العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ما البأس في كونك أسمر (2)

لليوم‭ ‬الرابع‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬سمرة‭ ‬البشرة،‭ ‬وعن‭ ‬تعرض‭ ‬السمر‭ ‬والسود‭ ‬للاضطهاد‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ثم‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬ولع‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬الفاتحة،‭ ‬باكتساب‭ ‬السمرة‭ ‬بالتعرض‭ ‬الطويل‭ ‬لأشعة‭ ‬الشمس،‭ ‬أو‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الاشعاع،‭ ‬بينما‭ ‬السمراوات‭ ‬‮«‬خلقة‭ ‬ربنا‮»‬،‭ ‬يحرصن‭ ‬على‭ ‬تقشير‭ ‬جلودهن‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬فاتحة‭ ‬اللون،‭ ‬وعرضت‭ ‬رسالة‭ ‬أتتني‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬بلهاء،‭ ‬تزعم‭ ‬أنها‭ ‬مناضلة‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬قرأت‭ ‬لي‭ ‬مقالا‭ ‬أناكف‭ ‬فيه‭ ‬النساء،‭ ‬وأقول‭ ‬في‭ ‬استنكار‭ ‬ضمني‭ ‬إن‭ ‬الرجل‭ ‬يتعالى‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬على‭ ‬الفاضي،‭ ‬ولكن‭ ‬عقلها‭ ‬القاصر‭ ‬جعلها‭ ‬تفهم‭ ‬كلامي‭ ‬بالمقلوب‭ ‬والشقلوب،‭ ‬وشتمتني‭ ‬ببيت‭ ‬شعر‭ ‬من‭ ‬المتنبي‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تشتري‭ ‬العبد‭ ‬إلا‭ ‬والعصا‭ ‬معه‭ / ‬إن‭ ‬العبيد‭ ‬لأنجاس‭ ‬مناكيد‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬كتبت‭ ‬مقالا‭ ‬استنكر‭ ‬فيه‭ ‬غزو‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬للكويت،‭ ‬فوصلتني‭ ‬رسالة‭ ‬غاضبة‭ ‬من‭ ‬بعثي‭ ‬تقول‭: ‬من‭ ‬تكون‭ ‬أيها‭ ‬العبد‭ ‬الزنيم‭ ‬كي‭ ‬ترفع‭ ‬صوتك‭ ‬على‭ ‬أسيادك؟‭ ‬فرددت‭ ‬عليها‭: ‬أنا‭ ‬عبد،‭ ‬وأخي‭ ‬هو‭ ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬مدثر‭ ‬السوداني‭ ‬عضو‭ ‬القيادة‭ ‬القومية‭ ‬للبعث‭. ‬ثم‭ ‬أوردت‭ ‬أسماء‭ ‬قياديين‭ ‬سودانيين‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬البعث،‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬سأعرض‭ ‬رسالته‭ ‬عليهم،‭ ‬فجاءني‭ ‬منه‭ ‬اعتذار‭ ‬راجف‭ ‬خائف،‭ ‬وتوسل‭ ‬قائلا‭: ‬أرجوك‭ ‬أقبل‭ ‬اعتذاري‭ ‬ولو‭ ‬وصل‭ ‬كلامي‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬قيادات‭ ‬الحزب‭ ‬فسيكون‭ ‬مصيري‭ ‬سيئا‭ (‬قلت‭ ‬له‭ ‬تقصد‭ ‬أن‭ ‬مصيرك‭ ‬سيكون‭ ‬‮«‬أسود‮»‬‭)‬،‭ ‬ولم‭ ‬أنشر‭ ‬الرسالة‭.‬

والله‭ ‬لم‭ ‬أغضب‭ ‬من‭ ‬رسالة‭ ‬الآنسة‭ ‬أو‭ ‬السيدة‭ ‬التي‭ ‬تسمي‭ ‬نفسها‭ ‬بالإنجليزية equal rights‭ ‬أي‭ ‬‮«‬حقوق‭ ‬متساوية‮»‬‭ ‬بدليل‭ ‬أنني‭ ‬أهملتها‭ ‬مدة‭ ‬طويلة،‭ ‬فلست‭ ‬ممن‭ ‬يعتبرون‭ ‬سواد‭ ‬البشرة‭ ‬نقيصة‭ ‬وعاهة،‭ ‬بل‭ ‬أقولها‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬حبالي‭ ‬الصوتية‭: ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإثنية‭ ‬أنا‭ ‬إفريقي‭ ‬‮«‬تماما‮»‬‭ ‬وباكتساب‭ ‬اللسان‭ ‬العربي‭ ‬صرت‭ ‬عربيا‭ ‬بالانتساب،‭ ‬ولكن‭ ‬الشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يذكر،‭ ‬وأنا‭ ‬وهي‭ ‬وأنت‭ ‬عبيد‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬سادة‭ ‬العالم‭ ‬المعاصر،‭ ‬وفي‭ ‬لندن‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬محجاً،‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬القطار‭ ‬مزدحماً‭ ‬والخلق‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬مكانا‭ ‬تقف‭ ‬عليه،‭ ‬ويبقى‭ ‬الكرسي‭ ‬المجاور‭ ‬لي‭ ‬خالياً‭ ‬لأن‭ ‬الجماعة‭ ‬يخشون‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬من‭ ‬آكلة‭ ‬لحوم‭ ‬البشر‭ (‬في‭ ‬أول‭ ‬الخمسينيات‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬الأوروبيون‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬الأفارقة‭ ‬سافر‭ ‬دبلوماسي‭ ‬إفريقي‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬لإقامة‭ ‬أول‭ ‬ممثلية‭ ‬دبلوماسية‭ ‬لبلاده‭ ‬هناك،‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬سفينة،‭ ‬وكان‭ ‬بقية‭ ‬الركاب‭ ‬يتجنبونه‭ ‬ويفزعون‭ ‬إذا‭ ‬اقترب‭ ‬منهم،‭ ‬وفي‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬دخل‭ ‬فيه‭ ‬مطعم‭ ‬السفينة‭ ‬قدموا‭ ‬له‭ ‬قائمة‭ ‬المأكولات‭ (‬المنيو‭) ‬فنظر‭ ‬إلى‭ ‬الجرسون‭ ‬مبتسماً‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬أعطني‭ ‬قائمة‭ ‬المسافرين‭..)‬،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬النساء‭ ‬الإفريقيات‭ ‬يتضايقن‭ ‬من‭ ‬سواد‭ ‬بشرتهن‭ ‬فإنهن‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬ضحية‭ ‬أفكار‭ ‬مثيلات‭ ‬السيدة‭ ‬أو‭ ‬الآنسة‭ ‬‮«‬حقوق‭ ‬متساوية‮»‬‭ ‬اللواتي‭ ‬يعتقدن‭ ‬أن‭ ‬العبودية‭ ‬وقف‭ ‬على‭ ‬السود‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬العبدة‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬حقوق‭.‬

وحقناً‭ ‬للدماء‭ ‬وإظهاراً‭ ‬لحسن‭ ‬النية‭ ‬تجاه‭ ‬المناضلة‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭ ‬فإنني‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬استعدادي‭ ‬للإسهام‭ ‬العقلاني‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬حقوق‭ ‬النساء‭ ‬المتطلعات‭ ‬إلى‭ ‬الجمال،‭ ‬اللواتي‭ ‬ينفقن‭ ‬الملايين‭ ‬لتكبير‭ ‬شفاههن‭ ‬بحقنها‭ ‬بمواد‭ ‬كيميائية‭.  ‬فالمعروف‭ ‬أن‭ ‬الإفريقي‭ ‬يملك‭ ‬شفتين‭ ‬تزنان‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أربعة‭ ‬إلى‭ ‬ستة‭ ‬كيلوغرامات‭ ‬مربعة‭ ‬في‭ ‬المتوسط،‭ ‬وطالما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمانع‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬إحدى‭ ‬كليتيه‭ ‬لإعالة‭ ‬أطفاله،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬بأس‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يبيع‭ ‬لي‭ ‬شفتيه‭ ‬اللتين‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬استخدامهما‭ ‬للكلام‭ ‬أو‭ ‬الأكل،‭ ‬فأقوم‭ ‬بتصدير‭ ‬الشفاه‭ ‬إلى‭ ‬الراغبات‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬شفاه‭ ‬تتيح‭ ‬لهن‭ ‬ممارسة‭ ‬***‭ ‬بالجملة،‭ ‬ولأنني‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أنفي‭ ‬عن‭ ‬نفسي‭ ‬تهمة‭ ‬معاداة‭ ‬المرأة‭ ‬تفادياً‭ ‬لمصادرة‭ ‬حريتي‭ ‬فأنني‭ ‬أتطوع‭ ‬بإفادة‭ ‬تلك‭ ‬الشريحة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬الباحثات‭ ‬عن‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬العمليات‭ ‬الجراحية‭ ‬بأن‭ ‬تحقيقاً‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬مصرية‭ ‬مؤخراً‭ ‬يقول‭: ‬إن‭ ‬السلطات‭ ‬الطبية‭ ‬المصرية‭ ‬أغلقت‭ ‬نحو‭ ‬23‭ ‬مركزاً‭ ‬وشركة‭ ‬للتجميل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬كانوا‭ ‬يحملون‭ ‬درجات‭ ‬جامعية‭ ‬رفيعة‭ ‬في‭ ‬الجمباز‭ ‬والتربية‭ ‬البدنية،‭ ‬ويكفي‭ ‬القاء‭ ‬نظرة‭ ‬عابرة‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬أمة‭ ‬الأعاريب‭ ‬في‭ ‬الأولمبياد‭ ‬الأخيرة‭ ‬لنكتشف‭ ‬حجم‭ ‬خيبة‭ ‬الرياضيين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تخصصهم،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬إذا‭ ‬أتوا‭ ‬بتلك‭ ‬الخيبة‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬تكبير‭ ‬وتصغير‭ ‬النهود‭ ‬وتكوير‭ ‬الأرداف‭.. ‬يا‭ ‬خفي‭ ‬الألطاف‭ ‬نجنا‭ ‬مما‭ ‬نخاف‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا