زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
أبشروا يا مدخنون (1)
أقلعت عن التدخين مكرها لا بطلا، وكنت وقتها في بداية الثلاثينيات من العمر بأمر من طبيب قال إنه ما لم أفعل ذلك فسـ«أنجلط» في سن الأربعين او قبلها، وعقب كل إفطار رمضاني تراودني النفس الأمارة بالشفط أن أشعل سيجارة كي احس بتلك «السخسخة» اللذيذة، ثم تبارت وزارات الصحة في جميع البلدان في ذم التبغ، ولكن ولا واحدة منها فعلت ما فعلت مملكة بوتان المغروسة وسط جبال الهملايا حيث زراعة وحيازة التبغ ممنوعة تماما.
ومازال الأطباء والعلماء يقولون في السجائر ما لم يقله جعفر عباس في فيفي عبده والفيشاوي أو مقدمة البرامج التلفزيونية السخيفة ليليان القندران (كلمة يطلقها السودانيون على الشاحنة الضخمة، وكما قال الشاعر: كده كدة يا التريلا قاطرها قندران.. والتريلا كما سبق لي أن شرحت هي التريلر أي المقطورة الملحقة بالشاحنة أي القندران والمراد بها أرداف المرأة، فانظر فساد الذوق، وكف عن ترديد هذه الأغنية الركيكة التي نشرتها الفضائيات العربية كالوباء حتى حسبها طفل في روضة أطفال، النشيد الوطني السوداني). وليس لتلك الصفة التي أسبغتها على ليليان صلة بوزنها فأنا من نفر يزنون جمال النساء بالكيلو، ولا أتعاطف مع ذوات الكوارع والعظام البارزة، ولكنني وصفتها بالقندران لأنها كانت مثل الشاحنة تنطلق بلا كوابح مجتازة الفضاء بلا توقف بضع ساعات، وكما أن الشاحنة لا تعرف لماذا هي تفعل ما تفعل، فقد كانت ليليان لا تفهم شيئًا مما تقوله طوال تلك الساعات. ببغاء عقلها في أذنيها، وتلك من نعم الله عليها لأنها لو حاولت استيعاب الكلام الذي يصدر عن فمها حسن التلوين لأصيبت قواها العقلية بخلل تصعب معالجته. (استجاب الله لدعائي فخسف بليليان الأرض ولم تعد تلوث الفضاء بعد ان استغنت عنها القناة الفضائية التي كانت تطل علينا عبر شاشاتها بشكلها القميء ودمها الثقيل وهي تردد العبارة البلهاء: طعمين وحلوين وبنحبكم.. ثم تنفخ في وجوهنا بوسة ملوثة).
ويطيب لي أن أزف اليوم البشرى لجماهير المدخنين، وأن أنقل إليهم فحوى تقرير علمي يقول: إن نحو أربعين صنفا من السجائر المتداولة في العالم، وعلى رأسها الأنواع الأكثر رواجا تحتوي على أكثر من 14 مادة إضافية من بينها الكراميل الذي تصنع منه الحلوى المعروفة التي ناضلت في شبابي كثيرًا لأخذ كفايتي منها، ولأن ثقافة أمي المطبخية في مجال التحلية توقفت عند الكسترد (يحذف العرب الدال منها لتخفيف النطق فيجعلونها كستر كما فعلوا مع البيكنق باودرBAKING POWDER فجعلوها باكن بودر) فقد كنت أتوجه إلى أحد فنادق الدرجة الثانية في الخرطوم لأكل الكريم كراميل الشهية التي يتناولها الناس عادة بعد الوجبة الرئيسية؛ وبما أن إمكاناتي المادية لم تكن تسمح لي بمثل تلك الوجبة، فقد كنت أنتحي ركنًا قصيا في مطعم الفندق وأطلب الكريم كراميل وأظل ألعق الصحن أو الطبق لنحو ساعتين لتطويل المتعة والبقاء في مكان به تكييف هواء.
ويقول تقرير نشرته «صنداي تايمز»، إن الغرض من إضافة الكراميل إلى التبغ هو جعل طعمه مستساغًا لصغار السن، وأن من بين الإضافات إلى التبغ الكاكاو والفواكه المجففة والعسل الطبيعي والصناعي، مما يؤكد أن السجائر ذات فوائد غذائية عالية، ويفسر هذا لماذا يعاني المدخنون من انسداد النفس أي عدم الرغبة في الأكل، وهناك العشرات من أصناف السجائر التي تحوي الأمونيا التي هي النشادر، والتي تضاف عادة إلى منظفات دورات المياه التي هي المراحيض، وتضمن الأمونيا وصول أكبر كمية ممكنة من النيكوتين إلى الدم والمخ، ولا بأس في استخدام تلك المادة في السجائر طالما أن الدخان يصل إلى الرئة فيجعلها متسخة وطالما أن المواد التي تلوث دورات المياه موجودة أصلا في جسم الإنسان، فإن المدخنين ينعمون بأجهزة هضمية معقمة لأن أجسامهم مشبعة بالأمونيا، أما الكاكاو فإنه يضاف إلى السجائر لأنه يحوي مادة ثيوبرومين التي تؤدي إلى توسع الرئة وانفتاحها مما يعينها على مواكبة متطلبات العولمة والخصخصة، والعولمة تؤدي إلى إثراء أمريكا وصويحباتها، بينما الخصخصة تؤدي إلى إثراء التماسيح والهوامير عندنا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك