زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عربون لرمضان الآتي
يفوت عليّ كثيرا تهنئة القراء ببعض المناسبات مثل الأعياد ورمضان، لأنني قد أبعث إلى الصحيفة بعدد من المقالات دفعة واحدة، قبل أيام من حلول مناسبة ما، وبما أننا على بعد نحو أسبوعين من شهر الصوم الفضيل فقد رأيت أن أهنئكم بمقدمه منذ الآن، وليسامحني جماعة فالنتاين أي جماهير ما يسمى بعيد الحب، لأنني أتعمد تطنيشهم، أو قد استخف بـ«قديسهم» هذا من منطلق أنني اعتبره شخصية خرافية، وحتى لو كان شخصا حقيقيا فهو ليس مني وأنا لست منه، وعلى الأعتاب عيد الأم، وبما أن أمي انتقلت إلى جوار ربها فهو أيضا مناسبة لا تخصني وإن كانت أم الجعافر التي هي زوجتي تطالبني فيها بهدية، ولكن هيهات!
من الأشياء الجميلة في رمضان، أن كثيرا من الناس الذين يكونون عادة عدوانيين باللسان واليد، يسيطرون على أعصابهم ويكونون أكثر تسامحاً، ويحافظ البعض على قواعد حسن السلوك والأدب خلال الأيام الثلاثة الأولى فقط من رمضان، وبعدها يتعلل الواحد منهم كلما عاتبته على انفلات أعصابه وتلفظه بعبارات جارحة أو بذيئة بعبارة مثل «وش أسوي، الصيام ضيق خلقي». وكثيرا ما تسمع شخصا ما يهدد آخر: أتركني في حالي.. صايم وخلقي ضايق!! تقول له أنه يفترض أن الصيام يعلمك الصبر والتحمل ولا يجوز لك أن تنسب سوء سلوكك أو ملامك إلى الصوم! وقد يهمهم بعبارات تشبه الاعتذار وقد (يشب في حلقك) ويحولها إلى (شكلة) وشجار معك.
ولكن نسبة كبيرة من الناس تجتهد خلال شهر الصوم لمنع الألسن من التلفظ بالكلام البذيء، والأيدي من الامتداد إلى الآخرين بالأذى، ولكن المصيبة هي أن بعض هؤلاء لا يرى حرجا في شتم الآخرين وتجريحهم أو الضرب بعد انقضاء رمضان، مع أن الإنسان (والمسلم على وجه الخصوص) مطالب على امتداد مشوار حياته بالحرص على عفة وطهارة اللسان والكف عن إيذاء الآخرين. (تحضرني في كل رمضان حكاية استفتاء الراقصة فيفي عبده لشيخ أزهري عن جواز الرقص الشرقي في الملاهي في رمضان فجاء رده الذكي: ما هو حرام في رمضان حرام في غير رمضان! ولكنها أفتت بأن توقفها عن الرقص في رمضان حرام لأن ذلك يقطع عيش الطبالين والزمارين).
وهناك من يستخدم عبارة «اللهم إني صائم»، المراد بها معاتبة ومحاسبة وضبط النفس بمعنى: اللهم طولك يا روح.. وحتى هذه العبارة صارت تعني أمرا آخر يخالف معناها الأصلي الذي هو الدعاء لله بأن يلهم القائل ضبط النفس، وهكذا تحاول – مثلا – أن تثبت لشخص ما بلغة مهذبة أنه على خطأ فتنطلق من فمه عبارة «اللهم إني صائم» بلهجة أقرب إلى الوعيد تعني ضمنا: حل عن سماي، وهي تماثل مقولة «يصير خير» التي قد تقال في منطقة الخليج بمعنى «يا ويلك مني».
ومن الأشياء الجميلة في رمضان أن الناس يدعون بعضهم البعض إلى الإفطار والعشاء (في البيوت غالبا)، فللأكل الجماعي، بل للأكل عموما مذاق خاص في رمضان، لأنه يكون بمثابة مكافأة مستحقة نظير عمل قمت به عن طيب خاطر، ولكن لماذا لا ندعو بعضنا البعض لتناول الطعام في بيوتنا في غير رمضان وبدون (مناسبة): لا زواج ولا ختان ولا خطوبة ولا نجاح في امتحان أو الحصول على ترقية. شخصيا لا أحب الولائم التي تنتج عن «تخطيط» وتستوجب بروتوكولات وطقوسا، ولكنني أحب أن التقي مع الأهل والأصدقاء على مائدة بدون هيلمان. بمعنى أن نجلس ونأكل ما توافر وتيسر، وقصر مفهوم الكرم على موائد الطعام يضايقني، بل ورغم أنني أجد نفسي في كثير من الأحيان مضطرا إلى تنظيم ولائم (على شرف) شخص أو أشخاص ما، إلا أنني أكون أكثر ارتياحا نفسيا إذا داهمني ضيف عزيز في موعد وجبة طعام وأكل معي ما هو موجود.
عندما كان الأستاذ غازي القصيبي -رحمه الله- سفيرا للسعودية في لندن وجاء إلى جدة في ذات إجازة طلب منه صديق أن يحدد له موعدا يتناول فيه الطعام في بيته، واعتذر غازي بلباقته المعهودة، وزعل الصديق: نريد إكرامك بعدد من الذبائح في حضور الأصدقاء وها أنت ترفض دعوتي. هنا قال له القصيبي بلغة ليس فيها أي دبلوماسية: لا أحب أن تقاس قيمتي بالخرفان!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك