العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

من حشائش الأرض إلى علف الحيوانات!

-‭ ‬هي‭ ‬إذًا‭ (‬حرب‭ ‬التجويع‭ ‬والعقاب‭ ‬الجماعي‭) ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬وخاصة‭ ‬لسكان‭ ‬الشمال‭! ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أنطونيوغوتيريش‭ ‬حذَّر‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭! ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬أخذت‭ ‬لون‭ ‬التجويع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬كسره‭ ‬واقتلاع‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬رغم‭ ‬ويلات‭ ‬القصف‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير‭! ‬كان‭ ‬الأمل‭ ‬معلقا‭ ‬على‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬الماضي‭ ‬بإنزال‭ ‬المساعدات‭ ‬جوا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأردن‭ ‬الذي‭ ‬دخلت‭ ‬طائراته‭ ‬إلى‭ ‬سماء‭ ‬القطاع‭ ‬وكما‭ ‬تقول‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الأخبار‮»‬‭ ‬الفلسطينية‭ (‬رفع‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجوعى‭ ‬رؤوسهم‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬سقوط‭ ‬شحنات‭ ‬المساعدات‭ ‬ولكن‭ ‬الساعات‭ ‬مضت‭ ‬دون‭ ‬فائدة‭)! ‬أهل‭ ‬الشمال‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬يصلهم‭ ‬شيء‭ ‬وحيث‭ ‬مهمات‭ ‬الإنزال‭ ‬الجوي‭ ‬التزمت‭ ‬بحسب‭ ‬الطلب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بإلقاء‭ ‬المساعدات‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬مناطق‭ ‬جنوب‭ ‬غزة،‭ ‬مستثنية‭ ‬مناطق‭ ‬الشمال‭ ‬التي‭ ‬يضربها‭ ‬الجوع‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الصحيفة،‭ ‬وحيث‭ ‬قرار‭ ‬التجويع‭ ‬والعقاب‭ ‬الجماعي‭ ‬يأتي‭ ‬لبقائهم‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬وعدم‭ ‬قبولهم‭ ‬التهجير‭! ‬والأغرب‭ ‬أن‭ ‬المساعدات‭ ‬في‭ (‬11‭ ‬موقعا‭) ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬البحر‭! ‬وحيث‭ ‬شواطئ‭ ‬غزة‭ ‬تحاصرها‭ ‬البوارج‭ ‬والزوارق‭ ‬الحربية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وزوارق‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬تجاه‭ ‬أي‭ ‬حشد‭ ‬ينتظر‭ ‬من‭ ‬الأمواج‭ ‬دفع‭ ‬شحنة‭ ‬مساعدات‭ ‬إلى‭ ‬الشاطئ‭! ‬

-‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬التجويع‭ ‬أكلوا‭ ‬حشائش‭ ‬الأرض‭ ‬وتناولوا‭ ‬علف‭ ‬الحيوانات‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬حشائش‭ ‬ولا‭ ‬علف‭! ‬إنه‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬كبرى‭ ‬وعارا‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬الإنسانية‭ ‬كلها‭ ‬ووصمة‭ ‬ذل‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭! ‬وحيث‭ ‬كل‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬إيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬أمر‭ ‬قانوني‭ ‬وإنساني‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أخذ‭ ‬الإذن‭ ‬لإيصاله‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬طرف‭! ‬فيما‭ ‬التعنت‭ ‬اللاإنساني‭ ‬الذي‭ ‬يواصل‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬تنفيذه‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلا‭ ‬حول‭ ‬سر‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬السلبي‭ ‬المخزي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬والتعاون‭ ‬الإسلامي‭ ‬الـ‭(‬57‭) ‬في‭ ‬عدم‭ ‬القيام‭ ‬باختراق‭ ‬هذا‭ ‬التعنت‭ ‬الصهيوني‭ ‬وإيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حملة‭ ‬جماعية‭ ‬باسم‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭!‬

-‭ ‬لماذا‭ ‬التزام‭ ‬الصمت‭ ‬واللافعل‭ ‬فيما‭ ‬مشاهد‭ ‬المجاعة‭ ‬والتجويع‭ ‬تحاصر‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬والمسلم‭ ‬وعقل‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬أطفال‭ ‬يصرخون‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬جوعى‮»‬‭ ‬ويموتون‭ ‬في‭ ‬الخيم‭ ‬وما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬مشافي‭ ‬بسبب‭ ‬الجوع‭ ‬وتدهور‭ ‬الأحوال‭ ‬الصحية‭ ‬وحصار‭ ‬الأوبئة‭ ‬وغلي‭ ‬الحشائش‭ ‬وعلف‭ ‬الحيوانات‭! ‬والعالم‭ ‬وزعماؤه‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬ما‭ ‬يقدمونه‭ ‬سوى‭ ‬التنظير‭ ‬والتصريحات‭ ‬والإدانة‭ ‬والتحليلات‭ ‬والمفاوضات‭ ‬وطرح‭ ‬تصورات‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لغزة،‭ ‬أي‭ ‬يوم‭ ‬تال‭ ‬وأهل‭ ‬غزة‭ ‬يتعرضون‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬للموت‭ ‬وحرب‭ ‬التجويع‭ ‬والإبادة؟‭! ‬فيما‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بدورهم‭ ‬لا‭ ‬يقدمون‭ ‬إلا‭ ‬التحذيرات‭ ‬من‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬غزة‭!‬

‭- ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإنسانية‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬سابقا‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الدرك‭ ‬من‭ ‬ظلام‭ ‬الانحدار‭ ‬وسلاسل‭ ‬الذل‭ ‬والعجز‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬سيناريو‭ ‬التجويع‭ ‬في‭ ‬غزة‭!‬

أما‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬فقد‭ ‬نالهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الظلمات‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭! ‬لأن‭ ‬عجزهم‭ ‬كعشرات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬الستين‭ ‬دولة‭ ‬يسجله‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬صفحاته‭ ‬سوادا‭! ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يشفع‭ ‬لأهل‭ ‬غزة‭ ‬عروبتهم‭ ‬أو‭ ‬دينهم‭ ‬الإسلامي‭ ‬أو‭ ‬هويتهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬لكي‭ ‬يتداركهم‭ ‬الأخوة‭ ‬لإنقاذهم‭ ‬من‭ ‬ميلودراما‭ ‬الجوع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬سريالية‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬استسلم‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العملي‭ ‬لجرائم‭ ‬حرب‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬والعقاب‭ ‬الجماعي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمد‭ ‬يدا‭ ‬أو‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬صراخ‭ ‬الجوع‭ ‬من‭ ‬حناجر‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والشيوخ‭ ‬في‭ ‬غزة‭!‬

‭- ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬التواطؤ‭ ‬لإيجاد‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سكانها‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقاوميها‭ ‬فإن‭ ‬الكيان‭ ‬المجرم‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬هدفه‭ ‬بإخلاء‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قتل‭ ‬الغزاويين‭ ‬بالجوع‭ ‬أو‭ ‬إجبارهم‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭ ‬والنزوح‭! ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الأسود‭ ‬بقعة‭ ‬واحدة‭ ‬بيضاء‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بحجم‭ ‬خردلة‭! ‬الكل‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭!‬

‭- ‬في‭ ‬صبرا‭ ‬وشاتيلا‭ ‬حين‭ ‬لجأ‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المذبحة‭ ‬إلى‭ ‬أكل‭ ‬القطط‭ ‬والكلاب‭ ‬وجثث‭ ‬الموتى،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬عارا‭ ‬للإنسانية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هناك‭ ‬ولكن‭ ‬تسمع‭ ‬عنه‭ ‬وتقرأه‭! ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فالكل‭ ‬يشاهد‭ ‬وجوه‭ ‬الأطفال‭ ‬الذابلة‭ ‬والتي‭ ‬تحتضر‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬ووجوه‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬جنوبها‭ ‬وهم‭ ‬يستنجدون‭ ‬لإغاثتهم‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة‭! ‬وحشائش‭ ‬الأرض‭ ‬وأعلاف‭ ‬الحيوانات‭ ‬أمرضتهم‭ ‬فيما‭ ‬الكلاب‭ ‬والقطط‭ ‬والحيوانات‭ ‬نفقت‭! ‬وحتى‭ ‬جثث‭ ‬الذين‭ ‬استشهدوا‭ ‬تدوسهم‭ ‬عجلات‭ ‬الشاحنات‭ ‬والسيارات‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ذهابا‭ ‬وإيابا‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬مصورة‭ ‬يندى‭ ‬لها‭ ‬الجبين‭ ‬فيما‭ ‬الجنود‭ ‬الصهاينة‭ ‬ترتفع‭ ‬ضحكاتهم‭ ‬وقهقهاتهم‭ ‬وكأنهم‭ ‬يشركون‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬جرائمهم‭ ‬المقززة‭! ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬يضحكون‭ ‬على‭ ‬عجز‭ ‬البشرية‭ ‬أمام‭ ‬وحشيتهم‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭! ‬هل‭ ‬بقي‭ ‬للعرب‭ ‬أو‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬وجه؟‭!‬

بعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬المقال‭:‬

‭- ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أعلنت‭ ‬أنها‭ ‬قامت‭ ‬بإنزال‭ ‬جوي‭ ‬للمساعدات‭ ‬ومنها‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬عملية‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬لإنزال‭ ‬المساعدات‭.‬

‭- ‬الخميس‭ ‬الماضي‭ ‬استشهد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬توزيع‭ ‬المساعدات‭ ‬عندما‭ ‬فتح‭ ‬الجنود‭ ‬الصهاينة‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬الحشد‭ ‬المتضور‭ ‬جوعا‭! ‬هي‭ ‬مجزرة‭ ‬ضد‭ ‬الجوعى‭ ‬وإعاقة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬المجازر‭ ‬اليومية‭ ‬الأخرى‭! ‬متى‭ ‬تقف‭ ‬هذه‭ ‬المآسي؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا