زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
البيبي مصدر للسعادة والشجار
تفيد كثير من الدراسات النفسية والاجتماعية المحكمة بأن تجربة الإنجاب تؤدي إلى اتساع الشقة بين الزوجين، ويكون ذلك غالبا لأن الزوج - وبحكم أنه أناني بالوراثة والميلاد، سواء كان من المكسيك أو بلاد البلجيك، لا يساعد زوجته في أمور البيت أثناء الحمل وبعد الولادة، ثم يعاير زوجته التي تخصص معظم وقتها للمولود الجديد بأنها تهمل أمره، ما يفاقم حالات الاكتئاب بين النساء حديثات الولادة، وهي حالة نفسية طبية ثابتة تعرف بـ«post-natal depression» بينما يكون أقصى ما تتمناه زوجة من رجلها أن يقول لها كلمة طيبة: ما شاء الله صرت رشيقة بعد الولادة.. كأن ما صار شيء.. وين راحت الكرش.. سبحان الله كأنك عمرك ما حملت.. وعند تناول الطعام: تسلم الأيادي يا ست الكل.. سامحيني ما أقدر أساعدك ويا العيال.. الله يكون في عونك! طبعاً كثير من النساء وتحت الضغوط الجسدية والنفسية يجعلن علاقتهن بأزواجهن أكثر توتراً بالانفجار في وجوههم: قوم يا بغل جيب الأغراض من الدكان بدل ما أنت جالس مثل كيس البطاطا طول اليوم قدام التلفزيون تطالع المذيعات والمطربات يا قليل الحياء كأنك «جاهل» (كما في الخليج يسمي السودانيون صغير السن «جاهل»).
خلال إقامتي مع عائلتي في لندن كنت أقوم بأعباء منزلية معينة تقديراً لكثرة المهام الملقاة على عاتق زوجتي، فقد كان عليها ان تشتري مواد من البقال يوميا، وتوصل اثنين من عيالنا إلى مدارسهم وتعيدهم منها، ثم تتولى الطبخ، وبلاد مثل بريطانيا تعلمك نظام رزق اليوم باليوم، بمعنى أنك تطبخ وجبة اليوم، ولا تقوم بتسخين وجبة بائتة، ولهذا كنت أغسل الصحون والحمامات، بل أشارك في إعداد الطعام (فليس هناك لاكشمي أو لورا لتقوم بتلك المهام).
ثم عدنا إلى قطر، وفي اليوم التالي لوصولنا صاحت زوجتي: أبو الجعافر قوم شغَّل الغسالة وأغسل الحمامات! كدت أنفجر من الغيظ: أنا جعفر بن عباس بن شداد العبسي أقوم بأعمال ذات طابع نسائي؟ أنا الذي نظر الأعمى إلى شنبي وصاح: واعجبي.. أغسل أواني الطعام والملابس؟ ولكنني كتمت غيظي وقلت لها بهدوء مصطنع: خلاص يا بنت الناس انتهى عصر أبو الجعافر العصري الذي يقوم بمثل تلك المهام، ماذا سيقول الناس عني لو دخلوا عليّ وأنا أغسل الحمام أو حتى سمعوا بذلك؟ توكلي على الله وشوفي شغلك وكلها كم أسبوع وتكون الخدامة عندنا.
والنساء يتعاملن بمسؤولية مع المولود الجديد، بينما كثير من الآباء يواصلون حياتهم بإيقاعها المعتاد. يصرخ الوليد في الثانية صباحاً فتصحو الأم منزعجة وتعطيه رضعة، وما ان يسكت حتى تنسى أنه سبب ما تعانيه من إرهاق، وتنظر إليه بكل حنان وحب، بينما الزوج الراقد في نفس السرير يشخر مثل ثور نال أكثر من حصته من التبن، وقد يستيقظ ويلعن اليوم الذي جاء فيه هذا «الشيء» الذي لا يكف عن الصراخ والرضاعة، بل قد يحمل مخدته ويرحل إلى غرفة أخرى.
وكما قال أطباء وتربويون في تقرير لمجلة «نيوزويك» فإن أبرز ضحايا المولود الجديد في العائلة هم الأطفال الذين سبقوه إلى الدنيا، وخصوصاً الأقرب سناً إلى المولود، فهو يحس بأن الوافد الجديد سرق والديه وسرق منه الحنان، وقد يصبح انطوائيا أو عدوانياً، بل قد يشكل خطراً على المولود الجديد، ما لم تتم تهيئته بشكل مدروس لقدوم المولود، وتشجيعه على تطبيع العلاقات معه، كدعوته لحمل البيبي بين الحين والآخر أو اشراكه في غسله وتجهيز لوازمه. ولكن إياك ان تشرك صغيراً في إطعام رضيع.. فقد يحاول ان يترك انطباعاً بأنه يعرف أن الرضيع يبكي عندما يجوع ويأتيه بإصبع موز أو لقمة كبسة ويحشرها في فمه، وينتهي الأمر بالرضيع في قسم الطوارئ في المستشفى. إذا كان محظوظاً و«وطلع منها».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك