العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لا يحترمون حرمة الموتى

لا‭ ‬ينكر‭ ‬إلا‭ ‬مكابر‭ ‬جمائل‭ ‬أهل‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬عموما،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬الرواد‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الكشوفات‭ ‬العلمية‭ ‬والجغرافية‭ ‬والمخترعات،‭ ‬وأنت‭ ‬تقرأ‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الغرب،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أرفضه‭ ‬تماما‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ينصب‭ ‬الغربيون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أوصياء‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬بشراً‭ ‬وحيوانات‭ ‬ونباتات‭ ‬وجمادات،‭ ‬وينسبوا‭ ‬كل‭ ‬الفضائل‭ ‬إلى‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ومؤكد‭ ‬أنهم‭ ‬متفوقون‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الميادين‭ ‬العلمية‭ ‬والمعرفية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعطيهم‭ ‬حق‭ ‬الوصاية‭ ‬علينا‭ ‬مهما‭ ‬تشدقوا‭ ‬بالقيم‭ ‬والمثل‭ ‬وصاغوا‭ ‬اللوائح‭ ‬والمواثيق،‭ ‬وألبسونا‭ ‬شتى‭ ‬أنواع‭ ‬التهم‭: ‬تخلف‭ ‬على‭ ‬إرهاب‭ ‬على‭ ‬كباب‭.‬

أستحضر‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لمراسل‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬المخضرم‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬ألستر‭ ‬كوك‭ ‬الذي‭ ‬مات‭ ‬عن‭ ‬95‭ ‬سنة،‭ ‬ثم‭ ‬اكتشفت‭ ‬ابنته‭ ‬لاحقاً‭ ‬أن‭ ‬المستشفى‭ ‬الذي‭ ‬أسلم‭ ‬فيه‭ ‬الروح‭ ‬قام‭ ‬ببتر‭ ‬ساقيه‭ ‬ويديه‭ ‬وبيعهما‭ ‬لمستشفى‭ ‬آخر‭ ‬لزرعها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬ضحايا‭ ‬الحوادث‭ ‬المرورية،‭ ‬وقبل‭ ‬نحو‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬أيضاً‭ ‬اكتشفت‭ ‬الشرطة‭ ‬الألمانية‭ ‬أن‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬عمال‭ ‬محرقة‭ ‬للجثث‭ ‬ظلوا‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬يكسبون‭ ‬شهرياً‭ ‬نحو‭ ‬سبعة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬الأسنان‭ ‬الذهبية‭ ‬للموتى،‭ ‬وكشف‭ ‬تحقيق‭ ‬الشرطة‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يستخدمون‭ ‬الكماشات‭ ‬لخلع‭ ‬الأضراس‭ (‬بدون‭ ‬بنج‭.. ‬تخيّل‭) ‬قبل‭ ‬حرق‭ ‬الجثث،‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يستخدمون‭ ‬المنخل‭/‬الغربال‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬أسنان‭ ‬ذهبية‭ ‬وسط‭ ‬رماد‭ ‬الجثث‭ (‬ربما‭ ‬لم‭ ‬ينتبهوا‭ ‬لوجودها‭ ‬قبل‭ ‬الحرق‭).‬

المضحك‭ ‬والمبكي‭ ‬في‭ ‬آن،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الثلاثة‭ ‬انكشف‭ ‬لأن‭ ‬سيدة‭ (‬بلا‭ ‬قلب‭) ‬تذكرت‭ ‬أن‭ ‬زوجها‭ ‬الراحل‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬عدة‭ ‬أسنان‭ ‬مكسوة‭ ‬بالذهب‭ ‬وقالت‭: ‬خسارة‭ ‬أن‭ ‬تحرق‭ ‬تلك‭ ‬الأسنان‭ ‬وأنا‭ ‬أولى‭ ‬بها،‭ ‬فقررت‭ ‬استردادها،‭ ‬ودخلت‭ ‬المحل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬التابوت‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬جثمانه،‭ ‬توطئة‭ ‬للتوجه‭ ‬به‭ ‬الى‭ ‬المحرقة،‭ ‬وفوجئت‭ ‬بأن‭ ‬أسنانه‭ ‬الذهبية‭ (‬طارت‭) ‬فأحضرت‭ ‬الفواتير‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬طبيب‭ ‬الأسنان‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الراحل‭ ‬العزيز‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تزود‭ ‬بعدة‭ ‬أسنان‭ ‬ذهبية‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة،‭ ‬فتم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الرجال‭ ‬الثلاثة‭ ‬وتم‭ ‬تقديمهم‭ ‬للمحاكمة‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تغريمهم‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة‭.‬

وربما‭ ‬يذكر‭ ‬من‭ ‬قرأ‭ ‬لي‭ ‬هنا‭ ‬بانتظام‭ ‬مقالا‭ ‬لي‭ ‬قديم‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬بابا‭ ‬خاتم‮»‬‭ ‬المتعلق‭ ‬بحكاية‭ ‬الأرملة‭ ‬البريطانية‭ ‬التي‭ ‬اتفقت‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بجثمان‭ ‬الزوج‭/ ‬الأب‭ ‬على‭ ‬‮«‬أحسن‮»‬‭ ‬حال،‭ ‬واتفقوا‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬على‭ ‬حرقه‭ ‬ثم‭ ‬هرس‭ ‬رماد‭ ‬عظامه‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬شديد‭ ‬جدا‭ ‬بدرجة‭ ‬محسوبة،‭ ‬ونجحت‭ ‬الفكرة‭ ‬وحصلوا‭ ‬على‭ ‬فص‭ ‬ماس‭/ ‬ألماظ،‭ (‬وهو‭ ‬حجر‭ ‬كريم‭ ‬ينجم‭ ‬عن‭ ‬انضغاط‭ ‬الكربون‭ ‬الشديد‭)‬،‭ ‬ووضعت‭ ‬الأم‭ ‬الفص‭ ‬على‭ ‬خاتم‭ ‬وصارت‭ ‬تتباهى‭ ‬بالمجالس‭ ‬عارضة‭ ‬الخاتم‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬بالمصري‭ ‬‮«‬دا‭ ‬جوزي‮»‬‭.‬

وربما‭ ‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬الحكاية‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬من‭ ‬إيرادها‭ ‬مجدداً‭ ‬علها‭ ‬تكون‭ ‬عظة‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬حرمة‭ ‬الموتى‭: ‬ففي‭ ‬مدينة ****‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬السودان‭ ‬والتي‭ ‬قضيت‭ ‬بها‭ ‬معظم‭ ‬سنوات‭ ‬صباي‭ ‬وشبابي‭ ‬الباكر‭ (‬يعني‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب‭ ‬المتأخر‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬مجنون‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وفجأة‭ ‬ينفض‭ ‬يده‭ ‬اليمنى‭ ‬ويرفعها‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬وهو‭ ‬يصيح‭: ‬فك‭ (‬أترك‭).. ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬ممرضاً‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬المدينة،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬أتى‭ ‬الإسعاف‭ ‬إلى‭ ‬المشرحة‭ ‬بجثمان‭ ‬شخص‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬مروري،‭ ‬وانتبه‭ ‬الممرض‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المتوفى‭ ‬يرتدي‭ ‬ساعة‭ ‬جميلة،‭ ‬فقرر‭ ‬التسلل‭ ‬إلى‭ ‬المشرحة‭ ‬بعد‭ ‬هبوط‭ ‬الظلام‭ ‬لسرقة‭ ‬الساعة،‭ ‬وكان‭ ‬بالمدينة‭ ‬متشرد‭ ‬سكير‭ ‬قادته‭ ‬قدماه‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬وأحس‭ ‬بالنعاس‭ ‬فقرر‭ ‬دخول‭ ‬المشرحة‭ ‬وكانت‭ ‬غرفة‭ ‬كئيبة‭ ‬تبعد‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬مباني‭ ‬المستشفى،‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬المتشرد‭ ‬سوى‭ ‬نقالة‭ ‬عليها‭ ‬ذلك‭ ‬الميت،‭ ‬فألقى‭ ‬به‭ ‬أرضاً‭ ‬وتمدد‭ ‬على‭ ‬النقالة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غطى‭ ‬جسمه‭ ‬بالملاءة‭ (‬الشرشف‭) ‬البيضاء،‭  ‬وبعد‭ ‬قليل‭ ‬تسلل‭ ‬الممرض‭ ‬إلى‭ ‬المشرحة‭ ‬وحرص‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬استخدام‭ ‬الإضاءة‭ ‬وتحسس‭ ‬يد‭ ‬الشخص‭ ‬الممدد‭ ‬على‭ ‬النقالة‭ ‬بحسبانه‭ ‬الميت‭ (‬أبو‭ ‬ساعة‭ ‬حلوة‭).. ‬فإذا‭ ‬بـ‭ (‬الميت‭) ‬ينتزع‭ ‬يده‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬الممرض‭ ‬بعنف‭ ‬وهو‭ ‬يصيح‭: ‬فك‭.. ‬وهكذا‭ ‬ازداد‭ ‬عدد‭ ‬المجانين‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬واحداً‭ ‬لأن‭ ‬الممرض‭ ‬ظل‭ ‬منذ‭ ‬يومها‭ ‬يمشي‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وتنتفض‭ ‬يده‭ ‬اليمنى‭ ‬هلعاً‭ (‬وهو‭ ‬يصيح‭: ‬فك‭) ‬لأن‭ ‬شخصاً‭ ‬ميتاً‭ ‬لمسها‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا