العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

البيبي مصدر للسعادة والشجار

تفيد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المحكمة‭ ‬بأن‭ ‬تجربة‭ ‬الإنجاب‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اتساع‭ ‬الشقة‭ ‬بين‭ ‬الزوجين،‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬غالبا‭ ‬لأن‭ ‬الزوج‭ - ‬وبحكم‭ ‬أنه‭ ‬أناني‭ ‬بالوراثة‭ ‬والميلاد،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المكسيك‭ ‬أو‭ ‬بلاد‭ ‬البلجيك،‭ ‬لا‭ ‬يساعد‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬البيت‭ ‬أثناء‭ ‬الحمل‭ ‬وبعد‭ ‬الولادة،‭ ‬ثم‭ ‬يعاير‭ ‬زوجته‭ ‬التي‭ ‬تخصص‭ ‬معظم‭ ‬وقتها‭ ‬للمولود‭ ‬الجديد‭ ‬بأنها‭ ‬تهمل‭ ‬أمره،‭ ‬ما‭ ‬يفاقم‭ ‬حالات‭ ‬الاكتئاب‭ ‬بين‭ ‬النساء‭ ‬حديثات‭ ‬الولادة،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬طبية‭ ‬ثابتة‭ ‬تعرف‭ ‬بـ‮«‬post-natal depression»‭ ‬بينما‭ ‬يكون‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬تتمناه‭ ‬زوجة‭ ‬من‭ ‬رجلها‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لها‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة‭: ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬صرت‭ ‬رشيقة‭ ‬بعد‭ ‬الولادة‭.. ‬كأن‭ ‬ما‭ ‬صار‭ ‬شيء‭.. ‬وين‭ ‬راحت‭ ‬الكرش‭.. ‬سبحان‭ ‬الله‭ ‬كأنك‭ ‬عمرك‭ ‬ما‭ ‬حملت‭.. ‬وعند‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭: ‬تسلم‭ ‬الأيادي‭ ‬يا‭ ‬ست‭ ‬الكل‭.. ‬سامحيني‭ ‬ما‭ ‬أقدر‭ ‬أساعدك‭ ‬ويا‭ ‬العيال‭.. ‬الله‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬عونك‭! ‬طبعاً‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬وتحت‭ ‬الضغوط‭ ‬الجسدية‭ ‬والنفسية‭ ‬يجعلن‭ ‬علاقتهن‭ ‬بأزواجهن‭ ‬أكثر‭ ‬توتراً‭ ‬بالانفجار‭ ‬في‭ ‬وجوههم‭: ‬قوم‭ ‬يا‭ ‬بغل‭ ‬جيب‭ ‬الأغراض‭ ‬من‭ ‬الدكان‭ ‬بدل‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬جالس‭ ‬مثل‭ ‬كيس‭ ‬البطاطا‭ ‬طول‭ ‬اليوم‭ ‬قدام‭ ‬التلفزيون‭ ‬تطالع‭ ‬المذيعات‭ ‬والمطربات‭ ‬يا‭ ‬قليل‭ ‬الحياء‭ ‬كأنك‭ ‬‮«‬جاهل‮»‬‭ (‬كما‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬يسمي‭ ‬السودانيون‭ ‬صغير‭ ‬السن‭ ‬‮«‬جاهل‮»‬‭).‬

خلال‭ ‬إقامتي‭ ‬مع‭ ‬عائلتي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬كنت‭ ‬أقوم‭ ‬بأعباء‭ ‬منزلية‭ ‬معينة‭ ‬تقديراً‭ ‬لكثرة‭ ‬المهام‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬زوجتي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬ان‭ ‬تشتري‭ ‬مواد‭ ‬من‭ ‬البقال‭ ‬يوميا،‭ ‬وتوصل‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬عيالنا‭ ‬إلى‭ ‬مدارسهم‭ ‬وتعيدهم‭ ‬منها،‭ ‬ثم‭ ‬تتولى‭ ‬الطبخ،‭ ‬وبلاد‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا‭ ‬تعلمك‭ ‬نظام‭ ‬رزق‭ ‬اليوم‭ ‬باليوم،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنك‭ ‬تطبخ‭ ‬وجبة‭ ‬اليوم،‭ ‬ولا‭ ‬تقوم‭ ‬بتسخين‭ ‬وجبة‭ ‬بائتة،‭ ‬ولهذا‭ ‬كنت‭ ‬أغسل‭ ‬الصحون‭ ‬والحمامات،‭ ‬بل‭ ‬أشارك‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الطعام‭ (‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬لاكشمي‭ ‬أو‭ ‬لورا‭ ‬لتقوم‭ ‬بتلك‭ ‬المهام‭).‬

ثم‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬قطر،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لوصولنا‭ ‬صاحت‭ ‬زوجتي‭: ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬قوم‭ ‬شغَّل‭ ‬الغسالة‭ ‬وأغسل‭ ‬الحمامات‭! ‬كدت‭ ‬أنفجر‭ ‬من‭ ‬الغيظ‭: ‬أنا‭ ‬جعفر‭ ‬بن‭ ‬عباس‭ ‬بن‭ ‬شداد‭ ‬العبسي‭ ‬أقوم‭ ‬بأعمال‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬نسائي؟‭ ‬أنا‭ ‬الذي‭ ‬نظر‭ ‬الأعمى‭ ‬إلى‭ ‬شنبي‭ ‬وصاح‭: ‬واعجبي‭.. ‬أغسل‭ ‬أواني‭ ‬الطعام‭ ‬والملابس؟‭ ‬ولكنني‭ ‬كتمت‭ ‬غيظي‭ ‬وقلت‭ ‬لها‭ ‬بهدوء‭ ‬مصطنع‭: ‬خلاص‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭ ‬انتهى‭ ‬عصر‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬العصري‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بمثل‭ ‬تلك‭ ‬المهام،‭ ‬ماذا‭ ‬سيقول‭ ‬الناس‭ ‬عني‭ ‬لو‭ ‬دخلوا‭ ‬عليّ‭ ‬وأنا‭ ‬أغسل‭ ‬الحمام‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سمعوا‭ ‬بذلك؟‭ ‬توكلي‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬وشوفي‭ ‬شغلك‭ ‬وكلها‭ ‬كم‭ ‬أسبوع‭ ‬وتكون‭ ‬الخدامة‭ ‬عندنا‭.‬

والنساء‭ ‬يتعاملن‭ ‬بمسؤولية‭ ‬مع‭ ‬المولود‭ ‬الجديد،‭ ‬بينما‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬يواصلون‭ ‬حياتهم‭ ‬بإيقاعها‭ ‬المعتاد‭. ‬يصرخ‭ ‬الوليد‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬صباحاً‭ ‬فتصحو‭ ‬الأم‭ ‬منزعجة‭ ‬وتعطيه‭ ‬رضعة،‭ ‬وما‭ ‬ان‭ ‬يسكت‭ ‬حتى‭ ‬تنسى‭ ‬أنه‭ ‬سبب‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬إرهاق،‭ ‬وتنظر‭ ‬إليه‭ ‬بكل‭ ‬حنان‭ ‬وحب،‭ ‬بينما‭ ‬الزوج‭ ‬الراقد‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬السرير‭ ‬يشخر‭ ‬مثل‭ ‬ثور‭ ‬نال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حصته‭ ‬من‭ ‬التبن،‭ ‬وقد‭ ‬يستيقظ‭ ‬ويلعن‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الشيء‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬الصراخ‭ ‬والرضاعة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يحمل‭ ‬مخدته‭ ‬ويرحل‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬أخرى‭.‬

وكما‭ ‬قال‭ ‬أطباء‭ ‬وتربويون‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لمجلة‭ ‬‮«‬نيوزويك‮»‬‭ ‬فإن‭ ‬أبرز‭ ‬ضحايا‭ ‬المولود‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬العائلة‭ ‬هم‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه‭ ‬إلى‭ ‬الدنيا،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الأقرب‭ ‬سناً‭ ‬إلى‭ ‬المولود،‭ ‬فهو‭ ‬يحس‭ ‬بأن‭ ‬الوافد‭ ‬الجديد‭ ‬سرق‭ ‬والديه‭ ‬وسرق‭ ‬منه‭ ‬الحنان،‭ ‬وقد‭ ‬يصبح‭ ‬انطوائيا‭ ‬أو‭ ‬عدوانياً،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬المولود‭ ‬الجديد،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬تهيئته‭ ‬بشكل‭ ‬مدروس‭ ‬لقدوم‭ ‬المولود،‭ ‬وتشجيعه‭ ‬على‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬معه،‭ ‬كدعوته‭ ‬لحمل‭ ‬البيبي‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬أو‭ ‬اشراكه‭ ‬في‭ ‬غسله‭ ‬وتجهيز‭ ‬لوازمه‭. ‬ولكن‭ ‬إياك‭ ‬ان‭ ‬تشرك‭ ‬صغيراً‭ ‬في‭ ‬إطعام‭ ‬رضيع‭.. ‬فقد‭ ‬يحاول‭ ‬ان‭ ‬يترك‭ ‬انطباعاً‭ ‬بأنه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬الرضيع‭ ‬يبكي‭ ‬عندما‭ ‬يجوع‭ ‬ويأتيه‭ ‬بإصبع‭ ‬موز‭ ‬أو‭ ‬لقمة‭ ‬كبسة‭ ‬ويحشرها‭ ‬في‭ ‬فمه،‭ ‬وينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬بالرضيع‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الطوارئ‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬محظوظاً‭ ‬و«وطلع‭ ‬منها‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا