العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كنت على حق

كلما‭ ‬أعربت‭ ‬عن‭ ‬خوفي‭ ‬من‭ ‬ركوب‭ ‬الطائرة،‭ ‬جاءني‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬عدد‭ ‬ضحايا‭ ‬حوادث‭ ‬السيارات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬ضحايا‭ ‬سقوط‭ ‬الطائرات،‭ ‬وهذه‭ ‬مقارنة‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ساقين،‭ ‬ففي‭ ‬الهند‭ ‬وحدها‭ ‬هناك‭ ‬338‭ ‬مليون‭ ‬سيارة‭ ‬بينما‭ ‬عدد‭ ‬الطائرات‭ ‬المدنية‭ ‬والحربية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬دون‭ ‬70‭ ‬ألفا،‭ ‬وهكذا‭ ‬وبمرور‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أزداد‭ ‬تيقنا‭ ‬بأن‭ ‬خوفي‭ ‬من‭ ‬ركوب‭ ‬الطائرات‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يبرره،‭ ‬وبأن‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬طاقم‭ ‬الضيافة‭ ‬لتعليم‭ ‬الركاب‭ ‬كيفية‭ ‬لبس‭ ‬طوق‭ ‬النجاة‭ ‬وكمامات‭ ‬الأوكسجين،‭ ‬كلام‭ ‬فارغ‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬يؤخر،‭ ‬ودعني‭ ‬ودعك‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الركوب‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬طائر،‭ ‬والتي‭ ‬تفاقمت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بات‭ ‬الصندوق‭ ‬تحت‭ ‬تصرف‭ ‬طيار‭ ‬آلي‭ ‬هو‭ ‬الكمبيوتر‭! ‬أليس‭ ‬منتهى‭ ‬العبث‭ ‬والاستهتار‭ ‬بالأرواح‭ ‬أن‭ ‬نوكل‭ ‬أمر‭ ‬قيادة‭ ‬طائرة‭ ‬إلى‭ ‬كمبيوتر‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بالذات‭ ‬نعرف‭ ‬مدى‭ ‬عبث‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬عندما‭ ‬يصدر‭ ‬فواتير‭ ‬الهواتف‭ ‬والكهرباء‭ ‬بمزاجه،‭ ‬وهل‭ ‬نسينا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬بعادل‭ ‬إمام‭ ‬حين‭ ‬قطع‭ ‬عنه‭ ‬الخدمة‭ ‬الهاتفية‭ ‬وقرر‭ ‬سحب‭ ‬العدة‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يملك‭ ‬تلفوناً؟

وهل‭ ‬تذكرون‭ ‬حادث‭ ‬طائرة‭ ‬جيرمان‭ ‬وينغز،‭ ‬التابعة‭ ‬لشركة‭ ‬لوفتهانزا‭ ‬العملاقة‭ ‬للطيران،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬من‭ ‬برشلونة‭ ‬في‭ ‬اسبانيا‭ ‬الى‭ ‬دسلدورف‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬عندما‭ ‬خرج‭ ‬القبطان‭ ‬من‭ ‬قمرة‭ ‬القيادة،‭ ‬ثم‭ ‬حاول‭ ‬العودة‭ ‬اليها‭ ‬واكتشف‭ ‬ان‭ ‬مساعده‭ ‬الشاب‭ ‬اغلق‭ ‬الباب‭: ‬افتح‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬الحلال،‭ ‬أنا‭ ‬طلعت‭ ‬من‭ ‬الحمام،‭ ‬ولكن‭ ‬مساعد‭ ‬الطيار‭ ‬طنش‭ ‬رجاء‭ ‬قائده،‭ ‬واندفع‭ ‬بالطائرة‭ ‬الى‭ ‬أسفل،‭ ‬وكان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ارتطامها‭ ‬بالجانب‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬جبال‭ ‬الألب‭ ‬وهلاك‭ ‬150‭ ‬شخصا،‭ ‬وبعد‭ ‬وقوع‭ ‬الفأس‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ‬قالت‭ ‬الشركة‭: ‬هو‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬إنه‭ ‬عنده‭ ‬ميول‭ ‬انتحارية،‭ ‬وحسبنا‭ ‬أنه‭ ‬شفي‭ ‬منها،‭ ‬وكأن‭ ‬الاضطرابات‭ ‬النفسية‭ ‬نوبة‭ ‬‮«‬برد‮»‬‭ ‬وتعدي‭.‬

إيما‭ ‬كريستوفر‭ ‬سن‭ ‬شابة‭ ‬بريطانية‭ ‬في‭ ‬الثامنة‭ ‬والعشرين،‭ ‬وصلت‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬طائرة‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬هيثرو‭ ‬بلندن‭ ‬ثم‭ ‬أسلمت‭ ‬الروح،‭ ‬واتضح‭ ‬أنها‭ ‬وبسبب‭ ‬ضيق‭ ‬الحيز‭ ‬المخصص‭ ‬لمد‭ ‬الساقين‭ ‬في‭ ‬الطائرة‭ ‬ومن‭ ‬طول‭ ‬الانحشار‭ ‬في‭ ‬المقعد‭ ‬أصيبت‭ ‬بتجلط‭ ‬الدم‭ ‬في‭ ‬الساقين‭ ‬ثم‭ ‬زحفت‭ ‬الجلطة‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬فكانت‭ ‬القاضية،‭ ‬وكعادتها‭ ‬فإن‭ ‬الصحافة‭ ‬البريطانية‭ ‬نبشت‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬سلامة‭ ‬السفر‭ ‬جواً‭ ‬واكتشفت‭ ‬أن‭ ‬الحيز‭ ‬المخصص‭ ‬للبشر‭ ‬في‭ ‬الطائرات‭ ‬أضيق‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الحيز‭ ‬المخصص‭ ‬للحيوانات،‭ ‬فعند‭ ‬نقل‭ ‬الكلاب‭ ‬جواً‭ ‬يشترط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الصندوق‭ ‬الذي‭ ‬توضع‭ ‬فيه‭ ‬ضعف‭ ‬حجمها‭ ‬بحيث‭ ‬يتسنى‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬وأن‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬نفسها‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬انسياب‭ ‬الدورة‭ ‬الدموية،‭ ‬أما‭ ‬الحصان‭ ‬فإنه‭ ‬يمنع‭ ‬تحميله‭ ‬على‭ ‬الطائرة‭ ‬إلا‭ ‬قبل‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الإقلاع،‭ ‬بينما‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬راحة‭ ‬المسافر‭ ‬الآدمي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المسافة‭ ‬من‭ ‬مسند‭ ‬الظهر‭ ‬إلى‭ ‬المقعد‭ ‬الأمامي‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬26‭ ‬بوصة‭ (‬في‭ ‬الرحلات‭ ‬الجوية‭ ‬الطويلة‭ ‬يستحسن‭ ‬تناول‭ ‬حبة‭ ‬اسبرين‭ ‬او‭ ‬شوكولاتة‭ ‬سوداء،‭ ‬لضمان‭ ‬سيولة‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬تمنع‭ ‬تجلط‭ ‬شريان‭ ‬الساق‭ ‬العميق‭ ‬DVT‭ ‬ولو‭ ‬استطعت‭ ‬ان‭ ‬حاول‭ ‬ان‭ ‬تتمشى‭ ‬في‭ ‬ممر‭ ‬الطائرة‭ ‬أو‭ ‬قم‭ ‬بتحريك‭ ‬قدميك‭ ‬الى‭ ‬الامام‭ ‬والخلف‭ ‬بانتظام‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متقاربة‭).‬

ربما‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬تعمد‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬الحسناوات‭ ‬كمضيفات‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬تحركهن‭ ‬داخل‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬إنعاش‭ ‬قلوب‭ ‬الرجال،‭ ‬وإشعال‭ ‬الغيرة‭ ‬في‭ ‬صدور‭ ‬النساء‭ ‬فتضخ‭ ‬القلوب‭ ‬الدماء‭ ‬بكفاءة‭ ‬عالية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬مجدياً‭ ‬مع‭ ‬الجميع‭ ‬ففي‭ ‬ذات‭ ‬عام‭ ‬استضافت‭ ‬الخرطوم‭ ‬مؤتمر‭ ‬اتحاد‭ ‬المعلمين‭ ‬العرب،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬ليلة‭ ‬أكل‭ ‬نقابي‭ ‬عربي‭ ‬مناضل‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬ثلاثة‭ ‬جِمال،‭ ‬وفي‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬أقلت‭ ‬طائرة‭ ‬شحن‭ ‬عسكرية‭ ‬الوفود‭ ‬إلى‭ ‬جوبا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬وفي‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭ ‬أصيب‭ ‬صاحبنا‭ ‬باضطرابات‭ ‬هضمية‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بالطائرة‭ ‬دورة‭ ‬مياه‭ ‬فأجلسوا‭ ‬إلى‭ ‬جانبه‭ ‬مضيفة‭ ‬تشيكية‭ ‬حسناء‭ ‬تداعبه‭ ‬وتنسيه‭ ‬معاناته،‭ ‬ولكنه‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يجدي‭ ‬وظل‭ ‬يذرع‭ ‬كابينة‭ ‬الطائرة‭ ‬بالطول‭ ‬والعرض‭ ‬حتى‭ ‬انهارت‭ ‬أنظمته‭ ‬الدفاعية‭ ‬و«عملها‮»‬‭ ‬وأصبحت‭ ‬الطائرة‭ ‬مثل‭ ‬محطة‭ ‬تجميع‭ ‬حصيلة‭ ‬المجاري،‭ ‬وأصيب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الركاب‭ ‬بنوبات‭ ‬ربو،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬الطائرة‭ ‬إلى‭ ‬جوبا‭ ‬أذاع‭ ‬زملاء‭ ‬صاحبنا‭ ‬سره‭ ‬فاضطر‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم‭ ‬بمفرده‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬بلاده‭ ‬حيث‭ ‬اعتزل‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬والتدريس‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا