العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

«الحوثيون» والبحر الأحمر!

{‭ ‬الذي‭ ‬يتراءى‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬لأي‭ ‬مراقب‭ ‬أن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬كممر‭ ‬تجاري‭ ‬دولي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬آمنا،‭ ‬وأن‭ ‬تأثيرات‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬وعلى‭ ‬‮«‬قناة‭ ‬السويس‮»‬‭ ‬كان‭ ‬ولايزال‭ ‬هو‭ ‬التأثير‭ ‬الأكبر‭! ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬المتفاقمة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عنوانها‭ ‬الأساس‭ (‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬غزة‭) ‬والوقوف‭ ‬معها‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬أخذ‭ ‬جباية‭ ‬على‭ ‬السفن‭ ‬ليسمح‭ ‬لها‭ ‬بالمرور‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭! ‬وحيث‭ ‬هناك‭ ‬مؤشرات‭ ‬بأن‭ ‬المبالغ‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تحصيلها‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭! ‬أما‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬فالسؤال‭ ‬يلح‭ ‬على‭ ‬المراقب‭: ‬أين‭ ‬تذهب؟‭! ‬حتما‭ ‬لن‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬غزة،‭ ‬أو‭ ‬أهلها‭! ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬الخزينة‭ ‬التي‭ ‬يقفل‭ ‬عليها‭ ‬الحوثيون‭ ‬ولا‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬أهل‭ ‬اليمن‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬بدورهم‭ ‬الويلات‭ ‬الكبرى‭ ‬منذ‭ ‬الانقلاب‭ ‬الحوثي‭!‬

{‭ ‬المتضرر‭ ‬الأكبر‭ ‬هي‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬الأزمات‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬حدودها‭ ‬مع‭ ‬غزة‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬السودان‭ ‬أو‭ ‬إثيوبيا‭ ‬أو‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وباب‭ ‬المندب‭ ‬الذي‭ ‬يعطل‭ ‬الحوثيون‭ ‬حركة‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬فيهما‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬التأثيرات‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬وعلى‭ ‬صادراتها‭ ‬تعتبر‭ ‬بدورها‭ ‬الأكبر،‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمشروعها‭ ‬حول‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭!‬

وكل‭ ‬المؤشرات‭ ‬الأخرى‭ ‬تنبئ‭ ‬بأن‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬بحجة‭ ‬غزة،‭ ‬جاء‭ ‬ضرره‭ ‬دوليا‭ ‬وإقليميا‭ ‬وعربيا‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬أصاب‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭! ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬لتمويل‭ ‬مليشيات‭ ‬الحوثي‭ ‬نفسه‭ ‬ولكأن‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬اليد‭ ‬عليه،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬ممر‭ ‬تجاري‭ ‬دولي‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬المفارقات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬أن‭ ‬التحالف‭ ‬الذي‭ ‬أنشأه‭ ‬الأمريكيون‭ ‬لم‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬أي‭ ‬ردع‭ ‬للحوثيين‭! ‬بل‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬الضربات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها،‭ ‬وقام‭ ‬بها‭ ‬البريطانيون‭ ‬على‭ ‬الحوثيين‭ ‬ومراكزهم‭ ‬كما‭ ‬قيل‭ ‬أنتجت‭ ‬أية‭ ‬ثمار‭ ‬رادعة‭! ‬فهل‭ ‬تقف‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬عاجزتين‭ ‬إن‭ ‬أرادتا‭ ‬حقيقة‭ ‬القيام‭ ‬بردع‭ ‬‮«‬الحوثي‮»‬‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬وراء‭ ‬الأكمة‭ ‬ما‭ ‬وراءها؟‭! ‬وفي‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬وقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التحالف‭ ‬العربي‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الحديدة‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬لكي‭ ‬يسيطر‭ ‬الحوثي‭ ‬بعدها‭ ‬ويهدد‭ ‬حركة‭ ‬التجارة‭ ‬والسفن‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬اليوم؟‭! ‬وهل‭ ‬استطاع‭ ‬الحوثيون‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬العدوان‭ ‬استمر‭ ‬بدوره‭ ‬دون‭ ‬رادع؟‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬تتخذان‭ ‬موقفا‭ ‬غريبا‭ ‬من‭ ‬تهديدات‭ ‬الحوثيين‭ ‬للبحر‭ ‬الأحمر‭! ‬ولكأن‭ ‬صناعة‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬المنطقة‭ ‬وبحارها‭ ‬هدف‭ ‬بدوره‭ ‬لهما‭! ‬ولكأنه‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬الطرفان‭ ‬باستمرار‭ ‬العدوان‭ ‬البربري‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬ومحاولات‭ ‬إنهاء‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الجديد‭ ‬المحتدم‭ ‬وكأنه‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وأحد‭ ‬وكلاء‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وهنا‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الحوثي‮»‬‭ ‬ليسهم‭ ‬في‭ ‬إشعال‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬فتائل‭ ‬النيران‭ ‬بهدف‭ ‬توسيع‭ ‬رقعة‭ ‬الأزمات‭ ‬والصراعات‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فلسطين‭!‬

{‭ ‬الخطابات‭ ‬المتشنجة‭ ‬التي‭ ‬يبثها‭ ‬المتحدث‭ ‬الإعلامي‭ ‬الرسمي‭ ‬للحوثيين‭ ‬توضح‭ ‬أن‭ ‬نبرة‭ ‬التحدي‭ ‬تتصاعد‭! ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬قطّاع‭ ‬الطرق‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬الجباية‭ ‬على‭ ‬السفن‭ ‬التي‭ ‬أغلبها‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬للمصالح‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بصلة‭! ‬وإنما‭ ‬بمصالح‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬منها‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬تضررت‭ ‬الموارد‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الحوثيون‭! ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬تستفد‭ ‬غزة‭ ‬وأهلها‭ ‬إلا‭ ‬هواء‭ ‬الشعارات‭ ‬الرنانة‭! ‬وتماما‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬إيران‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭!‬

{‭ ‬إنه‭ ‬سوق‭ ‬الصراعات‭ ‬المفتوح‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لتتداخل‭ ‬أوراق‭ ‬وكلاء‭ ‬إيران‭ ‬والمليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬مع‭ ‬أوراق‭ ‬الأجندة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تصرح‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬توسعة‭ ‬رقعة‭ ‬الحرب‭ ‬إقليميا،‭ ‬فيما‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬تتواطأ‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توسعتها‭! ‬فهل‭ ‬يخدم‭ ‬الحوثيون‭ ‬الهدف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أم‭ ‬أنهم‭ ‬وهم‭ ‬يخدمون‭ ‬أهدافهم‭ ‬للتمويل‭ ‬الذاتي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جباية‭ ‬الرسوم‭ ‬على‭ ‬السفن‭ ‬يخدمون‭ ‬الهدفين‭ ‬معا،‭ ‬وحيث‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬الحوثية‮»‬‭ ‬ومصادر‭ ‬تمويلها‭ ‬هو‭ ‬هدف‭ ‬أمريكي‭ ‬بريطاني‭ ‬أيضا‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الحوثيون‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬لم‭ ‬يخدم‭ ‬ولن‭ ‬يخدم‭ ‬غزة‭ ‬ولم‭ ‬يضر‭ ‬ولن‭ ‬يضر‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬رغم‭ ‬الشعارات‭ ‬المرفوعة‭! ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬‮«‬عقدة‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬يفعله‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭! ‬مثلما‭ ‬التخلص‭ ‬أن‭ ‬الوقوف‭ ‬ضدهم‭ ‬يعني‭ ‬الوقوف‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬على‭ ‬غزة‭! ‬ولكي‭ ‬تتم‭ ‬رؤية‭ ‬الصورة‭ ‬كاملة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬المتاجرة‭ ‬الحوثية‭ ‬بغزة،‭ ‬فيما‭ ‬مردود‭ ‬ما‭ ‬يفعلونه‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬هو‭ ‬جباية‭ ‬الأموال‭ ‬لأنفسهم‭! ‬وصناعة‭ ‬السمعة‭ ‬بأنهم‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أهل‭ ‬غزة،‭ ‬وبأنهم‭ ‬مقاومون‭ ‬للاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تتعرض‭ ‬قاعدته‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬كيلومترات‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬لأي‭ ‬استهداف‭ ‬حوثي‭! ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬ترتيب‭ ‬الأوراق‭ ‬حتى‭ ‬تتضح‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يراها‭ ‬الأغلب‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا