العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أبشروا يا مدخنون (1)

أقلعت‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭ ‬مكرها‭ ‬لا‭ ‬بطلا،‭ ‬وكنت‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬طبيب‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فسـ«أنجلط‮»‬‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الأربعين‭ ‬او‭ ‬قبلها،‭ ‬وعقب‭ ‬كل‭ ‬إفطار‭ ‬رمضاني‭ ‬تراودني‭ ‬النفس‭ ‬الأمارة‭ ‬بالشفط‭ ‬أن‭ ‬أشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬كي‭ ‬احس‭ ‬بتلك‭ ‬‮«‬السخسخة‮»‬‭ ‬اللذيذة،‭ ‬ثم‭ ‬تبارت‭ ‬وزارات‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬ذم‭ ‬التبغ،‭ ‬ولكن‭ ‬ولا‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬فعلت‭ ‬ما‭ ‬فعلت‭ ‬مملكة‭ ‬بوتان‭ ‬المغروسة‭ ‬وسط‭ ‬جبال‭ ‬الهملايا‭ ‬حيث‭ ‬زراعة‭ ‬وحيازة‭ ‬التبغ‭ ‬ممنوعة‭ ‬تماما‭.‬

ومازال‭ ‬الأطباء‭ ‬والعلماء‭ ‬يقولون‭ ‬في‭ ‬السجائر‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ ‬في‭ ‬فيفي‭ ‬عبده‭ ‬والفيشاوي‭ ‬أو‭ ‬مقدمة‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية‭ ‬السخيفة‭ ‬ليليان‭ ‬القندران‭ (‬كلمة‭ ‬يطلقها‭ ‬السودانيون‭ ‬على‭ ‬الشاحنة‭ ‬الضخمة،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭: ‬كده‭ ‬كدة‭ ‬يا‭ ‬التريلا‭ ‬قاطرها‭ ‬قندران‭.. ‬والتريلا‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬شرحت‭ ‬هي‭ ‬التريلر‭ ‬أي‭ ‬المقطورة‭ ‬الملحقة‭ ‬بالشاحنة‭ ‬أي‭ ‬القندران‭ ‬والمراد‭ ‬بها‭ ‬أرداف‭ ‬المرأة،‭ ‬فانظر‭ ‬فساد‭ ‬الذوق،‭ ‬وكف‭ ‬عن‭ ‬ترديد‭ ‬هذه‭ ‬الأغنية‭ ‬الركيكة‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬الفضائيات‭ ‬العربية‭ ‬كالوباء‭ ‬حتى‭ ‬حسبها‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬روضة‭ ‬أطفال،‭ ‬النشيد‭ ‬الوطني‭ ‬السوداني‭). ‬وليس‭ ‬لتلك‭ ‬الصفة‭ ‬التي‭ ‬أسبغتها‭ ‬على‭ ‬ليليان‭ ‬صلة‭ ‬بوزنها‭ ‬فأنا‭ ‬من‭ ‬نفر‭ ‬يزنون‭ ‬جمال‭ ‬النساء‭ ‬بالكيلو،‭ ‬ولا‭ ‬أتعاطف‭ ‬مع‭ ‬ذوات‭ ‬الكوارع‭ ‬والعظام‭ ‬البارزة،‭ ‬ولكنني‭ ‬وصفتها‭ ‬بالقندران‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬مثل‭ ‬الشاحنة‭ ‬تنطلق‭ ‬بلا‭ ‬كوابح‭ ‬مجتازة‭ ‬الفضاء‭ ‬بلا‭ ‬توقف‭ ‬بضع‭ ‬ساعات،‭ ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬الشاحنة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬لماذا‭ ‬هي‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬تفعل،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬ليليان‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬شيئًا‭ ‬مما‭ ‬تقوله‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬الساعات‭. ‬ببغاء‭ ‬عقلها‭ ‬في‭ ‬أذنيها،‭ ‬وتلك‭ ‬من‭ ‬نعم‭ ‬الله‭ ‬عليها‭ ‬لأنها‭ ‬لو‭ ‬حاولت‭ ‬استيعاب‭ ‬الكلام‭ ‬الذي‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬فمها‭ ‬حسن‭ ‬التلوين‭ ‬لأصيبت‭ ‬قواها‭ ‬العقلية‭ ‬بخلل‭ ‬تصعب‭ ‬معالجته‭. (‬استجاب‭ ‬الله‭ ‬لدعائي‭ ‬فخسف‭ ‬بليليان‭ ‬الأرض‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تلوث‭ ‬الفضاء‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬استغنت‭ ‬عنها‭ ‬القناة‭ ‬الفضائية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تطل‭ ‬علينا‭ ‬عبر‭ ‬شاشاتها‭ ‬بشكلها‭ ‬القميء‭ ‬ودمها‭ ‬الثقيل‭ ‬وهي‭ ‬تردد‭ ‬العبارة‭ ‬البلهاء‭: ‬طعمين‭ ‬وحلوين‭ ‬وبنحبكم‭.. ‬ثم‭ ‬تنفخ‭ ‬في‭ ‬وجوهنا‭ ‬بوسة‭ ‬ملوثة‭).‬

ويطيب‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أزف‭ ‬اليوم‭ ‬البشرى‭ ‬لجماهير‭ ‬المدخنين،‭ ‬وأن‭ ‬أنقل‭ ‬إليهم‭ ‬فحوى‭ ‬تقرير‭ ‬علمي‭ ‬يقول‭: ‬إن‭ ‬نحو‭ ‬أربعين‭ ‬صنفا‭ ‬من‭ ‬السجائر‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الأنواع‭ ‬الأكثر‭ ‬رواجا‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬مادة‭ ‬إضافية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الكراميل‭ ‬الذي‭ ‬تصنع‭ ‬منه‭ ‬الحلوى‭ ‬المعروفة‭ ‬التي‭ ‬ناضلت‭ ‬في‭ ‬شبابي‭ ‬كثيرًا‭ ‬لأخذ‭ ‬كفايتي‭ ‬منها،‭ ‬ولأن‭ ‬ثقافة‭ ‬أمي‭ ‬المطبخية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التحلية‭ ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬الكسترد‭ (‬يحذف‭ ‬العرب‭ ‬الدال‭ ‬منها‭ ‬لتخفيف‭ ‬النطق‭ ‬فيجعلونها‭ ‬كستر‭ ‬كما‭ ‬فعلوا‭ ‬مع‭ ‬البيكنق‭ ‬باودرBAKING‭ ‬POWDER‭  ‬فجعلوها‭ ‬باكن‭ ‬بودر‭) ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أتوجه‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬فنادق‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬لأكل‭ ‬الكريم‭ ‬كراميل‭ ‬الشهية‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭ ‬الناس‭ ‬عادة‭ ‬بعد‭ ‬الوجبة‭ ‬الرئيسية؛‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬إمكاناتي‭ ‬المادية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تسمح‭ ‬لي‭ ‬بمثل‭ ‬تلك‭ ‬الوجبة،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أنتحي‭ ‬ركنًا‭ ‬قصيا‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬الفندق‭ ‬وأطلب‭ ‬الكريم‭ ‬كراميل‭ ‬وأظل‭ ‬ألعق‭ ‬الصحن‭ ‬أو‭ ‬الطبق‭ ‬لنحو‭ ‬ساعتين‭ ‬لتطويل‭ ‬المتعة‭ ‬والبقاء‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬به‭ ‬تكييف‭ ‬هواء‭.‬

ويقول‭ ‬تقرير‭ ‬نشرته‭ ‬‮«‬صنداي‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬إن‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬إضافة‭ ‬الكراميل‭ ‬إلى‭ ‬التبغ‭ ‬هو‭ ‬جعل‭ ‬طعمه‭ ‬مستساغًا‭ ‬لصغار‭ ‬السن،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الإضافات‭ ‬إلى‭ ‬التبغ‭ ‬الكاكاو‭ ‬والفواكه‭ ‬المجففة‭ ‬والعسل‭ ‬الطبيعي‭ ‬والصناعي،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬السجائر‭ ‬ذات‭ ‬فوائد‭ ‬غذائية‭ ‬عالية،‭ ‬ويفسر‭ ‬هذا‭ ‬لماذا‭ ‬يعاني‭ ‬المدخنون‭ ‬من‭ ‬انسداد‭ ‬النفس‭ ‬أي‭ ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الأكل،‭ ‬وهناك‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬أصناف‭ ‬السجائر‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬الأمونيا‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬النشادر،‭ ‬والتي‭ ‬تضاف‭ ‬عادة‭ ‬إلى‭ ‬منظفات‭ ‬دورات‭ ‬المياه‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬المراحيض،‭ ‬وتضمن‭ ‬الأمونيا‭ ‬وصول‭ ‬أكبر‭ ‬كمية‭ ‬ممكنة‭ ‬من‭ ‬النيكوتين‭ ‬إلى‭ ‬الدم‭ ‬والمخ،‭ ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭ ‬في‭ ‬السجائر‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الدخان‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الرئة‭ ‬فيجعلها‭ ‬متسخة‭ ‬وطالما‭ ‬أن‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬تلوث‭ ‬دورات‭ ‬المياه‭ ‬موجودة‭ ‬أصلا‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬فإن‭ ‬المدخنين‭ ‬ينعمون‭ ‬بأجهزة‭ ‬هضمية‭ ‬معقمة‭ ‬لأن‭ ‬أجسامهم‭ ‬مشبعة‭ ‬بالأمونيا،‭ ‬أما‭ ‬الكاكاو‭ ‬فإنه‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬السجائر‭ ‬لأنه‭ ‬يحوي‭ ‬مادة‭ ‬ثيوبرومين‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توسع‭ ‬الرئة‭ ‬وانفتاحها‭ ‬مما‭ ‬يعينها‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬متطلبات‭ ‬العولمة‭ ‬والخصخصة،‭ ‬والعولمة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إثراء‭ ‬أمريكا‭ ‬وصويحباتها،‭ ‬بينما‭ ‬الخصخصة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إثراء‭ ‬التماسيح‭ ‬والهوامير‭ ‬عندنا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا