زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ما البأس في كونك أسمر (1)
كِلت خلال اليومين الماضيين من الثناء على الجنس الأسود ما قد يجعل القارئ يحسب انهم شعب الله المختار، ولكن بعيدا عن الهذر فلست أعتقد ان شخصا يتفوق على آخر بسبب اللون او العرق او الجنسية او الجندر، وفي نفس الوقت فإنني أعتب على السمر الذين يسعون الى اكتساب بشرة «فاتحة»، وكأنما البشرة السمراء «قافلة»، وعجيب أمر النساء، إذ البيضاوات منهن يعرضن أنفسهن للأشعة فوق البمبية التي تسبب الإسهال والسرطان لاكتساب السمرة، وأجمل عبارة غزل تود الفتاة ذات البشرة البيضاء سماعها هي «واااو لونك صار برونزاج»، والبرونز معدن ابن سفاح وهجين ينشأ عن خلط النحاس بالقصدير، وبالتالي فهو مثل البغل بلا شخصية، وذوو البشرة الفاتحة يستعرون من السمرة ولهذا، وكلما اكتسبت أجسادهم سمرة قالوا إنها صارت «برونزاج».
وعلى عشق البيضاوات والشقراوات للسمرة، فإذا تقدم شخص مثلي تتوافر لديه السمرة الطبيعية بكميات تجارية ولديه فائض منها للتصدير، طالبا يد واحدة منهن (ما هذا التعبير العجيب؟ الراغب في الزواج يطلب الفتاة كاملة على بعضها، وليس فقط يدها، بل أن يدها هي آخر ما يريد، وتحضرني هنا حكاية معلمة في إحدى مدارس البنات الابتدائية حاولت أن تغرس في تلميذاتها القيم الرفيعة وسألتهن: إذا أدخلت يدي في جيب رجل وسرقت حافظة نقوده فماذا أكون: أجبن عنها بالإجماع: تكونين زوجته)، المهم إذا طلبت يدها بالحلال، صرخت «يا لهوي يا مصيبتي يا فضيحتي»، حتى يجتمع حولي الجيران ويوسعونني ضرباً لأنني خدشت بطلبي ذاك حياءها وربما شرفها، أما السمراوات فأمرهن أعجب لأنهن ولا غيرهن من يعطين البيضاوات الإحساس بالتفوق والتفرد. وذلك بعد أن ركبهن هوس اكتساب اللون الفاتح، فأصبحت تجد فتاة ذات وجه حنطاوي وذراع كالفحم الحجري، وكلها على بعض كقرد من مدغشقر.
ما البأس في أن يكون الإنسان أسود وأسمر اللون؟ جميع الرجال عندنا في السودان سود ومتزوجون بسمراوات وسوداوات وأنجبوا منهن أطفالاً عاديين الوانهم مثل الزفت وعقولهم تزن بلاداً بحالها وأحوالها، ولكن الإجابة معروفة: في بعضنا عنصرية حتى النخاع، ولكننا لا نصرح بذلك لأن التصريح يحرمنا من حق سب أمريكا وأوروبا ووصمهما بالعنصرية. حتى في السودان الذي اشتق اسمه من السواد يمارس البعض التمييز ضد ذوي الأصول الإفريقية، وعرب شرق المتوسط يسمون الفول السوداني فستق العبيد، وليس المقصود بذلك أهل جمهورية السودان فقط، بل عموم الأفارقة الذين ينتجون ذلك النوع من الحبوب الزيتية. وعلى المستوى الشخصي فقد تعرضت لإساءة عنصرية أتتني من امرأة مناضلة تدافع عن حقوق المرأة، فقد كتبت ذات عام مقالا في مجلة «المجلة» عنوانه «عقوق المرأة»، ويبدو أن تلك المناضلة قرأته وهي تقف على رأسها لأنها حسبته هجوماً على النساء فثارت عارمة وعادت إلى جاهليتها:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما
ولأنها منافحة عن حقوق النساء وتتخذ من حقوق متساوية Rights Equal اسما لها في البريد الإلكتروني فقد تصدت للعدوان الجعفري الغاشم على النساء وبدأت رسالتها إليّ ببيت من الشعر الرصين:
لا تشتري العبد إلا والعصا معه أن العبيد لأنجاس مناكيد
وبما أنني ذلك العبد فقد أصبت بخيبة أمل لأنني كنت أعول على دفاع مثيلاتها وأمثالها عن حقوقي، لأن حقوق الأقليات المضطهدة كل لا يتجزأ، يعني لا يجوز أن تناضل من أجل حقوق السود في أمريكا، وأن تتحامل في الوقت ذاته على الهنود الحمر، أو أن تفعل ما تفعله أمريكا من حيث لطم الخدود وشق الجيوب لانتهاك طالبان لحقوق الإنسان في أفغانستان، والتهليل للفتك بالإنسان في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل، وفات على تلك البائسة أنني لا أفتأ أذكر القراء بسواد لوني وسواد حظي الذي جعلني فريسة لأطماع ناوومي كامبل العاطفية، ولا أفوت فرصة من دون تأكيد اعتزازي بالانحدار من صلب عنترة بن زبيبة (أفعل ذلك في حقيقة الأمر على أمل أن تعطيني السلطات السعودية جواز سفر يكفل لي الإقامة الشرعية في الطائف أو أبها بقية سنوات عمري)، وأعتزم مخاطبة السلطات المصرية قريباً للاعتراف بي وريثاً لكافور الأخشيدي على أمل أن تقوم بمنحي مكافأته التقاعدية منزلاً في منتجع شرم الشيخ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك