زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن قبح البخل والشح
مثل كثير من المسلمين هناك آيات قرآنية معينة تقرع في عقولنا أجراسا ونعلقها قلائد على رقابنا، ومن تلك الآيات «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا»، وهي نهي عن التقتير وعن التبذير، وجاءتني هذه الخاطرة بعد ان عثرت على حكاية رجل ما في قصاصة صحفية. ولكن هل سبق لي الكتابة عن هذا الرجل؟ جائز آه وجائز لا، فقد وقعت عيني على القصاصة التي تحمل حكايته عدة مرات، وقرأت محتوياتها، وسواء سبق لي سرد الحكاية أو لا، فسأسردها اليوم فـ«العمود» عمودي، ومسجل باسمي وليس لأحد غيري أن يكتب فيه، يعني «الزاوية الغائمة» منطقة محررة، ويتحكم فيها شخص من بلد فيه نحو خمسين حركة تحرير، وكل واحدة منها تطالب بنصيب من السلطة والثروة، ومن حقي أن أتباهى بأنني نجحت حيث فشلت تلك الحركات، فسلطتي على هذه المنطقة المحررة معترف بها بحرينيا، ونصيبي من الثروة هو المكافأة التي أتقاضاها نظير إدارة المنطقة/العمود.
المهم أن الخواجة وليام السيبروك توفي غير مأسوف عليه عن عمر ناهز السادسة والثمانين، وكان علما وعالماً مرموقاً في مجال الكيمياء الصناعية في بريطانيا، ولأنه دخل هذا المجال في زمن لم يكن فيه العلماء في هذا المجال كثيرين، فقد تسنى له الحصول على وظائف مجزية وحوافز وعمولات عالية جعلت منه مليونيراً، وخاصة أنه كان يقدم استشارات لشركات ومصانع كبرى، وهكذا مات مخلفاً وراءه ثروة تقدر بنحو ثلاثة ملايين دولار أمريكي. والمحزن في الأمر أن وفاته قوبلت بالشماتة من قبل جيرانه، رغم ميتته المأساوية إثر حريق شب في بيته، وسبب الشماتة هو ان ويليام هذا كان «قيحة وجلدة» أي بخيلاً.
وأقبح من كل ذلك أنه كان بخيلا على نفسه. بيته الذي احترق كان آيلاً للسقوط ولم يكن يستطع ان يستخدم منه سوى غرفة واحدة كانت جدرانها متماسكة إلى حد ما، وكان طعامه المرق المعلب والخبز، ولم يكن يهتم بأن للخبز أمد صلاحية يصبح بعدها غير صالح للأكل، بل كان يقوم بتجفيف بقايا الخبز ليغمسه في شوربة ماجي عوضاً عن شراء خبز طازج، وكان يستخدم الحطب لتسخين الشوربة، ثم اشترى سخاناً كهربائياً صغيراً من عهد إرم ذات العماد، وكان هذا السخان هو الذي «جاب خبره» وتسبب في الحريق الذي أدى إلى وفاته. ولم يكن لوليام هذا أصدقاء، لأن الصديق يزورك ولا بد ان تقدم له مشروباً بارداً وساخناً، ولهذا رأى صاحبنا ان الصداقة مكلفة فعاش في بلدة بورووش بمقاطعة داربشاير، من دون ان يخالط أهل البلدة.. وفي النهاية مات تاركاً ثلاثة ملايين دولار سيستمتع بها أقارب لم يروه منذ ستين سنة.
ولا شك أنك أيها القارئ تعرف شخصاً من شاكلة وليام السيبروك هذا؛ ليس بالضرورة «طبق الأصل»، ولكنه من النوع الذي يتفنن في كنز المال ويبخل على نفسه وعلى عياله، والبخيل أصلاً شخص هلوع جزوع لا يحمد الله على ما عنده من نعمة، وبعض البخلاء يعملون لدنياهم كأنهم يعيشون أبدا، ثم يموتون فلا يحزن أقاربهم بل قد يعبرون عن فرحتهم بشكل أو بآخر. وأتعس البيوت ذاك الذي يكون عائله بخيلا يصرخ ليل نهار: اطفئوا الأنوار وذاكروا دروسكم بالنهار، وهذه النوعية من الآباء هي التي تقول للعيال: إذا نجحتم فسأجعلكم تتفرجون على فيلم الآيسكريم في يوتيوب. اجلسوا أنتم العشرة مع أمكم في غرفة واحدة لتستخدموا مكيفاً واحداً. ويوفر تلميذ مبلغا بسيطا من مصروفه اليومي فيرى الأب البخيل في ذلك دليلا على أنه يتقاضى مصروفاً يزيد على حاجته ويخفض المصروف من ريال يومياً إلى نصف ريال.
ويقال إنه عندما مات بخيل وجدوا وصية كتبها تقول: أنا متحمم لا تغسلوني.. وامرأة بخيلة أرسلت ابنها لشراء ثلاث قطع من الخبز واحدة لها والأخرى لزوجها والثالثة للولد وبينما الولد في طريقه إلى الدكان إذا بأمه تصيح عبر الشباك: جيب رغيفين بس.. أبوك مات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك