العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن قبح البخل والشح

مثل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬هناك‭ ‬آيات‭ ‬قرآنية‭ ‬معينة‭ ‬تقرع‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬أجراسا‭ ‬ونعلقها‭ ‬قلائد‭ ‬على‭ ‬رقابنا،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الآيات‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬تجعل‭ ‬يدك‭ ‬مغلولة‭ ‬إلى‭ ‬عنقك‭ ‬ولا‭ ‬تبسطها‭ ‬كل‭ ‬البسط‭ ‬فتقعد‭ ‬ملوما‭ ‬محسورا‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬نهي‭ ‬عن‭ ‬التقتير‭ ‬وعن‭ ‬التبذير،‭ ‬وجاءتني‭ ‬هذه‭ ‬الخاطرة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬حكاية‭ ‬رجل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬قصاصة‭ ‬صحفية‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل؟‭ ‬جائز‭ ‬آه‭ ‬وجائز‭ ‬لا،‭ ‬فقد‭ ‬وقعت‭ ‬عيني‭ ‬على‭ ‬القصاصة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬حكايته‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬وقرأت‭ ‬محتوياتها،‭ ‬وسواء‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬سرد‭ ‬الحكاية‭ ‬أو‭ ‬لا،‭ ‬فسأسردها‭ ‬اليوم‭ ‬فـ«العمود‮»‬‭ ‬عمودي،‭ ‬ومسجل‭ ‬باسمي‭ ‬وليس‭ ‬لأحد‭ ‬غيري‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬فيه،‭ ‬يعني‭ ‬‮«‬الزاوية‭ ‬الغائمة‮»‬‭ ‬منطقة‭ ‬محررة،‭ ‬ويتحكم‭ ‬فيها‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬فيه‭ ‬نحو‭ ‬خمسين‭ ‬حركة‭ ‬تحرير،‭ ‬وكل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬تطالب‭ ‬بنصيب‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬والثروة،‭ ‬ومن‭ ‬حقي‭ ‬أن‭ ‬أتباهى‭ ‬بأنني‭ ‬نجحت‭ ‬حيث‭ ‬فشلت‭ ‬تلك‭ ‬الحركات،‭ ‬فسلطتي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬المحررة‭ ‬معترف‭ ‬بها‭ ‬بحرينيا،‭ ‬ونصيبي‭ ‬من‭ ‬الثروة‭ ‬هو‭ ‬المكافأة‭ ‬التي‭ ‬أتقاضاها‭ ‬نظير‭ ‬إدارة‭ ‬المنطقة‭/‬العمود‭.‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬الخواجة‭ ‬وليام‭ ‬السيبروك‭ ‬توفي‭ ‬غير‭ ‬مأسوف‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬ناهز‭ ‬السادسة‭ ‬والثمانين،‭ ‬وكان‭ ‬علما‭ ‬وعالماً‭ ‬مرموقاً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكيمياء‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬ولأنه‭ ‬دخل‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فيه‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬كثيرين،‭ ‬فقد‭ ‬تسنى‭ ‬له‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬وظائف‭ ‬مجزية‭ ‬وحوافز‭ ‬وعمولات‭ ‬عالية‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬مليونيراً،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يقدم‭ ‬استشارات‭ ‬لشركات‭ ‬ومصانع‭ ‬كبرى،‭ ‬وهكذا‭ ‬مات‭ ‬مخلفاً‭ ‬وراءه‭ ‬ثروة‭ ‬تقدر‭ ‬بنحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭. ‬والمحزن‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬وفاته‭ ‬قوبلت‭ ‬بالشماتة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جيرانه،‭ ‬رغم‭ ‬ميتته‭ ‬المأساوية‭ ‬إثر‭ ‬حريق‭ ‬شب‭ ‬في‭ ‬بيته،‭ ‬وسبب‭ ‬الشماتة‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬ويليام‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬‮«‬قيحة‭ ‬وجلدة‮»‬‭ ‬أي‭ ‬بخيلاً‭.‬

وأقبح‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬بخيلا‭ ‬على‭ ‬نفسه‭. ‬بيته‭ ‬الذي‭ ‬احترق‭ ‬كان‭ ‬آيلاً‭ ‬للسقوط‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يستطع‭ ‬ان‭ ‬يستخدم‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬غرفة‭ ‬واحدة‭ ‬كانت‭ ‬جدرانها‭ ‬متماسكة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬وكان‭ ‬طعامه‭ ‬المرق‭ ‬المعلب‭ ‬والخبز،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يهتم‭ ‬بأن‭ ‬للخبز‭ ‬أمد‭ ‬صلاحية‭ ‬يصبح‭ ‬بعدها‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬للأكل،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بتجفيف‭ ‬بقايا‭ ‬الخبز‭ ‬ليغمسه‭ ‬في‭ ‬شوربة‭ ‬ماجي‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬خبز‭ ‬طازج،‭ ‬وكان‭ ‬يستخدم‭ ‬الحطب‭ ‬لتسخين‭ ‬الشوربة،‭ ‬ثم‭ ‬اشترى‭ ‬سخاناً‭ ‬كهربائياً‭ ‬صغيراً‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬إرم‭ ‬ذات‭ ‬العماد،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬السخان‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬جاب‭ ‬خبره‮»‬‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬الحريق‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬وفاته‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لوليام‭ ‬هذا‭ ‬أصدقاء،‭ ‬لأن‭ ‬الصديق‭ ‬يزورك‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬ان‭ ‬تقدم‭ ‬له‭ ‬مشروباً‭ ‬بارداً‭ ‬وساخناً،‭ ‬ولهذا‭ ‬رأى‭ ‬صاحبنا‭ ‬ان‭ ‬الصداقة‭ ‬مكلفة‭ ‬فعاش‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬بورووش‭ ‬بمقاطعة‭ ‬داربشاير،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يخالط‭ ‬أهل‭ ‬البلدة‭.. ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬مات‭ ‬تاركاً‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬سيستمتع‭ ‬بها‭ ‬أقارب‭ ‬لم‭ ‬يروه‭ ‬منذ‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أنك‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ ‬تعرف‭ ‬شخصاً‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭ ‬وليام‭ ‬السيبروك‭ ‬هذا؛‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬‮«‬طبق‭ ‬الأصل‮»‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يتفنن‭ ‬في‭ ‬كنز‭ ‬المال‭ ‬ويبخل‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وعلى‭ ‬عياله،‭ ‬والبخيل‭ ‬أصلاً‭ ‬شخص‭ ‬هلوع‭ ‬جزوع‭ ‬لا‭ ‬يحمد‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬نعمة،‭ ‬وبعض‭ ‬البخلاء‭ ‬يعملون‭ ‬لدنياهم‭ ‬كأنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬أبدا،‭ ‬ثم‭ ‬يموتون‭ ‬فلا‭ ‬يحزن‭ ‬أقاربهم‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬فرحتهم‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭. ‬وأتعس‭ ‬البيوت‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬عائله‭ ‬بخيلا‭ ‬يصرخ‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭: ‬اطفئوا‭ ‬الأنوار‭ ‬وذاكروا‭ ‬دروسكم‭ ‬بالنهار،‭ ‬وهذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬للعيال‭: ‬إذا‭ ‬نجحتم‭ ‬فسأجعلكم‭ ‬تتفرجون‭ ‬على‭ ‬فيلم‭ ‬الآيسكريم‭ ‬في‭ ‬يوتيوب‭. ‬اجلسوا‭ ‬أنتم‭ ‬العشرة‭ ‬مع‭ ‬أمكم‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬واحدة‭ ‬لتستخدموا‭ ‬مكيفاً‭ ‬واحداً‭. ‬ويوفر‭ ‬تلميذ‭ ‬مبلغا‭ ‬بسيطا‭ ‬من‭ ‬مصروفه‭ ‬اليومي‭ ‬فيرى‭ ‬الأب‭ ‬البخيل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يتقاضى‭ ‬مصروفاً‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬حاجته‭ ‬ويخفض‭ ‬المصروف‭ ‬من‭ ‬ريال‭ ‬يومياً‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬ريال‭. ‬

ويقال‭ ‬إنه‭ ‬عندما‭ ‬مات‭ ‬بخيل‭ ‬وجدوا‭ ‬وصية‭ ‬كتبها‭ ‬تقول‭: ‬أنا‭ ‬متحمم‭ ‬لا‭ ‬تغسلوني‭.. ‬وامرأة‭ ‬بخيلة‭ ‬أرسلت‭ ‬ابنها‭ ‬لشراء‭ ‬ثلاث‭ ‬قطع‭ ‬من‭ ‬الخبز‭ ‬واحدة‭ ‬لها‭ ‬والأخرى‭ ‬لزوجها‭ ‬والثالثة‭ ‬للولد‭ ‬وبينما‭ ‬الولد‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬الدكان‭ ‬إذا‭ ‬بأمه‭ ‬تصيح‭ ‬عبر‭ ‬الشباك‭: ‬جيب‭ ‬رغيفين‭ ‬بس‭.. ‬أبوك‭ ‬مات‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا