلوب! قلت له: طيب يا دكتور، أنا لوني أسود خلقة ربنا، هل قلبي أسود؟ وأضفت: استسمحك في طرح هذا السؤال رغم أنني أعرف أنك لم تقل ولا أحسب أنك من النوع الذي يقول إن سواد اللون دليل سوء النية، وأن السود أشرار كما يحسب الأمريكي الأخرق الخرنق دونالد ترامب الذي سينافس في الانتخابات الرئاسية المقبلة شخصا يماثله في التخريف هو الرئيس الحالي جو بايدن
ما يسمى وايت كوت سيندروم، وتعني متلازمة/ مرض الجاكيت الأبيض، والمتلازمة / السيندروم هي الظاهرة غير شائعة الحدوث، والمعروف لدى الدوائر الطبية أن تلك المتلازمة تسبب توتراً، أو ارتفاعاً في ضغط الدم لدى بعض المرضى، أي أن العفاريت قد تركب المريض بمجرد جلوسه في مواجهة طبيب يرتدي الروب الأبيض! زبدة كلامي هو أنه لا داعي لجاكيت أو روب أبيض أو بمبي أو كحلي.. ولنتذكر أن الحلاقين والجزارين باتوا يؤدون أعمالهم مرتدين نفس الجاكيت «الطبي» الأبيض، فلماذا لا يكتفي الطبيب بملابسه العادية، أخذاً في الاعتبار أن نسبة عالية من الأطفال تصاب بحالة هستيريا بمجرد جلوسهم أمام صاحب الروب الأبيض (يبدو أن عندي كلمة في الدوائر الطبية الأوربية فقد صارت معظم دول أوربا تمنع الطبيب والممرضات من ارتداء أي أزياء مميزة).
أما طبيب الأسنان فأقترح أن يرتدي على الدوام، خلال الدوام ملابس كاجوال (مثلاً بنطلون جينز وفانلة عليها صورة ميكي ماوس)، لأنني شخصياً أصاب بالرؤية المزدوجة double vision عندما أرى طبيب أسنان. والغريب في الأمر هو أنني أكون ثابتاً ومتماسكاً بمجرد الجلوس على كرسي الأسنان، لأنني ساعتها أكون مدركاً أن الطبيب يحاول مساعدتي، وأنه ما لم أتحمل الألم الناجم عن قيامه بالحفر والتنقيب في فمي، فإنني سأعاني آلاما لن يجدي معها عقار مسكن أو مهدئ! وهناك اتجاه لجعل تعامل المرضى مع الأطباء أكثر تعقيدا بجعل ملابس العاملين في الحقل الطبي، مثل ملابس العاملين في مجال الطيران أو العسكرية بحيث تعرف من العلامات على كتف الطبيب نوع ودرجة تخصصه فتقرر أن تجلس أمامه أو..... تهرب. وبين الممرضات هناك من هي برتبة عريف أو رقيب/ شاويش.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك