زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن حضور وغياب الورد في حياتنا (1)
أبدأ بالهمس في أُذن الرجال بأن شهر مارس هذا هو شهر النساء ففيه عيد الأم، ويوم المرأة العالمي، بينما كان فبراير المنصرم «عيد» فالنتاين اختصاصي شؤون الحب والقلب، سمسار الورود الحمراء، وقد شكوت من قبل من أن أم الجعافر تطالبني في عيد الأم بأن أقدم لها هدية، وليس بيدي حيلة غير الصياح: ربنا على المفتري.
قبل بضعة أسابيع أتاني رجل صادقته مؤخراً وجلس أمامي مؤدباً، رغم انه ليس كذلك عادة، وأبلغني انه يريد دعوتي أنا وزوجتي إلى العشاء في فندق فخيم، وعندما لبينا الدعوة فوجئت بأن مناسبتها مرور عامين على زواجه! ويبدو أنه لم يشأ ان يخبرني بمناسبة الدعوة كي لا يعرض نفسه للهزء والسخرية، أو كي لا يكبدني عناء شراء هدية له ولحرمه، مع أنه ما كان واردا أن أفعل ذلك قط! شخصان تزوجا ويريدان ان يتذكرا يوم زواجهما: ما الذي يهمني في ذلك؟ أنا مالي؟
ومنذ يومها قررت مقاطعة صاحبي ذاك! لماذا؟ لأن بعلتي الحالية كشرت عن أنيابها فور عودتنا إلى البيت وقالت لي: لماذا لم تفكر ولو مرة واحدة في الاحتفال بذكرى زواجنا كما يفعل الناس المتحضرون؟ قلت لها: لأنني لست متحضراً بدرجة كافية! ماذا تتوقعين من شخص نشأ وترعرع في بيت كان فيه تعداد الماعز والدجاج أكثر من تعداد البشر؟ ولكن هل أنا فعلا متخلف لأنني مثلا لا احتفل بيوم ميلادي، ونجحت في إقناع عيالي بتجاهل الاحتفال بأيام مولدهم بعد أن يبلغوا العاشرة وكنت أقدم لهم في سبيل ذلك رشاوى تناهز قيمتها كلفة الحفلات؟ لم يحدث قط أن قدمت لأحد وردة أو قدم لي أحدهم وردة إلا وأنا (هو) هي في المستشفى، وفي أول مرة لزمت فيها سرير المستشفى، وحاصرني بعض الأصدقاء المتحضرين بالزهور، تشاءمت لأنني تذكرت غاندي ومحرقات الهندوس للموتى والتي تكون عادة مغطاة بالورود! تخيل أن شاباً سودانياً من جيلي قدم للفتاة التي يحبها أو يعتزم الزواج بها وردة! لو كانت بنت ناس كانت ستفسخ الخطوبة، اما إذا كانت بنت «الذين» فإنها ستبلغ عنه سلطات الصحة النفسية أو ستعتبره شاذاً جنسياً من منطلق ان الرجل مكتمل الرجولة وناضج العقل لا يتعامل مع البشر الأسوياء بالنباتات ومنتجاتها مهما كانت قيمتها الجمالية! (وأدركت لاحقا أن التعبير عن المشاعر بالورود أقوى وأروع من الكلمات، ولكن مع هذا أفضل تقديم هدية ذات قيمة مادية ومعنوية لمن أعرف أنه لا مكان للورد في قاموس حياتهم).
ويفاقم من تخلفي الاجتماعي هذا انني لست مقتنعاً حتى الآن بأنني متزوج! ولا يعني هذا انني لست مقتنعاً بزوجتي بل يعني انني أتصرف في حياتي اليومية وكأنني خالي طرف! ولا يحسبن أحدكم أنني ألعب بذيلي أو «أذاكر» من وراء ظهر زوجتي، بل كل ما هناك هو أنني لا أستطيع تقمص دور الزوج أو الأب التقليدي الذي يجلس في البيت في كرسي معين ويعود من العمل فيسري حظر التجول وتنعدم حرية التعبير في البيت! بالعكس فأنا أكبر مصدر للإزعاج في بيتي وكنت أوقظ عيالي في صغرهم من النوم بالمسدسات المائية! ولي بنت تعتزم الحصول على الماجستير في نقدي من حيث المظهر والمخبر، ولكنها قريبة إلى قلبي جداً لأنها مزعجة ولأنها لا تحب الرتابة ولا أحد يستطيع إرغامها على فعل شيء من دون ان تقتنع! نامي يا بنت فالساعة الآن العاشرة! فترد بكل برود: ومن قال لك ان النوم يأتي بالأمر في العاشرة أو في غير العاشرة؟ سؤال منطقي.
لم أكن أتصور في صدر الشباب انه سيأتي اليوم الذي أعود فيه إلى بيتي في ساعة معينة حاملا معي الخس والبطيخ والخبز والبنادول (ما من امرأة إلا وتموت في البنادول!) ولم أكن أتصور انه سيأتي اليوم الذي أكون مسؤولاً فيه عن الحالة الصحية لـ«شخصة» تقيم معي (والمشكلة هي ان النساء لا يصبن بالأمراض المستعصية أو المزمنة إلا بعد الزواج).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك